مقالات مختارة

اعترافات أردوغان محمد نورالدين

 

لم يكن رئيس الجمهورية التركية بحاجة للاعتراف، لكي يعرف العالم والمواطن التركي في مقدمه أن سياساته الخارجية لم تقد سوى إلى عزل تركيا عن محيطها الإقليمي والعربي والإسلامي والدولي .

في طريق عودته من زيارة بعيدة في أمريكا الوسطى شملت المكسيك وكولومبيا وكوبا بحثاً عن مجد لم يعثر عليه بل ضيعه في محيطه الأقرب، اعترف أردوغان بما كان يرفض الاعتراف به مكابرة، وهو أنه معزول عن العالم ولا سيما عن رؤسائه .

قال أردوغان إن الرئيس الأمريكي أوباما: “لا يرد على اتصالاتي الهاتفية به . لم يكن الأمر كذلك في ولايته الأولى ومطلع ولايته الثانية . بل حتى كان يستضيفني وعائلتي في البيت الأبيض . لكن بعد ذلك تطورت الأمور في اتجاه لم أستطع فهمه” .

وحاول أردوغان التقليل منها قائلاً: “ليس من عزلة لدى الشعب الذي أعطاني ثقته . لكن يمكن أن يكون ذلك على مستوى الرؤساء” . والمثير أنه أعاد ذلك إلى الغيرة والحسد بقوله: “هذا الوضع ليس شيئاً آخر سوى الحسد” .

إنه الحسد إذا ولا أحد يدري على ماذا يحسد العالم أردوغان؟

تصادف هذه الأيام الذكرى المئوية لانفجار الحرب العالمية الأولى التي كان من أبرز نتائجها انهيار الدولة العثمانية التي سادت على أراضي ثلاث قارات . فيما سقط العالم العربي كله تحت سيطرتها لمدة أربعة قرون . جاء العثمانيون وغادروا كأنهم لم يمروا في بلادنا . لم يتركوا شيئاً سوى الجهل والتخلف وتحصيل الضرائب وضرب الفرق الدينية والمذهبية المعارضة لهم من الجزيرة العربية إلى بلاد الشام .

وبعد تسعين عاماً حاول الأتراك العودة إلى المنطقة مع حزب العدالة والتنمية . وفتح العرب لهم القلوب قبل أن يفردوا لهم الأيادي . ولم تبق دولة عربية واحدة إلا ورحبت بالقادم الجديد من بلاد حليفة ل”إسرائيل” عله يغير سياسات عمرها من عمر الحرب الباردة . لكنها سنوات قليلة حين أعاد رجب طيب أردوغان الكرة ليس إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية بل إلى قرن خلا . تصرف مع شعوب المنطقة كأن العثمانيين لا يزالون هنا وكأنه لم تحدث ثورات ضدهم .

ومن سياسات “صفر مشكلات” إلى سياسات كلها مشكلات أراد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء . لم ير إسلاميو حزب العدالة والتنمية في المنطقة من ليبيا إلى مصر ومن تونس إلى الخليج إلى بلاد الشام سوى فريق بعينه وفئة بعينها، تماماً كما كانوا بعين واحدة في الفترة العثمانية . استعدى أردوغان وحزبه كل العرب وكل المسلمين فكانت النتيجة الطبيعية والمنطقية الوحيدة هي تجديد الثورة العربية ضد أوهام هيمنته الجديدة .

إذا أجلنا النظر إلى كل المحيط الإقليمي والدولي لتركيا لا نجد سوى بلد معزول عن الجميع . ليس من عاصمة عربية وحيدة ذات وزن تستطيع أو تقبل استقبال أردوغان أو رئيس حكومته أو حتى وزير خارجيته .

من سوريا والعراق اللذين أرادهما امتداداً جغرافياً، إلى مصر التي أرادها امتداداً سياسياً، إلى الجزيرة العربية التي أرادها امتداداً عقائدياً . وحين ظهر “داعش” لم يجد حليفاً أفضل من تركيا عوناً ومدداً وحماية واحتضاناً . أصبح العنف المتطرف الورقة الوحيدة المتبقية للنموذج، الذي أريد له أن يكون مثالاً في الاعتدال والجمع بين الإسلام والديمقراطية، ولم يتردد في استخدامه ضد واحد من مكونات المجتمع التركي نفسه أي الأكراد، بدءاً بعين العرب وصولاً إلى مدن الجنوب الشرقي لتركيا التي ردّ على احتجاجات أكرادها بقتل أربعين مدنياً منهم .

نظرت سلطة رجب طيب أردوغان إلى مصر وحلفائها فأرادت لها أن تنزف تارة عبر العمليات الإرهابية في سيناء وتارة عبر الرعايا المصريين في ليبيا وذبح واحد وعشرين من أقباط الكنانة . وفي كل هذا لم يجرؤ على أن يمس العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل” دفاعاً عن الشعب الفلسطيني وأكثر من التجارة معها لتبلغ العام 2014 رقماً قياسياً بلغ ستة مليارات دولار . يتعجب أردوغان من عزلته بين الرؤساء العالميين والتي جلب بها العزلة إلى كل تركيا، وحوّل شعبها إلى هدف للكراهية بسبب سياسات الاستقطاب والكراهية التي اعترف بها نائب رئيس حكومته بولنت أرينتش .

إنها عزلة السلطان التي لن تنتهي إلا باعتزاله أو عزله .

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى