مقالات مختارة

تحرير العراق من «داعش» هل بات وشيكاً؟ حميدي العبدالله

 

أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أثناء زيارته إلى الكويت أنّ بلاده على وشك التخلص من «داعش» وتحرير كلّ المناطق التي سيطر عليها.

لكن إنْ لم تكن هذه التصريحات لرفع المعنويات، وتعبيراً عن التصميم على دحر هذه الجماعة الإرهابية، فإنّ العبادي يكون قد ارتكب خطأً جسيماً. فداعش ليست عدواً من السهل إلحاق الهزيمة به. فعندما كانت الجيوش الأميركية والغربية ترابط على أرض العراق وتستخدم كلّ آلتها الحربية المتطوّرة، إضافة إلى الصحوات والقوات العسكرية والأمنية العراقية، وبعد مرور أكثر من ثماني سنوات على الحرب لم تنتصر الولايات المتحدة على تنظيم «القاعدة»، ولم تُلحِق به الهزيمة النهائية، ولم تخرجه من كلّ أنحاء العراق. وبالتالي لا يتوفر اليوم للحكومة العراقية ما توفر للاحتلال الأميركي من قدرات، و«داعش» بات أقوى من تنظيمات «القاعدة»، وحتى من تنظيمات المقاومة التي قاتلت الاحتلال الأميركي، فعلى أيّ أساس بنى العبادي تقديراته بأنّ العراق على وشك أن يتحرّر من وجود «داعش»؟

لا شك أنّ تقدير العبادي، إذا كان فعلاً قصد ما قال، فإنه استند إلى المكاسب التي حققها الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي وقوات البيشمركة في بعض المناطق العراقية، وتحديداً في منطقة سنجار، وفي محافظة صلاح الدين.

لكن من المعروف أنّ هذه المناطق لا تشكل بيئة حاضنة لتنظيم «داعش» وغالبية سكانها من الكرد والمسيحيين والأيزيديين والعرب الشيعة، والتقدم الذي تحقق كان من الطبيعي أن يتحقق في ظلّ بيئة تشكل «داعش» تهديداً وجودياً لها.

المعيار الذي يمكن أن تقاس به جهود العراق ومدى التقدم الذي حققه في مواجهة «داعش»، هي المناطق التي تشكل بيئة حاضنة لهذه الجماعة الإرهابية، أيّ الموصل ومحافظة الأنبار وتكريت في صلاح الدين. في هذه المناطق لم يحقق العراق أيّ تقدم جدّي في مواجهة «داعش»، بل يمكن الاستنتاج من ملاحظة التطورات الميدانية، أنّ هذا التنظيم الإرهابي ما زال يمتلك زمام المبادرة ويعزز وجوده في مناطق سيطرته، ويشكل تهديداً للجيوب المتبقية من الجيش العراقي وقوات العشائر.

قد يكون العبادي راهن عندما أطلق هذه التصريحات على تشكيل جيش من العشائر، ووصول مستشارين أميركيين إلى مناطق ثقل وجود «داعش». لكن من السابق لأوانه بث آمال على هذا النحو في ضوء تجربة الأميركيين بين أعوام 2003 و2011، وفي ضوء ما يعترض الخطة الأميركية حول بناء «الحرس الوطني» الذي يحتاج أولاً إلى موافقة البرلمان العراقي، والأرجح أنّ البرلمان لن يصوّت على مسودّة المشروع كما أحيلت له من قبل الحكومة، وحتى إذا تمّ تمرير المشروع في البرلمان، فثمة عقبات وعراقيل كثيرة تؤخر تشكيل «الحرس الوطني» إنْ لجهة تجنيد المقاتلين، أو لجهة التدريب والحصول على السلاح المناسب، وحتى لو سارت الأمور إزاء كلّ هذه المسائل وفق مخطط الحكومة، فإنّ إنجاز ذلك يتطلب المزيد من الوقت، وبالتالي فإنّ كلّ هذه العوامل تؤكد أنّ استنتاج رئيس الوزراء العراقي هو استنتاج عاطفي أكثر منه استنتاج عقلاني يستند إلى وقائع موضوعية.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى