مقالات مختارة

طارئون وعابرون: د . فايز رشيد

غريب أمر العدو الصهيوني وحركته العنصرية منذ ما قبل إنشاء دولته وحتى اللحظة، اعتقد مستوطنوه أنهم نجحوا في ترويج أساطيرهم التضليلية: “فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، “فلسطين أرض الميعاد” و”أرض الوعد الإلهي”، وأنهم صنعوا الحقائق وفرضوا وجودهم على الأرض العربية، وأن دولة الكيان باتت حقيقة واقعة، وأن، وأن إلى آخر معزوفاتهم الكريهة . من قبل حاول الفرنسيون “فرنسة” الجزائر ولم يفلحوا ومضوا . كذلك نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وفي روديسيا وغيرها، وكلهم لم يحققوا أهدافهم . مستوطنو الكيان مثل كل الغزاة سيرحلون إن آجلاً أم عاجلاً . الكيان وبعد هزيمة عام 1967 خطط لتهويد مدينتنا المقدسة، ضمها إليه وفرض قوانينه عليها وبدأ عملياً في تهويدها بطرق عديدة . وكما فشل الغزاة في “فرنسة” الجزائر، وهم وغيرهم من المستعمرين في الاستمرار في فرض إراداتهم ومخططاتهم على الشعوب والبلدان المحتلة، سيفشل الصهاينة في البقاء على الأرض العربية الفلسطينية وفي تهويد المدينة المقدسة فالقدس عربية خالصة، كانت وستظل .

يدّعون “يهوديتها” و”أنها العاصمة الموحدة والأبدية” لدولتهم، لا يدركون أن دولة الكيان ذاتها، طارئة الوجود، وستكون عابرة في تاريخ القدس وفلسطين والتاريخ العربي برمته . دولتهم محكومة بالزوال وليس فقط محاولاتهم المستميتة ل “تهويد” المدينة المقدسة، مثلما انصرف كل الغزاة عن فلسطين سينصرفون هم، وسيكتب التاريخ صفحة سوداء في إحدى صفحاته التسجيلية، بأنهم احتلوا وقتاً ما فلسطين العربية، بمعنى أن مصير دولتهم سيكون بضع صفحات سوداء في ملف تسجيلي، مرتبط بكل ما هو قبيح وكريه وعنصري ومجرم وفاشي وغيرها من المعاني المتوحشة، التي لا تمت لا للحضارة ولا للإنسانية بصلة . فلسطين عربية خالصة، هذا ما يقوله التاريخ .

المؤرخ الإغريقي هيرودوتس يؤكد “أن فلسطين جزء من بلاد الشام”، المؤرخون الفرنجة يؤكدون بإجماع بالنص: “أن فلسطين ديار عربية”، المؤرخ الشهير هنري بريستيد يذكر بالنص “بأن القدس هي حاضرة كنعانية”، بالطبع الكنعانيون هم قبائل عربية، ولهذا أطلق على فلسطين اسم “بلاد كنعان” . اليبوسيون العرب استوطنوا الأرض الفلسطينية منذ 4000 عام قبل الميلاد، واستوطنوا منطقة القدس عام 2500 ق .م . القدس عربية قبل ظهور الدين الإسلامي الحنيف، والتأريخ لعروبتها لا يبدأ من الفتح العربي الإسلامي لها في عام 638م مثلما يذهب بعض المؤرخين للأسف، القدس جزء أساسي من فلسطين ولذلك فالتأريخ للبلد ينطبق على مناطقه ولا يكون منفصلاً . الخليفة الأموي مروان بن عبدالملك بنى مسجد قبة الصخرة، والقبة ذاتها تأكيداً لدخول الإسلام إلى المدينة .

أما أصل ما يعتمد عليه اليهود من تسمية القدس ب “أورشاليم” فالأصل في هذه التسمية أن اليبوسيين العرب هم من أطلقوا عليها الاسم وأسموها “أورسالم” أي “مدينة السلام” من الأصل، وبالتالي لا علاقة لليهود بالاسم لا من قريب أو بعيد ولا علاقة لهم بمدينتنا الخالدة . صلاح الدين الأيوبي القائد العسكري والاستراتيجي الكبير، أدرك أهمية القدس بالنسبة إلى فلسطين وتاريخها العربي، لذا انتقل إليها مباشرة بعد معركة حطين، واعتبرها المفتاح الرئيسي لتحرير باقي المناطق الفلسطينية . هذه نتف صغيرة من حقائق مدينة القدس التاريخية وارتباطها العضوي بالعروبة والإسلام بعد بضعة عقود من ظهوره .

بالمقابل، اعترف أبو الآثار (وهو لقب يطلق عليه)، وهو عالم الآثار “الإسرائيلي” الأبرز، إسرائيل فلنكشتاين من جامعة تل أبيب، بعدم وجود أية صلة لليهود بالقدس . جاء ذلك خلال تقرير نشرته مجلة “جيروزاليم ريبورت”، توضح فيه وجهة نظر فلنكشتاين الذي أكد لها: أن علماء الآثار اليهود لم يعثروا على شواهد تاريخية أو أثرية تدعم بعض القصص الواردة في التوارة، كانتصار يوشع بن نون على كنعان . وشكك فلنكشتاين في قصة داوود الشخصية التوارتية الأكثر ارتباطاً بالقدس حسب المعتقدات اليهودية فهو يقول: إنه لا يوجد أساس أو شاهد إثبات تاريخي على اتخاذ اليهود للقدس عاصمةً لهم، وأنه سيأتي من صلبهم من يشرف على ما يسمى ب (الهيكل الثالث)، وأنه لا وجود لمملكتي يهودا وإسرائيل، وإن الاعتقاد بوجود المملكتين هو وهم وخيال . كما أكد عدم وجود أية شواهد على وجود “إمبراطورية يهودية تمتد من مصر حتى نهر الفرات”، وإن كان للممالك اليهودية (كما تقول التوارة) وجود فعلي، فقد كانت مجرد قبائل، وكانت معاركها مجرد حروب قبلية صغيرة . أما فيما يتعلق بهيكل سليمان، فلا يوجد أي شاهد أثري يدلل على أنه كان موجوداً بالفعل . من جانبه، قال رفائيل جرينبرغ، وهو عالم آثار يهودي آخر يحاضر في جامعة تل أبيب: “إنه كان من المفترض أن تجد “إسرائيل” شيئاً حال واصلت الحفر لمدة ستة أسابيع، غير أن “الإسرائيليين” يقومون بالحفر في القدس لأعوام من دون العثور على شيء” .

من زاوية ثانية، اتفق البروفيسور يوني مزراحي وهو عالم آثار مستقل، عمل سابقاً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع رأي سابقيه قائلاً: “لم تعثر “إسرائيل” حتى ولو على لافتة مكتوب عليها- مرحباً بكم في قصر داود” . واستطرد قائلاً: “ما تقوم به “إسرائيل” من استخدام لعلم الآثار بشكل مخّل يهدف إلى طرد الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس وتحويلها إلى يهودية” . بالطبع، ما قاله العلماء اليهود الثلاثة، الذين يعيشون في “إسرائيل”، ليس جديداً، فكثيرون من علماء الآثار والتاريخ العالميين وصلوا إلى هذه الحقيقة المؤكدة، منهم عالمة الآثار كاتلين كينون في كتابها “علم الآثار في الأرض المقدسة”، كذلك تصب في هذا الاتجاه دراسات المؤرخ بيتر جيمس التي نشرها في كتابه “قرون الظلام”، وأيضاً ما كتبه توماس تومسون في كتابه “التاريخ المبكر للشعب الإسرائيلي”، والحقائق التي أكدها المؤرخ العالمي الذائع الصيت أرنولد تويبني، والمؤرخ غوستاف لوبون في كتابه “تاريخ الحضارات الأولى”، والمؤرخ اليهودي ذائع الصيت آرثر كوستلر، والمؤرخ شلومو ساند، وغيرهم وغيرهم (والقائمة تطول) .

لذا فالصورتان المتقابلتان نضعهما بين أيدي القرّاء من دون تعليق، المحزن والمبكي في آن معاً، ما يطرحه أنصار التسوية مع الكيان من فلسطينيين وعرب من موافقة على أن تكون القدس عاصمة للدولتين، هل بهذه السهولة يتخلى البعض منا عن روح فلسطين، وهي القدس؟ رغم كل ذلك، الشايلوكيون الصهيونيون لا يقبلون إلا “بأن تكون كل القدس عاصمتهم الموحّدة”! خسؤوا، فالقدس عربية خالصة، كما الأرض الفلسطينية من الناقورة إلى رفح ومن النهر إلى البحر إضافة إلى المياه الإقليمية الفلسطينية كانت، وستظل عربية، وستظل القدس عاصمتها الأبدية الخالدة، أما هم، فهم الطارئون، العابرون .

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى