مقالات مختارة

«شروط» الرياض «التعجيزية» تجهض مهمة جيرو: تثبيت الحريري واصرار على عدم «النقاش» الرئاسي الا بعد استبعاد ترشيح عون؟؟ ابراهيم ناصرالدين

 

جان فرنسوا جيرو تحول الى عنوان مرادف لضعف الديبلوماسية الفرنسية في لبنان والمنطقة، بعد ان افرغت الادارات الفرنسية المتعاقبة على الاليزيه قوة فرنسا من محتواها، وما اصرار الرئيس فرنسوا هولاند على استمرار موفده بجولاته المكوكية على ايران والسعودية والفاتيكان ولبنان، الا تطبيق للقاعدة الفلسفية الشهيرة «انا افكر اذا انا موجود»، وغير ذلك لا طموحات لدى «ساكن» القصر الرئاسي في باريس، فهو يدرك حجم وحدود قدراته على التأثير في منطقة لا مكان فيها لمن لم يعد يملك اي نفوذ على اي من قواها الفاعلة وغير الفاعلة. فهل هذا السبب الوحيد لفشل جولات جيرو المكوكية؟

طبعا لا، فبحسب اوساط ديبلوماسية في بيروت فان المشكلة الرئيسة او العقدة الاساسية في حل مشكلة الرئاسة اللبنانية في الرياض، وباريس تعرف هذا الامر جيدا، وبعد ساعات طويلة من النقاشات وصل المبعوث الفرنسي الى هذه القناعة، ولكنه غير قادر على احداث اي اختراق في «الجدار» السعودي الصلب في اصراره على رفض النقاش في احتمال وصول الجنرال ميشال عون الى سدة الرئاسة اللبنانية، دون ان يكون لديه تصور آخر لحل الازمة، وكل ما يطلبه السعوديون من الفرنسيين الذهاب الى طهران والحصول على تنازل ايراني عن دعم «الجنرال» اولا، ليصار بعد ذلك الى الاتفاق على رئيس «وسطي» يملأ الفراغ في بعبدا.

واللافت في هذا السياق، ان جيرو المدرك لصعوبة تسويق هذا السيناريو السعودي لدى الاطراف الاخرى لم يستطع حتى الان ابلاغ المسؤولين السعوديين انه غير قادر على تبني وجهة نظرهم والقيام بتسويقها لدى الطرف الاخر، على حدّ قول الاوساط، كما لم يستطع اقناع ادارته بضرورة وقف هذه «المهزلة» التي جعلت منه مجرد «سائح» دبلوماسي يجول على أطراف تعرف مسبقا انه لا يحمل في جعبته اي جواب على اي سؤال، فهو لا يملك اي «اوراق» ضغط بين يديه على المملكة التي «اشترت» الادارة الفرنسية بالمليارات الاربعة المخصصة لتسليح الجيش اللبناني، وتحاذر الادارة الفرنسية «اللاهثة» وراء عقود تسليح اخرى، بعد ان نجحت في اختراق «الطوق» الاميركي المفروض على السعودية في هذا المجال، تحاذر اغضاب الامراء السعوديين من «بوابة» الملف الرئاسي اللبناني، فباريس «المهتمة» بالشأن اللبناني توازن بين اولوياتها ولا ترى من داع لخسارة مليارات الدولارات مقابل التشدد في الموقف دون ضمانات بان تكون قادرة على ايجاد تسوية عندما تنضج الظروف، والخوف الفرنسي من مقايضة ايرانية ـ اميركية لا تراعي مصالحها، ولذلك فان الاستراتيجية الفرنسية تقوم راهنا على تحصيل «ارباح» هامشية، جلها مالي، وهذا ما يفقدها القدرة على التاثير الجدي في الاحداث. وهذا ما دفع جيرو الى ابلاغ عدد من المقربين منه الى نيته الاعتذار عن هذه المهمة؟؟

ولا تبشر التعديلات الجديدة في السعودية بكثير من الخير لجهة تغيير السياسات الخارجية، فبقاء الوزير سعود الفيصل على رأس الديبلوماسية السعودية يشير الى ان الملك سلمان متمسك بنهج سلفه عبدالله في ادارة هذه الملفات، وبحسب تلك الاوساط، فان طهران قامت بما عليها في هذا الاطار، وسعت خلال الاشهر القليلة الماضية الى فتح «كوة» في «جدار» العلاقة مع المملكة لكن دون اي تجاوب يذكر، فزيارة مساعد وزير الخارجية حسين عبداللهيان الى الرياض قوبلت بفتور وبرود لافتين ولم تؤسس عليها السعودية لتبادل الزيارات مع ايران، وقيام وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف بتقديم العزاء بوفاة الملك، لم يساهم في ازالة «الجليد» في العلاقة بين الطرفين، وفي الملف الرئاسي اللبناني كانت طهران واضحة ومنطقية منذ اليوم الاول لانطلاق الوساطات، فهي ورغم تأكيدها على «مرجعية» حلفائها الحاسمة في هذا الاستحقاق، فهم المبعوث الفرنسي ان الايرانيين ينطلقون في معالجة هذا الملف انطلاقا من موازين المحلية والاقليمية، فاذا كان لا «فيتو» على عودة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة اللبنانية، فهذا يفترض في المقابل عدم وجود «فيتو» سعودي لوصول الجنرال ميشال عون الى سدة الرئاسة، فهذا التوازن يعبر بشكل منطقي وواقعي عن التوازنات اللبنانية، اما ان تتمسك الرياض بحق الحريري غير القابل للنقاش في سدة الرئاسة الثالثة، وتحاول تقاسم الرئاسة الاولى مع الطرف الاخر، فهذا الامر لا يمكن ان تقبله ايران وكذلك حلفاؤها اللبنانيين، واذا كان النقاش سيستمر على هذا المنوال، فان السؤال الذي سيصبح اكثر الحاحا هو «ومن قال ان رئاسة الحكومة حق مكتسب للحريري»؟

طبعا هذه المقاربات تجعل الجنرال عون اكثر تمسكا من اي يوم مضى بأحقيته في ان يكون رئيسا للبلاد، خصوصا ان الاحداث والتطورات تصب في خانة تعزيز صوابية خياراته، فبعد نحو تسع سنوات من توقيع «التفاهم» مع حزب الله يصل تيار المستقبل متأخرا لنسج تسويات مع الحزب، وينفتح على التواصل معه، فيما اقتنعت القوات اللبنانية بضرورة فتح ابواب الحوار معه، وهو يشعر اليوم «بفائض قوة» بعد ان صحت رؤيته الاستراتيجية للاحداث فهو راهن على المقاومة في 2006 فهزمت اسرائيل، هو غطى مشاركة حزب الله في الحرب السورية، واليوم اكتشف العالم متأخرا ما حذر منه مسبقا مع حليفه والتحق الجميع في الحرب على الارهاب، واصبح البحث في مصير النظام السوري وراء الجميع، وعندما يأتيه جيرو فهو يخاطبه بصفته «الوكيل» الشرعي والسياسي الوحيد لمحور المقاومة في الملف الرئاسي، فلماذا يتنازل عن حقه؟ ووفق اي منطق سيقدم «لخصومه» «الطبق الرئاسي» وهو يشعر ان موازين القوة تميل لمصلحته؟

وبحسب تلك الاوساط، فان جيرو وجد نفسه في الجولة المكوكية الاخيرة محاصرا باسئلة تشكيكية حول دور الدبلوماسية الفرنسية وقدرتها على «لعب» دور «الوسيط» في ملف الرئاسة اللبنانية بعد الموقف الفرنسي المتشدد والمنحاز لاسرائيل في الامم المتحدة بعد الهجوم الاسرائيلي في الجولان ورد حزب الله في مزارع شبعا، وسمع المبعوث الفرنسي كلاما عالي النبرة حول هذه الازدواجية الفرنسية غير القابلة للتسويق، وقد سأله احد كبار المسؤولين في بيروت عما اذا كانت حكومته تعتقد ان بمقدورها النجاح في تسويق نفسها لدى محور المقاومة، وعما اذا كانت تنتظر من هذا المحور ان «يبيعها» التسوية الرئاسية فيما تقود باريس الحرب الديبلوماسية نيابة عن اسرائيل في مجلس الامن، فهل هكذا «تورد الابل» في باريس؟ اذا كان الامر على هذا النحو فهي لن «تبصر النور» في بيروت او طهران؟

هذا التخبط الفرنسي، والعرقلة السعودية، ليسا وحدهما وراء اخفاق الدبلوماسية الفرنسية، فوفقا لتلك الاوساط، فان الفرنسيين يشكون ايضا عدم وجود تعاون اميركي في هذا الملف، فالادارة الاميركية غير مستعجلة لحل الازمة الرئاسية في لبنان، فمن جهة لا تريد اغضاب ايران في مرحلة حساسة ومصيرية في التفاوض على الملف النووي، ومن جهة أخرى لا تريد ممارسة الضغط على السعودية للسبب نفسه، فالاميركيون يعتقدون ان المرحلة الراهنة غير مناسبة للبحث الجدي مع السعوديين حول المخارج المنطقية لهذا الملف، فالاولوية لدى واشنطن هي في تسهيل «هضم» قيادة المملكة لاي اتفاق نووي محتمل توقيعه خلال الاشهر القليلة المقبلة، ولذلك تمارس الولايات المتحدة «حيادا سلبيا» في هذا الملف وتحاول عدم التدخل سلبا او ايجابا مع اي من الاطراف المؤثرين، فالاولوية لتحضير الاجواء المناسبة لتمرير التسوية النووية مع ايران، فاذا ما تم التفاهم حينها يصبح «الطريق» معبدا امام البحث في القضايا والملفات الساخنة الاخرى، ومن ضمنها الملف الرئاسي اللبناني الذي يصنف «بالطبق البارد»، اما اذا فشلت المحادثات فان شروط الحل تصبح مختلفة، ولذلك فالاميركيون غير مستعجلين، ولا مانع من ان يواصل الفرنسيون «قياس الطريق».

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى