مقالات مختارة

أميركا ووظيفة داعش الجديدة …كيف تواجه؟ أمين محمد حطيط

 

لم نكن يوما لنصدق بان أميركا التي أنشأت داعش، قامت بإنشاء التحالف الدولي لقتالها، ورأينا منذ البدء أنها قصدت ما أسمته “الحرب على داعش”، لتشكل ستارا دخانيا يخفي حقيقة المشروع الأميركي والخطة الأميركية التي تعتمد داعش عامودها الفقري بعد فشلها في سابقتيها (خطة الإخوان وخطة الوهابية التقليدية ).

والآن وبعد فشل داعش في تحقيق ما أرادته أميركا في سورية والعراق يطرح سؤالان، الأول حول مصير داعش بذاتها والثاني حول السلوك الأميركي حيال المنطقة وخطتها في مواصلة العدوان عليها.

بالنسبة للسؤال الأول يبدو أن أميركا لم تستغن عن خدمات جيشها السري “داعش” رغم أنها فشلت في تحقيق الهدف الأصلي الذي من أجله أنشئ وهو على حد ما وصف الأميركيون أنفسهم قتال حزب الله وصرفه عن قتال إسرائيل وسلبه كافة المكتسبات التي حققها في صراعه معها لكن حزب الله عرف كيف يتصرف وكيف يؤكد قدرته وجهوزيته لمواصلة المهمة ضد إسرائيل وكان فعله البطولي الأخير في مزارع شبعا قاطعا في الرد وفي إجهاض الأحلام الإسرائيلية والأميركية.

كما أن حزب الله عرف كيف يساهم في المعركة الدفاعية التي يخوضها محور المقاومة في سورية، وهي معركة بات من المؤكد أنها لن تحقق لأميركا ما ابتغته من العدوان الذي اتخذ من داعش راس حربة أو عامود فقري لها، فسورية صمدت واتجهت للسير في استراتيجية التطهير المتتابع الثابتة القدم والمتراكمة الإنجازات بحيث قطعت الطريق على أي محاولة أو حديث لبلوغ المشروع الأميركي فيها أهدافه. وباختصار فان حزب الله بذاته ومحور المقاومة بكليته هو اليوم اقوى من أي يوم مضى قدرات وخبرات وإرادة قتال.

و لان الوضع بات هكذا ، فان أميركا كما يبدو قررت تحديد ميدان جديد لنقل داعش اليه فكان اختيار ليبيا ، و قد يقول قائل وما ذا في لبيبا حتى تتخذ قاعدة لتحرك داعش و إرهابها ، و الرد بسيط و نعود به إلى الأيام الأولى التي دخل فيها الأطلسي إلى ليبيا و دمر فيها ما دمر بعد أن قتل ما يزيد عن 150الف مواطن مدني بحجة التخلص من نظام القذافي و كانت النتيجة تدمير كل شيء يمكن أن يستعان به لبناء دولة ليبية ، و بعد ذلك تدعي أميركا اليوم أن الحل في ليبيا هو سياسي للخروج من الفوضى العارمة التي تجتاح البلاد التي تحولت “بفضل الأطلسي ” إلى قاعدة دولية للإرهاب الذي تقوده أميركا حيث تنفذ فيها عمليات التدريب و التجهيز و التحشيد للإرهابيين ثم يوزعون   للعمل في الميادين التي تحددها . فأميركا التي تعلم حقيقة الوضع الليبي تعلم جيدا أن لا مجال لبناء دولة في لبيبا اليوم ولا محل لأي حل سياسي فيها قبل التخلص من الإرهاب الذي يتفشى فيها ورغم ذلك فإنها أمرت داعش بنقل ثقلها إلى ليبيا وهنا بيت القصيد فلماذا؟

هنا نعود للسؤال: ماذا تريد أميركا من داعش في ليبيا أو انطلاقا منها وما هي وظيفتها؟ والجواب كما يبدو لم يتأخر كثيرا، حيث جاء على حد السكاكين القاطعة التي ذبح بها 21 مصريا (من الأقباط المسيحيين) بيد الدواعش، قتلا أريد منه استدراج مصر بجيشها للنزول إلى الميدان وجعلها تعمل من اجل استنزافه وتفكيكه على جبهتين جبهة في الشرق في مواجهة إرهاب “تنظيم بيت المقدس” الذي بايع داعش وجبهة في الغرب بدأتها داعش ذاتها بقتل المصريين في ليبيا. ثم أن داعش لن تحصر نشاطاتها من ليبيا باتجاه مصر فقط بل ومن غير المستبعد أن تلتفت غربا باتجاه الجزائر حيث حلم التكفيرين بالعودة اليها دون أن تكون تونس بذاتها بمنأى عن نارها أيضا.

وهنا نطل على السؤال الثاني الذي طرحناه، حول خطة أميركا الجديدة بعد فشل خطة داعش في العراق وبلاد الشام، ويبدو أن هذه تقوم على شقين شق عربي أفريقي يركز أساسا على مصر وشق عربي أسيوي يواصل استهداف سورية والعراق، خطة ترمي منها أميركا إلى استمرار العبث بالعالم العربي من مغربه إلى مشرقه في إطار الفوضى الهدامة التي ابتدعتها. ولكن أميركا تعلم أن هذه الفوضى باتت في اتجاه الانحسار في سورية والعراق بعد المواجهات الناجحة التي تمت على يد القوات المسلحة الرسمية الشعبية في البلدين ولذلك فان وظيفتها على هذا الاتجاه تتركز على تأخير الحل سواء كان في الميدان بمنع الحسم، أو في السياسة بمنع الاتفاق أو الوفاق الوطني.

أما ما يشاع عن تحضير قوات عربية لغزو سورية من الجنوب انطلاقا من الأردن، أو من الشمال انطلاقا من تركيا مع مساهمة تركية فاعلة وبمظلة عربية تشكلها الجامعة العربية كما يروج، فإنها برأينا نوع من الحرب النفسية القصد منها تثبيط العزائم وحجب عظيم الإنجازات العسكرية التي حققها الجيش العربي السوري على جبهتي الشمال والجنوب مؤخرا والتي كانت معارك الأيام الثلاثة الماضية في أرياف دمشق ودرعا والقنيطرة وجها من وجوه الأبداع العسكري فيها.

لكن الأخطر في الخطة الأميركية الجديدة هو ما يعد لمصر واستطرادا للجزائر وتونس انطلاقا من ليبيا، وهنا يبرز السؤال الكبير عن تداعيات ذك، فهل سنرى النار الإرهابية تقتحم مصر لإسقاط جيشها وتاليا أسقاطها تحقيقا لأحلام صهيواميركية قديمة قائمة على تفكيك الجيوش العربية القوية الثلاثة، أم أن هناك إمكانية لعمل استباقي يحول دون الوقوع في أتون النار التي تسعر؟

من الواضح أن مصر وقفت على حقيقة الخطر الإرهابي الذي يهددها شرقا وغربا، ويبدو أن سعيها في محاربة الإرهاب هو قرار نهائي لا رجعة فيه، ويبقى تحديد الأسلوب ووضع الخطة أو لنقل الاستراتيجية الناجعة التي قد تكون الأفضل لتجنيب مصر الكأس المرة هذه. خاصة وأن لدى مصر خيارات متعددة في هذا السبيل. منها ما تطرحه الآن بتشكيل جيش عربي لمحاربة الإرهاب أو تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك، فهل أن هذا الطرح قابل للتطبيق ويشتمل على عناصر النجاح الكافية لتحقيق المطلوب في مواجهة الإرهاب؟

قد تكون الفكرة بذاتها شيئا جميلا خاصة وأن هناك على الصعيد الدولي نماذج مماثلة كما هو الحال مع الحلف الأطلسي، لكن المعضلة هنا أن الدول العربية المتخبطة بالتبعية للغرب في معظمها لا تمتلك وللأسف قرارها المستقل، ولا تستطيع أن تسير بخطة لا ترضى عنها أميركا، وأميركا لن تسمح بعمل يفشل خططها، وإذا شكل الجيش العربي هذا – وفرض المحال ليس بمحال – فانه لن يكون فاعلا لأكثر من سبب ولان قيادته الفعلية لن تكون خارج القرار الأميركي وهنا نعود إلى نقطة الصفر في البحث، ونعيد السؤال هل أن أميركا تريد فعلا محاربة داعش واجتثاثها؟

جوابنا قطعا لا تريد، أذن كيف نشكل جيشا لمحاربة داعش وأميركا التي تهيمن على القرار لا تقبل الفكرة من أساسها ولنا فيما حصل بعد الغارات الجوية المصرية على داعش في ليبيا وردة فعل أميركا عليها ورفضها تشريع الغارة خير مثال على ما نقول، ويضاف إلى ذلك طبيعة المعركة ذاتها وقدرات الوحدات العسكرية التي ترشح للاشتراك في هذا الجيش وكلها ليست امرا مشجعا للسير قدما في هذا المشروع ـ ألا إذا حور الأمر باتجاه قتال الدول العربية ذاتها وهنا يكون للشأن حديث آخر.

وبناء عليه فأننا نرى حيال المخاطر المتشكلة بعد انتقال الجهد الداعشي إلى ليبيا وتهديد الدول المحيطة بها، وبعد ما يبدو من قرار أميركي باستمرار العمل الإرهابي في سورية والعراق ودليله هو القرار الأميركي بتدريب 25 ألف مسلح خلال السنوات الثلاث المقبلة لضخهم إلى الميدان السوري فان المواجهة الناجعة والمؤثرة لمحاربة الإرهاب من قبل الدول المستهدفة يجب أن تقوم على الثوابت التالية:

–   عدم الاتكال في محاربة الإرهاب على من يستثمر في الإرهاب أو يموله أو يمده باي نوع من أنواع المساعدات المادية أو المعنوية أو الإعلامية، بدءا من أميركا مرورا بأروبا وصولا إلى تركيا وقطر والسعودية، فلا يمكن أن يحارب الإرهاب من صنعه ويستثمر فيه أو يكون مطية لهذا المنتج والمستثمر.

–   ضرورة التنسيق الجدي والفعلي بين الدول المستهدفة بالأعمال الإرهابية والعمل على بناء منظومة امن إقليمي فيما بينها تخطط لمكافحة الإرهاب على خطوط ثلاثة: خط فكري فقهي أعلامي وخط أمنى استعلامي وخط عسكري ميداني.

–   عدم الوقوع في كمائن وافخاخ تنصبها أميركا واتباعها لهذه الدولة العربية أو تلك، إذ بعد كل الفضائح التي نشرت مؤخرا حول داعش والدور الأميركي في إنشائها وتشغيلها واحتضانها، يكون ضرب من الانتحار أو الغباء التصديق بان أميركا ستقدم حلا لازمة المنطقة وأنها ستحارب الإرهابيين فيها بدءا بداعش والنصرة وسواهما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى