مقالات مختارة

ما بعد استقالة فيدان محمد نورالدين

 

مع اقتراب الانتخابات النيابية العامة في تركيا في السابع من يونيو/ حزيران المقبل، يواجه حزب العدالة والتنمية تحديات متعددة بدأت مؤشراتها تطل برأسها من دون الجزم بما ستنتهي إليه .

لم يعدم حزب العدالة والتنمية على امتداد تولي رجب طيب أردوغان رئاسته منذ العام 2001 ومن ثم توليه السلطة بعدها بعام واحد من خلافات داخلية وانشقاقات . غير أن وصول الحزب إلى السلطة وحاجته لتوطيد وضعه كان يحول دون أن تكبر الخلافات أو حتى أن تؤثر فيه . وكان العديد من قياداته يفضل الانسحاب على مواجهة خاسرة ومن أبرز هؤلاء نائب رئيس الحزب والحكومة ووزير المالية السابق عبداللطيف شينير .

وكان أردوغان يمضي في خطاب يلبي تطلعات فئات واسعة من الشعب التركي . غير أن أردوغان انتهج لا سيما من العام 2010 سياسات استقطابية تمثلت في خطاب استئثاري واستفزازي في الوقت نفسه، جعلت الجميع ينفضّ من حوله . فالسعي لحل المشكلات الاجتماعية والسياسية كان ينتهي إلى المزيد من تعميق الكراهية . ولم يوفر أردوغان في هذا السياق حتى أقرب المقربين اليه وأحد الدعامات الأساسية لحزبه أي رئيس الجمهورية السابق عبدالله غول الذي استبعد في الصيف الماضي عن العودة إلى رئاسة الحزب والحكومة بطريقة مهينة تفتقد أدنى الاحترام والوفاء ولا تليق بتاريخه ودوره في تمكين سلطة أردوغان .

ومن قبله بأشهر كان أردوغان ينقلب على شريكه الضمني أي جماعة فتح الله غولين متهماً إياها بتدبير مؤامرات خارجية للانقلاب عليه، فيما كان هو الذي يريد التخلص من حلفائه وشركائه لكي يستطيع أن يؤسس لنظام الشخص الواحد .

قبل أيام ظهرت بعض المؤشرات التي قد لا تكون إيجابية في مسيرة حزب العدالة والتنمية . أولاً: خرج نائب رئيس الحكومة بولنت أرينتش وأحد المدافع الثقيلة في الحزب بمواقف أقل ما يمكن أن توصف بأنها جريئة وغير مسبوقة . إذ غالباً ما كان أرينتش يمثل حالة اعتراضية في الحزب والحكومة، لكنه كان في النهاية يذعن لأوامر أردوغان رغم أنه سابق عليه في النضال السياسي . لكن تصريحاته الحالية جاءت في ظل غياب أردوغان عن رئاسة الحزب والحكومة بعدما أصبح رئيساً للجمهورية . قال أرينتش إن خمسين في المئة من الشعب التركي يكرهون حزب العدالة والتنمية . واعترف بأن على الحزب أن يبتعد عن سياسة الاستقطاب وانتهاج لغة جديدة مرنة تحقق المصالحة . وحذّر أرينتش حزب العدالة والتنمية من أن يكون مصيره كمصير حزبي “الوطن الأم” و”الطريق المستقيم” لجهة الممارسات الخاطئة . ربما يكون أرينتش أكثر حرية اليوم في التعبير عن آرائه خصوصاً في ظل القاعدة التي تحكم حزب العدالة والتنمية بعدم ترشيح أي عضو سبق له أن خدم ثلاث ولايات في النيابة . وبالتالي فإن أرينتش هو كمن ينعي حياته السياسية فيصبح أكثر حرية في التعبير عن مواقفه .

المؤشر الثاني، أن حاقان فيدان رئيس الاستخبارات التركية والذي عينه أردوغان في هذا الموقع في العام 2010 من خارج المؤسسة الأمنية وكانت له نجاحات مميزة قد استقال من موقعه قبل أيام لكي يستطيع أن يترشح للانتخابات النيابية المقبلة . استقالة فيدان كان يقال إنها بتنسيق بين أردوغان ورئيس الحكومة أحمد داوود أوغلو لكي تكون سلطة حزب العدالة والتنمية أقوى بعد خروج أردوغان إلى رئاسة الجمهورية .

المخطط له وفقاً للمعلومات أن يصبح فيدان نائباً عن حزب العدالة والتنمية ومن ثم وزيراً في الحكومة وربما وزيراً للخارجية . يقال إن داوود أوغلو هو الأكثر تحمساً لهذا القرار لكي يدعم الحكومة بأسماء لها وزنها . وجاءت ردة فعل أردوغان العلنية والسريعة بعد استقالة فيدان مفاجئة إذ قال إنه لا ينظر بإيجابية إلى هذا الأمر، وأن القرار عائد لرئيس الحكومة . وفي هذا التعليق ربما هناك بوادر خلاف بين أردوغان وداوود أوغلو خصوصاً مع سعي الأول تعديل النظام البرلماني إلى نظام رئاسي يلغي فيه موقع رئاسة الحكومة، أي إلغاء داوود أوغلو من أن يكون في موقعه وربما في السياسة .

إذا كان أردوغان معترضاً فعلاً على استقالة فيدان، وداوود أوغلو يريد فيدان في الحزب والحكومة والبرلمان فهذا يعكس بداية تشكيل مركز ثقل من داوود أوغلو- فيدان في مواجهة مركز ثقل أردوغان وربما إضعاف مركز أردوغان وعرقلة إقامة نظام رئاسي وخروج الحزب من سيطرة أردوغان ولو بعد حين . فهل نحن أمام مشهد جديد لحزب العدالة والتنمية وسلطته بعد الانتخابات النيابية المقبلة؟

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى