مقالات مختارة

أزمة سلطة أم أزمة وطن؟ ثريا عاصي

 

تتبدى في كل مناسبة تفاهة الكتبة في بيروت وقطر، الذين هاموا بالديمقراطية منذ أزيد من أربع سنوات. من المحتمل أن الحمى عاودتهم لدى سماعهم ما شطح به خيال مسؤول إيراني عن الأمبراطورية القديمة التي تعمل بلاده على إسترجاع أجزائها.

من البديهي أن الكتبة المذكورين وهم في الواقع ليسوا بأكثر من وكلاء دعاية، لم يروا في بلاد العرب التي تصحرت، اثر النفوذ العثماني والصهيوني والوهابي والإستعماري الغربي. أزعجهم النفوذ الإيراني. لم يتساءلوا على الأرجح عن إحتمال أن يكون الإيراني منزعجا من اتساع المناطق التي تقع تحت هيمنة المستعمرين الإسرائيليين وغيرهم، بواسطة «داعش» وأخواتها.

تجدر الملاحظة في هذا السياق، أن حركات التحرر العربية تعرضت على مدى القرن الماضي لمؤامرات متواصلة كان للرجعية العربية، على رأسها المملكة السعودية، دور فاعل فيها. هذه الرجعية أجهضت الإنتفاضات والثورات في فلسطين، وتحديدا حركة القسام سنة 1936. لم تترك وسيلة عدوانية إلا واستخدمتها ضد الناصرية. أغرقت الفصائل الفلسطينية في لبنان في الوحل والدم إلى أن استسلمت وذهبت إلى أوسلو. هذه الرجعية تطعم في الراهن «الثورات». نفوذها برد وسلام على الكتبة التافهين ! الخشية أن تعود الأمبراطورية الفارسية!

ولكن بصرف النظر عن الهذر والثرثرة، أن ما يتكشف من خلال الأحداث التي تتوالى، ونحن شاهدون عليها، هي أمور لا مفر من التوقف عندها والإعتماد عليها في مقاربة الأوضاع التي نتجت عن العملية الهجومية العدوانية، التي دبرها المستعمرون، وشاركت فيها قطاعات من السكان الأصليين، تحت ستار «الثورة والديمقراطية».

لا شك في أنه يوجد عراقيون في صفوف «داعش». هؤلاء رضيوا أو أنهم لم يكترثوا للأحكام بالإعدام ذبحا أو خنقا او حرقا أو رجما بحق مواطنين عراقيين مثلهم، التي تصدرها وتنفذها «داعش». هؤلاء لم يتأثروا امام أعمال التخريب والتحطيم التي تمارسها «داعش» في المتاحف وفي المواقع الأثرية والتاريخية في وطنهم العراق؟!.

عندما غزا الأميركيون العراق تطوّع عراقيون لمعاونتهم (وحدث في لبنان). أمر الأميركيون بحل الجيش العراقي فانحل هذا الاخير ! أسقط الأميركيون تمثال صدام حسين. ألقوا القبض على هذا الأخير. عرضوا شريطا مصورا عن الرجل أثناء إخراجه من مخبئه (حفرة)، مثلما تفعل «داعش»، في إطار الحرب النفسية، أو بالاحرى في إطار إهانة الكرامة الوطنية وانتهاكها.

في السياق نفسه يمكن القول انه صار عاديا، مألوفا أن يدعو أحد الأطراف الوطنية في بلد عربي حليفه الأجنبي للمشاركة إلى جانبه في المنازعة ضد الخصوم الداخليين. لولا الناصرية لما انهارت السلطة المارونية في لبنان. لم ينشأ في السبعينيات حلف وطني لبناني مع المقاومة الفلسطينية وإنما دخل الفلسطينيون إلى لبنان بالإتفاق مع فئة من اللبنانيين، رغم إعتراض فئة أخرى. بتعبير آخر نحن حيال أزمة وطنية حادة. هل سأل «الثوار» أنفسهم كيف نمارس الديمقراطية حيث لا توجد سلطة وطنية وحيث لا توجد جماعة وطنية. كل ما لدينا «سلطة حراسة» يضطلع بها رعيان يراقبون الناس يمنعون عنهم الوعي والمعرفة حتى لا يبنون وطنا!

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى