مقالات مختارة

سياسة أردوغان تهدّد وحدة تركيا حميدي العبدالله

 

لم يعد خطر السياسة المعتمدة التي يتبعها رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية على أنموذج تركيا الديمقراطي، وهو الذي كان يركز عليه الغرب في دعايته منذ وصول هذا الحزب إلى الحكم في أول دولة إسلامية يصل فيها إلى الحكم حزب إسلامي عبر الانتخابات، فالسياسة القائمة على التزمّت الديني، وعلى المذهبية، والقومية الشوفينية، بالإضافة إلى الجنوح الواضح إلى التفرّد والديكتاتورية، وقمع المعارضين والدفاع عن الفاسدين وتوفير الحماية لهم، باتت تحمل مجموعة من الأخطار، أبرزها عزلة تركيا العربية والإقليمية والدولية في ضوء تدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية، ولا سيما في مصر وسورية والعراق وليبيا وتونس، الأمر الذي وضع حكومات هذه الدول وشعوبها في موقع مناهض لسياسة أردوغان، أو العزلة الدولية في ضوء خروج أردوغان عن معايير الاتحاد الأوروبي التي كانت وراء الدعم الذي حصل عليه ومكّنه من الوصول إلى السلطة، وترويض معارضة العلمانيين والجيش، إذ لولا الدعم الغربي لما تمكن حزب العدالة والتنمية من الوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها طيلة الفترة السابقة.

لكن الخطر الأكبر والذي يهدّد وحدة تركيا يكمن في سياسة التشدّد الديني والمذهبي والقومي، فالتشدّد الديني يبعد العلمانيين الأتراك عن هذا الحزب، ويدفعهم إلى خوض معارك ضدّه، فمثلما أنّ العلمانية المتشدّدة استنفرت الموروث الديني ودفعت شرائح واسعة من المجتمع لدعم كلّ معارضة تدعو إلى احترام حرية الاعتقاد، فإنّ التشدّد الديني يدفع بكلّ الذين لا يعتمدون هذا التشدّد، بمعزل عن مذهبهم أو دينهم أو عرقهم، للوقوف في وجه حزب العدالة والتنمية، وهؤلاء يمثلون أكثر من ثلث المجتمع التركي.

كما أنّ سياسة التمييز والمحاباة المذهبية تدفع فئات من المجتمع التركي تقدّر بحوالى ثلث هذا المجتمع إلى الوقوف في صفّ المعارضة رداً على هذه السياسة، ولا سيما اعتماد أساليب قمعية في فرضها، وحرمان أتباع المذاهب الأخرى من حقوقها وحريتها في ممارسة حقوقها وواجباتها المذهبية بعيداً عن أيّ قسر أو اضطهاد أو محاباة. كما أنّ سياسة التمييز العرقي تضع مكوّناً هاماً من الشعب التركي في مواجهة هذه السياسة، والمقصود بذلك المكوّن الكردي.

إذا إصرّ أردوغان على الاستمرار في هذه السياسة، وإذا لم يحدث تغيير سلمي عبر الانتخابات المقبلة يضع حداً لهذه السياسة أو يحدّ من تأثيراتها السلبية، أو إذا لم يقم الجيش بانقلاب عسكري على غرار الانقلاب الذي أطاح بعدنان مندريس في مطلع عقد الستينات من القرن الماضي والذي ترأس حكومة إسلامية واعتمد سياسة مماثلة لسياسة رجب طيب أردوغان الذي يعتبر مندريس مثله الأعلى، فإنه من غير المستبعد أن يؤدّي اعتراض كلّ هذه الفئات على سياسة أردوغان والدفاع عن مصالحها وتطلعاتها إلى حدوث فوضى عارمة وحال من عدم الاستقرار، قد تقود إلى تحلل الدولة التركية وتقسيم تركيا إلى دول وكيانات على أسس عرقية ومذهبية، لا سيما أنه في بعض مناطق تركيا ثمة وجود لفرز ديمغرافي على أسس عرقية، في ضوء غلبة الكرد في المناطق الشرقية من تركيا.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى