مقالات مختارة

معايير التدخل الأميركي: حقوق الإنسان أخيراً عامر نعيم الياس

 

مع نهاية السنة الحالية، لا بدّ من الإشارة إلى تقرير الكونغرس الصادر الشهر الماضي عن أساليب التعذيب التي تستخدمها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، والتي أثارت عاصفةً من الانتقادات في صفوف النخب الأميركية، وصراعات بين التيارات المختلفة داخل الولايات المتحدة، وُظّفت بشكل أو بآخر في خدمة السياسة الداخلية للرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما، سواء على مستوى ضبط العلاقة مع الكونغرس الجمهوري، أو على مستوى التحضير للانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة في غضون أقل من سنتين. لكن العامل الأهم في التقرير عن أساليب التعذيب الوحشيّ بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001، يتجاوز قضية تشويه صورة الإدارة الأميركية وازدياد حالة العداء لها على مستوى العالم، إلى تغييب ملف حقوق الإنسان ومركزيته في صوغ السياسة الأميركية، وبالتالي بعض الدولية عن المشهد العام. بمعنى تراجع حقوق الإنسان كأحد مسبّبات التدخل الأميركي المباشر في شؤون الدول عن الواجهة لمصلحة عوامل أخرى كالإرهاب.

وهنا يقول أوري فريدمان محرّر مجلة «أتلانتيك» الأميركية، «إن المصلحة الوطنية الأميركية تعدّ العامل الحاسم في اتخاذ بعض القرارت دون غيرها، وتحديد أماكن الصراعات التي يجب البدء بها»، مضيفاً في تأطيره عوامل التدخل الأميركي: «تصنيف مخاطر الصراعات في العالم وترتيب أولوياتها من منظور السياسة الأميركية يخضعان لمعايير ما إذا كان الصراع محفّزاً للإرهاب أو الانتشار النووي أو التدخل العسكري، بينما تقع الاهتمامات الإنسانية في أسفل القائمة من حيث التسلسل الهرمي للمصالح الأميركية».

إن ما أورده الباحث الأميركي حول دور العامل الإنساني في تحفيز التدخل الأميركي أو حتى الدور الأميركي المفترض في أزمة دولية ما، وإذا ما رُبِط بالتقرير حول تعذيب المعتقلين والانتهاك الممنهج لحقوق الإنسان في أقبية التعذيب وطائراته الخاصة بالاستخبارات المركزية الأميركية، من دون أن نغفل أيضاً ما يجري داخل الولايات المتحدة من مشهد تتفجر فيه العنصرية من جديد لتسيطر على العلاقة بين السود والبيض. فإنه يمكن الإشارة إلى الأمور التالية:

رفع منسوب البربرية في الصراعات القائمة في العالم حالياً، خصوصاً تلك التي تطبع منهج عمل التنظيمات السلفية الوهابية في منطقتنا كـ«داعش» و«النصرة» وغيرهما من الحركات الإسلامية، فالواضح أن «داعش» ومشاهد أكل قلوب البشر في سورية، قد أفرزت سباقاً محموماً بين الجماعات المتطرّفة على زيادة منسوب الدموية والوحشية في القتل، نظراً إلى دور عملية بثّ الرعب على مستوى التطويع وزيادة العامل الكمّي في صفوفها، أو على مستوى العامل النفسي المدمر الذي يستلب إرادة القتال لدى الخصم.

اعتماد أساليب أكثر وحشية في الصراعات داخل كل مناطق التوتر والتي تشهد فوضى عارمة تطبع المشهد العام. فحقوق الإنسان مطعون بها لدى الجميع، ولا يمكن لأيّ أحد ادّعاء الإنسانية على حساب آخر، لذلك فإن تعميم نماذج القتل البربري سيكون حاضراً بقوّة السنة المقبلة.

عدم وجود استراتيجية أميركية شاملة لقيادة المواجهة العالمية الناشئة بين حرب على «داعش» دون غيره من التنظيمات الإرهابية، وحرب باردة جديدة مع روسيا، وصراع على نهج الحكم داخل الولايات المتحدة، فضلاً عن الصراع مع حلفاء واشنطن حول الخيارات الواجب اتباعها في إدارة الصراعات الناشئة في الشرق الأوسط ومسألة الملف النووي الإيراني، كل هذه الملفات التي تتميز مقاربة الإدارة ألأميركية لها بعزل أحدها عن الآخر، ستفرز شكلاً متجدّداً من عدم الاستقرار على مستوى العالم، خصوصاً في منطقتنا التي تشكل أولوية بالنسبة إلى إدارة أوباما.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى