مقالات مختارة

كجُفاة الجاهليّة ثريا عاصي

 

يبدو أن مسألة الثورة والديمقراطية وكفاح الفساد قد أخرجت من الواجهة الدعائية، لتأخذ الصدارة مكانها شعارات جديدة تتصل بالدين وبالحذلقة في التفقه والعلوم النفسانية. سوّق الذين ادّعوا إمتلاك المعرفة والقدرة على توظيفها إيجابيا، ما تعرضت له بلاد كمثل سوريا من التوحش والتدمير والتخريب والتهجير على انه نوع من العصف الثوري الواعد بمحصلة عظيمة على المستوى الوطني والإنساني الشامل. أذكر أني قرأت لأحدهم ذات مرة ما معناه أنه يجب هدم كل ما هو قائم حتى تتجلى القوة الإبداعية في البناء الثوري!

من البديهي القول الآن، وبعد مرور أربع سنوات ونيف على انطلاقة الجرف وسيول الدماء والدموع، أن القوة الإبداعية هي متخيّلٌ. كل ذي عقل يعرف جيدا أن مقومات هذه القوة غير موجودة. لهذا السبب كانت مسألة الثورة التي انطلقت بصورة مفاجئة في بعض بلاد العرب وبحسب نفس السيناريو تقريبا مثيرة للريبة.

أكتفي بهذه التوطئة لأمهد الطريق إلى إبداء ملاحظتين أعتقد أنهما تدلان على معـْلَمِ يشير إلى خطورة الإقتراب من الهوة، المصيدة. التي من المفروض أن الخلاص منها مستحيل:

ـ لفت نظري في المدة الأخير أن أبواق وأضواء الدعاية التي تعهدت «الثورة على الديكتاتورية» راحت تصبغ خطابها بصبغة دينية. إلى حد أن البعض لم يتورع عن اختزال الفاجعة التي تشهدها بلاد الشام والعراق بكونها مصادمة بين نزعة أصولية سنية تعتمد التفسير الحرفي للقرآن من جهة وبين شيعة يفرطون في التأويل من جهة ثانية. المفهوم ضمنيا أن الأولين يلتزمون بنص موجود في حين أن الأخيرين يبدلون نفس النص بواسطة التأويل.

هكذا يحاول الألمعيون أن يغرقوا المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في مستنقع فقهي والعياذ بالله!. أين الثورة ضد الديكتاتورية طلبا للعدالة الإجتماعية؟ نتذرع إذن بالدين. هؤلاء أخطأوا التفسير وأولئك بالغوا في التأويل، فتباغض وتطاعن الناس ! هكذا يغشون على الكذب والخداع في موضوع القدرة الثورية الإبداعية.

ـ في مجال مختلف إضطلع أحدهم بمهمة النيل شخصيا من قادة المقاومة في لبنان من خلال تفسير حرفي «أصولي» لخطاب الأخيرين في استنهاض حماسة جماهيرهم وتجييشها. أوصله ذلك إلى خلاصة تفيد بأن هؤلاء هم «قبضايات». ليس أشد غرابة من تفسيره القول أن عائلات إنضمت إلى صفوف المقاومة. فلقد رأى في هذا، يا للكشف الهائل، دليلا على الذهنية الذكورية ! وبما أن الكاتب في الصحف والمواقع التي تتغذى من النفط والغاز لا يحتكم إلى منطق، فلم يقارن صاحبنا عائلات المقاومة اللبنانية بمثيلاتها التي قدمت أبناءها في المقاومة الفلسطينية، بل استنسب أن تكون شبيهة بعائلات السلطة. تأخذك الدهشة أخيرا من الصلف والإستهزاء اللذين يرشحان من اتهام المقاومة اللبنانية بأن ثنائيتها «الله والعائلة» ينقصها «الوطن» بعكس ثلاثية حزب الكتائب.

مجمل القول في الختام أن خطاب المقاومة اللبنانية هو في لبه خطاب داخلي، يتوجه إلى جماهير المقاومة من أجل تحشيدها في معركة دفاعية عن نفسها. بالضد من خصومها الذين يروجون خطابا هجوميا الغاية منه تشويه صورتها وإضعافها معنويا، وإنكار تضحيات مناضليها. لا يحتاج خصوم المقاومة إلى جماهير. توكل بأمر الأخيرة المستعمرون والرجعيون العرب في بلاد النفط!.

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى