مقالات مختارة

ضعف الدور السعودي نتيجة الموقف الأميركي شارل أيوب

 

يزور اليوم الرئيس الأميركي باراك أوباما المملكة العربية السعودية لتقديم التعازي بالملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، والزيارة لا تقتصر على التعزية بل سيجري الرئيس الأميركي مفاوضات مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز حول العلاقات الأميركية – السعودية والنقاط الهامة كإيران واليمن والعراق والوضع في العالم العربي. وأهم شأن هو العلاقة الأميركية – السعودية ومستقبلها في ضوء الحرب على الإرهاب وخطر الوضع اليمني والعراقي على أمن السعودية، سواء من خلال وجود داعش في العراق أم من حيث سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء باليمن وتمددهم إلى أرجاء اليمن كله تقريباً.

معروف أن المملكة العربية السعودية لم تعترف باسرائيل ولا تقيم علاقة اقتصادية معها، وهي تدافع عن شؤون الشعب الفلسطيني ومصيره، ولكن لماذا الناس ينظرون إلى السعودية على أنها مسايرة لخط كامب دايفيد ولخط الصلح مع إسرائيل، وليست داعمة للقضية الفلسطينية كما هو مرجو من دولة عربية إسلامية كبرى مثل المملكة العربية السعودية؟

أسئلة كثيرة مطروحة والناس يسألون لماذا دائما اتهام السعودية بإقامة علاقات سرية مع إسرائيل، ولماذا دائماً السعودية «تساير» إسرائيل بشكل غير مباشر والناس أيضاً يسألون لماذا المملكة العربية – السعودية لا ترفع راية العروبة عالياً وتدعم الشعب الفلسطيني بمقاومته وتدعم كل عربي يقاوم إسرائيل. والجواب أن الناس يرون في موقف السعودية ضعفاً بشأن رفع راية العروبة عالياً والدفاع عن حقوق المسلمين، والسبب هو أن السعودية يضعف موقفها بسبب الدور الأميركي الداعم بشكل مطلق لإسرائيل.

ضعف الموقف السعودي ناتج من الدور الأميركي الداعم لإسرائيل، والسعودية بإمكانها أن تضغط وتضع ثقلها مع الولايات المتحدة كي تنفذ واشنطن التزامها بإقامة دولة فلسطينية، والسعودية لها ثقلها الدولي في مجلس الأمن كي لا تكون قرارته كلها لمصلحة إسرائيل.

نأخذ مثالاً على ذلك طرح بند إنهاء الاحتلال الإسرائيلي أمام مجلس الأمن فوضعت أميركا الفيتو في وجه هذا المشروع، ولم تحصل أي ردة فعل سعودية تجاه واشنطن ولا تجاه بريطانيا ولا تجاه دول لها علاقات اقتصادية كبرى مع المملكة، وكان بإمكان الرياض الضغط لتأمين الصوت التاسع لتأييد مشروع إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

ثم أن إسرائيل قطعت المستحقات للسلطة الفلسطينية مالياً ورفضت دفعها لهذه السلطة، وهي حوالى مئة مليون دولار كدفعة أولى. وبإمكان السعودية الضغط على الولايات المتحدة كي تضغط واشنطن بدورها على تل أبيب، لدفع المستحقات للسلطة الفلسطينية. وقبل 4 أيام، هدمت سلطة الاحتلال الاسرائيلي 77 منزلا فلسطينيا في ثلاثة أيام، ولم يصدر عن الخارجية السعودية احتجاج وإدانة لهذا الأمر. فيما احتجت دول أوروبية على هدم منازل فلسطينيين.

كل ذلك والرياض حليفة لواشنطن بشكل كامل، والمخابرات الأميركية تعمل بشكل وثيق مع المخابرات السعودية ضد تنظيم القاعدة. كما أن المملكة العربية السعودية ترفض تخفيض إنتاج النفط، لأنه يجعل الأسعار متدنية، وبالتالي يضرب هذا التخفيض اقتصاد روسيا وإيران، وطبعاً هذا الأمر يجري برغبة أميركية.

الدور الأميركي هو الذي يضعف الموقف السعودي، وإذا كانت السعودية تتحالف مع واشنطن كي تقف في وجه إيران ولا يتم مس الأمن الوطني السعودي إيرانياً فإن الولايات المتحدة لا تريد إضعاف إيران، بل تنظر إليها كدولة استراتيجية في المنطقة ولها دورها في الخليج. والدليل على ذلك، مشكلة البحرين عندما أرسلت دول التعاون الخليجي قوات درع الجزيرة إلى البحرين، فيما كانت واشنطن تدين السلطة البحرينية وتدين قرارات ملك البحرين، عكس توجه دول مجلس التعاون الخليجي والسعودية بالتحديد.

من جهة تدعم واشنطن إسرائيل وتضعف حليفتها السعودية، ومن جهة تتفاوض مع إيران وتزداد إيران قوة تحت أنظار الولايات المتحدة، وذلك كي تخاف السعودية من قوة إيران وتلجأ إلى واشنطن أكثر وأكثر. وإذا كانت السعودية تراهن على موقف داعم لها من واشنطن حيال إيران، فالرياض لن تشهد إلا موقفاً أميركيا متوازناً بين إيران والسعودية.

ثم أن ما يجري في المسجد الأقصى من اعتداء إسرائيلي على حرماته، ومن تهويد للقدس الشريف لا تدينه الولايات المتحدة، ولا يجعل المملكة السعودية التي هي دولة عربية واسلامية بامتياز، تحتج على واشنطن لوقف هذه الاعتداءات والتهويل، مع أن السعودية هي الأحرص على المسجد الأقصى وعلى القدس الشريف. لكن سياسة الولايات المتحدة تضرب الموقف السعودي ودوره في المنطقة العربية، لأن حلف واشنطن – الرياض يأتي قبل الأولويات العربية.

إذا أكمل الملك سلمان بن عبدالعزيز هذا المسار، ولم يقل للرئيس الأميركي أوباما كلمة كفى، ولم نعد نتحمل الدور الأميركي في المنطقة، فإن الملك سلمان بن عبدالعزيز سيسير في خط يجعل المملكة ضعيفة عربياً، في الوقت الذي تدعم فيه واشنطن إسرائيل دعماً مطلقاً. وفي الوقت الذي تغازل فيه واشنطن طهران علناً، فماذا تنتظر السعودية والملك سلمان بن عبدالعزيز لاتخاذ موقف حازم من السياسة الأميركية في العالم العربي، ولكي تكون السعودية على رأس دول عدم الانحياز وتخلق توازناً في علاقاتها مع واشنطن وموسكو والصين والهند وباكستان وأوروبا، كي لا يبقى الناس يتساءلون لماذا هذا الضعف السعودي ولماذا هذا التحالف مع واشنطن ما دام لا يخدم السعودية على المدى البعيد، بل يساهم آنياً في حماية النظام السعودي الذي سيخسر على المدى البعيد إن بقي في هذه السياسة.

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى