مقالات مختارة

لماذا تطغى العناصر الأجنبية على تنظيمات القاعدة؟ حميدي العبدالله

 

يمكن تقسيم تاريخ ما يُعرف بـ«الظاهرة الجهادية» إلى مرحلتين، المرحلة الأولى تمتدّ منذ نشوء هذه الظاهرة وحتى تشكيل تنظيمات «القاعدة». المرحلة الثانية تبدأ منذ بدء تشكيل تنظيمات «القاعدة» وحتى الآن.

في المرحلة الأولى كان الارتباط بالاستخبارات الغربية والقتال تحت إشراف هذه الاستخبارات صريحاً وواضحاً، ففي ذلك الوقت نجحت الجهود الغربية في خلق أرضية إيديولوجية وسياسية مشتركة بين «الجهاديين» وبين الحكومات الغربية، قائمة على فكرة محاربة الشيوعية بوصفها حركة فكرية إلحادية معادية للإسلام وللغرب في آن واحد.

في هذه المرحلة لم يكن هناك من مبرّرات لا لدى «الجهاديين» ولا لدى الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة لإخفاء العلاقة القائمة بين الاستخبارات الغربية وبين «العناصر الجهادية»، طالما أنّ ثمة غطاء إيديولوجياً كثيفاً يظلل الطرفين ويغطي على العلاقة بينهما.

المرحلة الثانية، التي بدأت بعد الإعلان رسمياً عن تشكيل تنظيم «القاعدة». في هذه الحقبة سقط الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو ولم يعد هناك نظام شيوعي يمكن حشد «الجهاديين» والغرب تحت راية الاستخبارات الغربية لمحاربته، ولكن الغرب ولإحكام سيطرته على المناطق حيث منابع الطاقة أو خطوط نقلها، اخترع عدواً جديداً هو ما بات يُعرف بالإرهاب العالمي. هذا العدو هو من صنع الغرب، وتحديداً من صنع الاستخبارات الأميركية، حيث ينشط هذا الإرهاب في المناطق التي يرغب الغرب في خلق المبرّرات للدخول إليها بذريعة محاربة الإرهاب، وثمة تأريخ للعلاقة بين احتلال أفغانستان بذريعة مكافحة الإرهاب للاستيلاء على نفط بحر قزوين، وفرض الهيمنة الغربية على الدول المجاورة حيث تنتشر خطوط نقل الطاقة، وفي هذا السياق جاء كتاب «حرب الموارد» لأهم مؤرخ أميركي معاصر لحروب الولايات المتحدة، هو «مايكل كلير»، وقد جهدت الولايات المتحدة لإلصاق تهمة العلاقة بين نظام الرئيس العراقي صدام حسين والتنظيمات الإرهابية لدعم غزوها في العراق، وفي هذا السياق تأتي اعترافات جورج تينت مدير المخابرات الأميركية عند اجتياح العراق، وأيضاً كتاب «نفط ودم» لمايكل كلير.

لكن لكي يكون «الجهاديون» موجهين من قبل الاستخبارات الغربية ومنخرطين بفاعلية في تنفيذ خططها، لم يعد الحافز الموجود في أفغانستان لوجود علاقة مشتركة قائماً، ولهذا كان التوجيه الغربي لهذه الجماعات أولاً نحو الأفكار التكفيرية، وثانياً إثارة الفتنة بين الشيعة والسنة. وكي يتمّ توجيه تنظيمات «القاعدة» في الوجهة التي تخدم المصالح الغربية، لا بدّ من أن تتشكل هذه التنظيمات من جماعتين مدموجتين في إطار تنظيمي واحد، مجموعة يتمّ تحريكها انطلاقاً من الفتنة المذهبية والفقه التكفيري، وهي مؤلفة من عناصر مستعدّة للتضحية بنفسها وتنفيذ الأعمال الانتحارية، بوصفها عمليات استشهادية دفاعاً عن الإسلام الحق، وجماعة أخرى من ضباط ومنتسبي الاستخبارات الأميركية والغربية، واستخبارات دول المنطقة المتحالفة مع الغرب، أي أنّ الكوادر والقادة عموماً يجب أن يكونوا عملاء، والقاعدة يجب أن تكون غير مُدركة لحقيقة الارتباط. لكن بناء مثل هذه التنظيمات أمر صعب في وسط بيئة جماهيرية، وهو الأمر الذي استدعى، لضمان السيطرة على هذه التنظيمات، أن تتشكل من عدة دول عبر مجموعة صغيرة يسهل السيطرة عليها وربطها بالأجهزة الاستخبارية.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى