مقالات مختارة

لهذه الأسباب لم ينجح «الصقور» في تجميد حوار حزب الله ــ المستقبل: «شراء الوقت» ورهان إقليمي ــ محلّي على «تلميع» «جبهة النصرة» ابراهيم ناصرالدين

 

المعلومات المسربة عن اجواء جلسة الحوار الخامسة بين حزب الله وتيار المستقبل في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة تشير الى ان الطرفين المتحاورين يحرصان على الاستمرار بالحوار رغم كل المناخات السلبية التي سادت خلال الايام الماضية بعد التطورات الدراماتيكية التي تلت الضربة الجوية الاسرائيلية في القنيطرة ورد المقاومة على الضربة في مزارع شبعا وأعلان الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله تعديل قواعد «الاشتباك» مع اسرائيل. ويبقى السؤال، لماذا لم ينجح «جناح» «الصقور» في تيار المستقبل برئاسة رئيس الكتلة فؤاد السنيورة في تجميد الحوار مع حزب الله او بالحد الادنى تأجيل الجلسة التي عقدت امس الاول، رغم الحاحه بذلك على الرئيس سعد الحريري؟

ببساطة شديدة، لان هذا الفريق لم يستطع الاجابة عن سؤال وزير الداخلية نهاد المشنوق عندما توجه الى زملائه في «التيار الازرق» بالقول «كويس وبعدين»؟ هذا السؤال الاحجية، برأي اوساط سياسية في الثامن من آذار، يختصر المشهد العام السائد في صفوف «خصوم» حزب الله المكبلين داخليا واقليميا بوقائع لم يعد بالامكان تجاوزها بسهولة، ما يفرض حالة من التسليم بالامر الواقع مرحليا، وهي «مدرسة» يحاول تعميمها النائب وليد جنبلاط الذي سعى في الساعات التي سبقت جلسة الحوار الى التخفيف من «غلو» بعض القيادات «الزرقاء» ونصحهم بالتواضع قليلا وعدم الاسترسال في «رفع السقوف» لان المعطيات الداخلية والاقليمية الراهنة حولت معظم الافرقاء اللبنانيين، ما عدا حزب الله طبعا، الى «جمهور» على «المدرجات» ينتظر انتهاء المبارة «بصمت» مع امكانية استمرار الرهان على «حصان» قد يكون «فلتة الشوط»، لكن حتى ذلك الوقت تبقى النصيحة الجنبلاطية، المزيد من «شراء الوقت» بانتظار التحولات في المنطقة. فعن اي تحولات يتحدث؟

قبل الاجابة عن هذا السؤال، تشير تلك الاوساط الى ان حزب الله ليس متضررا من معادلة «شراء الوقت»، فتبديد اجواء الاحتقان ومناخات التحريض عبر استمرار الحوار مع «التيار الازرق» تساعد الحزب للتفرغ لمهماته المفتوحة في سوريا، وعلى الجبهة مع اسرائيل، خصوصا بعد نجاحه في وضع «خطوط حمراء» على تلك الملفات الاستراتيجية واخرجها من دائرة الحوار، وفي المقابل فان «شراء الوقت» لدى الفريق الآخر له حسابات اخرى مرتبطة بالتطورات في سوريا. كيف ذلك؟

وتتوقف تلك الاوساط عند إعدام الطيار الاردني معاذ الكساسبة حرقا، وتقارب هذه العملية بالملف اللبناني، وبرأيها فان ما حصل يعد جزءا من التحولات المفصلية في الازمة المفتوحة في المنطقة منذ اربع سنوات، فاعدام الطيار الاردني بهذه الطريقة الوحشية هدف بشكل مباشر الى «هز» «العرش» الهاشمي من خلال زرع الفتنة بينه وبين الشعب الأردني وذلك بهدف ادخال البلاد في الفوضى، وهذا «خط احمر» بالنسبة الى جميع القوى الاقليمية والدولية المعنية بشؤون المنطقة والتي تتمسك ببقاء هذا النظام، الذي يقوم بادوار متعددة «الوظائف».

وانطلاقا من هنا يرجح ان تنصرف السلطات الأردنية وبحسب الاوساط الى لملمة الوضع الداخلي المهدد بالانفجار نتيجة الانقسام الحاد في البلاد ازاء التعامل مع التنظيمات التكفيرية التي تجد «بيئة حاضنة» واسعة النطاق في المملكة، واذا كان إعدام الطيار الكساسبة قد عزز «المعسكر» المنادي بالحرب المفتوحة والشاملة ضد تنظيم «داعش» في الاردن وضيق الخناق أمام دعاة عدم التورط في التحالف والحرب على «التنظيم» من نخبة في البرلمان الأردني والنشطاء خارج الحكم والحكومة، فان هذا الامر بطبيعة الحال سينعكس ايضا على الساحة اللبنانية لصالح «معسكر» عدم النأي بالنفس ازاء مواجهة تلك التنظيمات التكفيرية، وسيتعزز موقف حزب الله الذي كان سباقا في وعي مخاطر هؤلاء، كما سيتعزز دور الفريق «الواقعي» داخل «تيار المستقبل» للابقاء على خط التواصل مع الحزب لمنع الانهيار الداخلي ومواجهة ما يمكن ان يكون مرحلة بالغة السوء في الايام والاسابيع المقبلة. ففي الاردن اليوم سيناريو سبق وعملت على تنفيذه تلك الجماعات على الساحة اللبنانية من «بوابة» ملف العسكريين المخطوفين، فهل ثمة من لديه تطمينات بان لا يتكرر الامر في مقبل الايام؟

اما الحديث عن الرهانات، فهي لا ترتبط بخيارات الرد على تنظيم «داعش» تضيف الاوساط، فخيارات الاردن محدودة اذا ما اقتصر الامر على تعزيز دورعمان في التحالف الدولي، او من خلال تفعيل دور الاستخبارات الاردنية لاختراق تلك المجموعات، واذا كان خيار التدخل البري مستبعدا من قبل التحالف الدولي، فان القلق الجدي من تقاطع للمعلومات حول محاولات حثيثة لاعادة «تلميع» «صورة» جبهة النصرة»، وهذا الامر يبدو انه جزء من رهان سعودي – اردني وخليجي لتعزيز فرص دول التحالف في هزيمة «داعش»، وهذا الامر ليس مجرد اوهام، فاضافة الى التعاون الاستخباراتي القطري- الاردني مع تلك المجموعات في الجنوب السوري، بدأت تجليات التعاون مع الرياض في الغوطة الشرقية مع التغيير المفاجىء في خطاب زعيم «جيش الاسلام» زهران علوش المحسوب على السعوديين، وهو بدا يسوق قبل ايام للتحالف مع «النصرة» في تلك المنطقة بعد جولات من العنف والاتهامات بالخيانة والتكفير المتبادل. وليس مستغربا في هذا السياق ان تكون اسرائيل ايضا ضمن المراهنين على «جبهة النصرة» في الجولان لتطويق العاصمة السورية دمشق، ولكن المثير للريبة في لبنان، موقف النائب وليد جنبلاط الذي لا يزال مصرا على عدم تصنيف «النصرة» في خانة التيارات التكفيرية الارهابية، مع العلم ان تيار المستقبل سيكون «بجناحيه» ملتزما باي قرار سعودي في هذا الشأن. ماذا يعني هذا الكلام؟

يعني بشكل مباشر تقول الاوساط، ان المنطقة مقبلة على تطورات ميدانية دراماتيكية من خلال هذا السباق المحموم على «مخاطبة ود» «جبهة النصرة» المعنية بتقديم «اوراق» اعتمادها لتك الجهات عبر الميدان، وهذا يعني ان الجغرافيا السورية واللبنانية ستكون مسرحا لعمليات تلك المجموعة لاثبات جدارتها ، وفي المقابل لن يسمح حزب الله والجيش السوري لـ«جبهة النصرة» «بالتقاط انفاسها» وخلق وقائع جديدة على الارض، وهذا يفترض انطلاق عمليات واسعة النطاق في مناطق سيطرة هذا التنظيم خصوصا في الجنوب السوري وعلى الحدود اللبنانية السورية، فالجميع في سباق مع الوقت لتثبيت وقائع ميدانية جديدة تعيد «خلط الاوراق». ويبقى السؤال حول القدرة في ابعاد الساحة اللبنانية عن هذه التداعيات الفصلية؟

اذا هي مرحلة الرهانات اللبنانية المفتوحة على الزمن، ويبدو ان الجناح «المستقبلي» المؤيد للحوار مع حزب الله، مدعوما بتيار سعودي فاعل، يحاول تقطيع الوقت باقل الاضرار الممكنة، وهو ادرك من خلال تجربة الاشهر الثلاثة الماضية انه بالامكان معالجة الكثير من القضايا العالقة على الساحة المحلية بعيدا عن تعقيدات الملفات الكبرى، ويعتقد هذا الفريق انه بعد ان سحبت منه «ورقة» دعم «الثورة» السورية بفعل انعدام فعاليته بعد نجاح حزب الله في السيطرة على معظم الحدود مع سوريا، فان ما يحققه على «الطاولة» يعد مكسبا لا مانع من الاستفادة منه قدر الامكان، خصوصا انه غير قادر على التأثير السلبي او الايجابي في استراتيجية حزب الله السورية. وكان الوزير نهاد المشنوق واضحا في رده على المعترضين على استمرار الحوار، من خلال مطالبتهم بالبدائل، وهو وضعهم امام خيار الانتظار بهدوء او الانتظار في ظل وضع متفجر؟ طبعا لا جواب عن البدائل وفي الانتظار سيستمر الحوار، وبينما ينتظر «خصوم» حزب الله «المعجزة» من «النصرة» التي لا يعرف احدا متى قد تعلن البيعة «لداعش»، فان حزب الله يعمل وفق «خارطة طريق» لتغيير الوقائع على الارض.

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى