مقالات مختارة

التحليل الأسبوعي لمركز الدراسات الأميركية والعربية معركة تكريت وخطاب نتنياهو بقلم د.منذر سليمان

 

سذاجة” السياسة الاميركية

فشل سياسة الرئيس اوباما في العراق، وامتدادا في سورية، لم يعد مجرد ترف للتحليلات السياسية في المشهد الاميركي. سيل الاتهامات لم ينقطع وكان احدثها ما جاء في صحيفة “نيويورك تايمز،” 5 آذار / مارس الجاري، بأن الرئيس اوباما “اصبح يعتمد بشكل متزايد على المقاتلين الايرانيين لاحتواء (تمدد) الدولة الاسلامية في العراق وسورية دون (المجازفة) بمشاركة قوات اميركية برية.”

كما عكست “الاتهامات” مدى تذمّر الحكومة العراقية من المماطلة الاميركية بتسليم الاسلحة التي تم التعاقد عليها ودفع ثمنها مقدما، من ناحية، واعلان القيادة العسكرية الاميركية “دون مبرر او تنسيق مسبق” موعد الهجوم المحتمل ضد داعش، من ناحية اخرى؛ مما اسهم في بروز التوترات بين البلدين الى العلن والتخوف من أنها “قد تفسد الود” بينهما.

احد اهم المنابر المقربة من الادارة الاميركية، صحيفة “واشنطن بوست،” في 6 آذار، اتهمت السياسة الاميركية “بالسذاجة .. بسماحها لايران تصدر المشهد العسكري المناهض لداعش في الحملة لاستعادة مدينة تكريت ومناطق اخرى من العراق.. وتهيئة الفرصة لايران للاقدام على خطوة تستبدل فيها (داعش) النظام الارهابي بآخر يلبي هيمنته الشريرة.”

أهمية استرداد تكريت

استعرض “المرصد” في تحليل الاسبوع الماضي اعلان الاستعداد للبدء بالهجوم لاستعادة مدينة الموصل من قبضة داعش، والعقبات التي تعترض مهمة بذلك الحجم، لا سيما ضرورة استعادة السيطرة على عدد من المدن والبلدات الهامة على الطريق الرئيس بين بغداد والموصل، بغية انشاء مركز امداد وتموين آمن للقوات العراقية.

عقب “تسريبات” القادة العسكريين الاميركيين عن موعد الاستعداد الهجوم، اعلنت الحكومة العراقية تأجيله من جانب واحد، وانطلقت لتحاصر وتستعيد تكريت – اولى المدن التي ينبغي استعادتها لتأمين طرق الامداد. في الجانب الاميركي، اتُهِمت الادارة الاميركية بأنها وقعت فريسة غطرستها واصابتها الدهشة لبدء الحملة على تكريت، مؤكدة في جملة من التصريحات المتلاحقة انها “لا تُجري تنسيقا للجهود مع ايران” في ذاك الشأن.

قادة البنتاغون اكدوا لصحيفة “نيويورك تايمز” انتظام اجراءات “مراقبة ومواكبة مكثفة للطيران الاميركي للجهود الايرانية في الحرب ضد الدولة الاسلامية .. عبر سلسلة من القنوات المتعددة والمتاحة.” وارجعت الصحيفة “نجاح الاستراتيجية الاميركية في العراق لحتى اللحظة بفضل ايران .. بدءاً من ضرب الحصار حول قوات داعش في آمرلي،” مرورا بنجاح الجهود لتحرير مدينة بيجي ذات الأهمية المركزية، وما نشهده راهنا من معارك واشتباكات مباشرة.

حشود المعركة

لفت قادة عسكريون الانظار الى “تعديل” داعش لخطة انتشاره وخوض القتال وعدم التمركز. سعى داعش سريعا لاستغلال كثافة العنصر المدني في محيط مدينة تكريت واستخدامه درعا بشريا لحمايته، وذلك “بمداهمة مئات المنازل واختطاف اعداد كبيرة من ابناء العشائر العراقية المختلفة، وارغام الاهالي على تسليم هواتفهم النقالة.” عقب اطمئنانه للسد البشري الكبير، اصطحب نحو 100 شخص الى منطقة نائية وقام بالكشف عن كافة المكالمات المدونة ومقارنتها بكشوفات جاهزة لديه بغية التيقن من عدم اجراء اي منهم اتصالات مع عناصر يعتبرها معادية له.

على الجانب العراقي، حشدت الحكومة قوة قوامها 30 ألف عنصر تدعمها 3 كتائب من قوات الشرطة للطواريء وقوات الأمن ومنظمات “الحشد الشعبي،” بمساندة سلاح الجو ووحدات القوات الخاصة العراقية، واستطاعت الدخول من حي القادسية شمالي مدينة تكريت والاشتباك مع عناصر داعش مكبدة التنظيم خسائر بشرية كبيرة، وخسارة المنظمات لثمانية عناصر وجرح نحو 42 آخرين. احد زعماء العشائر في محافظة صلاح الدين، وَنَس جبارة، اوضح ان نحو 4500 مقاتل من ابناء محافظته يشتركون في القتال ضد داعش.

العامل الايراني

الحضور العسكري الايراني المباشر في الحملة لاستعادة الموصل حفّز صحيفة “وول ستريت جورنال، في 4 آذار، لوصفه بأنه يشكل جزءاً من تحولات اشمل في السياسة الايرانية الخارجية،” كثمرة لتوتر العلاقات العراقية الاميركية “وازمة الثقة” بين الطرفين.

من اليقين غياب الدعم الاميركي عن هذه الحملة، لاسباب متباينة بين الطرفين. الناطق باسم البنتاغون، ستيف وورين، اوضح غياب الدور الاميركي الى “مشاركة مكثفة من الايرانيين في الهجوم.”       يومية “نيويورك تايمز” نقلت على لسان مسؤولين اميركيين كبار قولهم ان الجانب العراقي “لم يطلب دعما اميركيا في تكريت؛” وربما كان الأمر كذلك نظرا لقناعة العراقيين بعدم استجابة الولايات المتحدة لذاك الطلب.

اما الموقف الاميركي من نتائج المعارك فهو ملتبس في افضل الاحوال. نجاح القوات العراقية والقوى المساندة في الهجوم على تكريت واستعادتها السيطرة “تدريجيا” على بعض البلدات والمدن، ومن ثم الموصل، سيعزز من النزعة الاستقلالية عن الولايات المتحدة، وبدء هزيمة مشروع الولايات المتحدة للهيمنة عبر مناطق نفوذ تابعة ومقسمة عرقيا وطائفيا، بصرف النظر عما تراه قيادات اميركية عليا من تسخير الانجازات في خدمة استراتيجيتها العليا “حتى دون مشاركة اميركية مباشرة.”

استفادة ايران من اي تقدم وانجاز في الحملة الراهنة غني عن التعريف، ولم يغفله الخطاب السياسي الاميركي الذي اعرب عن قلقه البالغ من انباء موثقة تشير الى مشاركة قائد قوات القدس في الحرس الثوري الايراني، قاسم سليماني، في ادارة المعركة. واعتبر قائد هيئة الاركان الاميركية، مارتن ديمبسي، أن مشاركة ايران “عامل ايجابي،” محذرا من تقويض الانجازات ان تغلب التوتر الطائفي. شهادته التي القاها مؤخرا امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ جاءت بخلفية انباء تشير الى “اعدام 70 مواطنا” في محافظة ديالى بدوافع طائفية على ايدي “الميليشيات الشيعية.”

وفقا لتقارير الصحافة الاميركية فان امكانية الحشد لما يحسب على “الميليشيات الشيعية كبير، سيما وان التقديرات تشير الى الى انخراط نحو 800 ألف عنصر تحت السلاح، وهو عدد اكبر من حجم القوات العراقية نفسها. المصادر العسكرية الاميركية ترجح ان نحو 60% من مجموع القوات المشاركة تعود للميليشيات؛ مشيرة الى تردد الدول الاقليمية المشاركة في تحالف واشنطن في الانخراط المباشر خشية من ان تؤدي المساهمة الى تعاظم النفوذ الايراني في العراق.

من غير الجائز القفز على عوامل الاحتقان الطائفي بين “السنة والشيعة” في العراق نتيجة للاحتلال الاميركي، وما تشكله من تهديد حقيقي لسير الهجوم على مواقع داعش ان لم تحسن “الميليشيات الشيعية” تقليص اندفاعاتها بوحي الحساسيات الطائفية وتغليبها عن توظيف الزخم الجماعي في مواجهة التنظيم.

اعطاء الاولوية للعامل الطائفي سيهدد خطوط الامداد الخلفية، لا سيما في المواقع التي تمت استعادتها على طول الطريق بين بغداد والموصل، واضطرار القادة العسكريين لتخصيص قوات مدربة كبيرة لمهام حراسة الطريق وقوافل الامداد على حساب المعركة الاساس؛ وما ستفرزه الظروف من تنامي مشاعر عداء المواطنين ضد الحكومة المركزية وربما الاصطفاف الى جانب تنظيم داعش نكاية بها.

الموصل كانت ولا تزال بؤرة اطماع تركية وكردية على السواء، لا سيما ان “منطقة الحكم الذاتي” في كردستان العراق تتوثب للمشاركة في السيطرة على الموصل وحصد نتائج فورية، وفق منظور قياداتها المرتبطة تاريخيا بالقوى الاجنبية والمعادية للعراق والوطن العربي. في اسوأ الاحوال، تنتظر قيادة الاقليم الكردي مراكمة تنازلات اضافية من جانب الحكومة المركزية في بغداد، لا ترغب بها، لقاء الوقوف على الحياد في المعركة ضد داعش.

الطريق لاستعادة الموصل لا تزال في مراحلها الاولى، يعزز المضي بها الانجازات التي تحرزها القوات العراقية والاخرى المشاركة. الانتصار الحقيقي هو خارج الدائرة العسكرية الصرف والقدرة على “استعادة ثقة” الاهالي كمواطنين وليس “كمكونات طائفية.”

قراءة سريعة في خطاب نتنياهو

         وصف اوباما اصرار نتنياهو على القاء خطابه في الكونغرس بأنه انحراف عن المسار الطبيعي للعلاقات الاميركية “الاسرائيلية،” ولكنه انحراف لن يؤدي الى الحاق ضرر او تدمير دائم. واضاف انه سبق لنتنياهو ان اخطأ في تقديراته حول المفاوضات في الملف النووي مشيرا الى التزام ايران بكل بنود الاتفاق المرحلية لعام 2013.

         نتنياهو في محاولة “غير صادقة” منه لرأب الصدع في علاقاته مع اوباما كرر امام اللوبي “الاسرائيلي” وكذلك في خطابه امام الكونغرس انه لا يقصد الاساءة او التقليل من احترام شخص او موقع الرئيس الاميركي.

         استبقت ادارة اوباما خطاب نتنياهو بتفنيد ما يمكن ان يسوقه من حجج ضد اتفاق محتمل مع الخمسة زائد واحدا وايران، بالتشديد على وضع الضوابط الصارمة والرقابة المعززة لضمان ان الاتفاق لن يمكّن ايران من السير نحو امتلاك السلاح النووي اذا رغبت ولعقد من الزمن على الاقل.

         التفنيد جاء على لسان مستشارة الأمن القومي سوزان رايس في خطابها امام مؤتمر اللوبي الاسرائيلي، رغم انها تملقت الحضور بنشر خطابها باللغة العبرية واستحضار ذكرياتها الحميمة خلال زيارتها الى فلسطين المحتلة.

         بدا خطاب نتنياهو امام الكونغرس على شكل مطالعة لادانة اي تقارب مع ايران او السعي لانجاز اي اتفاق معها. لا بل تشكيكا خالصا بالاتفاق المحتمل باعتباره اتفاقا سيئا لانه لا يلغي البنية التحتية للمشروع النووي الايراني، وسردية انه لا يمكن الوثوق بايران. كما قرن اي اتفاق بشرط التزام ايران مسبقا بوقف دعمها لما اسماه الارهاب في العالم وتدخلها في شؤون جيرانها وتهديداتها بالقضاء على “اسرائيل.” وطالب بعدم رفع العقوبات عن ايران حتى تغير من سلوكها الراهن.

         زعم نتنياهو ايضا ان البديل للاتفاق النووي، الذي يتم التفاوض عليه حاليا، ليس الحرب بل التوصل لاتفاق افضل منه. واعتبر ان التشدد مع طهران هو المقاربة الافضل لانها بحاجة ماسة للاتفاق وستخضع وتتنازل رغم تهديدها بترك المفاوضات.

         مصادر مقربة من البيت الابيض، في اول رد غير رسمي، عبرت عن استيائها الشديد والعميق من خطاب نتنياهو واعتبرته معسول الكلام خاليا من تقديم بدائل واقعية.

         للعديد من المراقبين في العاصمة الاميركية يبدو خطاب نتنياهو واصراره على القائه قبل الانتخابات “الاسرائيلية” بمثابة المحطة الانتخابية الداخلية، ولكن على بعد 6 آلاف ميل.

         قد ينشغل البعض في احصاء عدد المرات التي صفق فيها اعضاء الكونغرس وقوفا متأثرين ببراعة نتنياهو الخطابية، ويجرون المقارنة بالمرات السابقة، لكن الاختبار الحقيقي سيكون عدد الاصوات التي يمكن ان يكسبها في الانتخابات “الاسرائيلية” القادمة، في مجتمع يشهد منذ الثمانينيات المزيد من التشظي والانقسام والعجز عن تكوين حزب او ائتلاف وازن لاغلبية حاسمة تستطيع ممارسة الحكم بصورة مستقرة نسبيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى