مقالات مختارة

«تفجير» «فتح» من الداخل يزيد المشهد اللبناني تعقيداً: «عين الحلوة» تحت المجهر ابراهيم ناصرالدين

 

هل يتصدر مخيم عين الحلوة المشهد الامني مع مطلع العام الجديد؟ سؤال فرضته التطورات السياسية والقضائية المتسارعة داخل حركة فتح التي عادت انقساماتها الداخلية لتزيد منسوب القلق وترفع منسوب «الهواجس» الامنية لدى الجهات اللبنانية المعنية بمتابعة ملف المخيم المقبل على المزيد من التعقيدات غير المحسوبة النتائج.

اوساط معنية بهذ الملف، تشير الى ان الجانب اللبناني بدأ حراكا عاجلا لاستيضاح الموقف من القيادات الفتحاوية، في ظل ارتفاع حدة الخلافات بين الحركة وانصار القيادي الفلسطيني المفصول من الحركة محمد دحلان، وثمة اتصالات حثيثة مع رام الله والقيادات الفلسطينية في المخيم لتبريد الاجواء الراهنة في ظل اصرار القائد السابق لـ «الكفاح المسلح الفلسطيني في لبنان محمود عبد الحميد عيسى «اللينو»، المقرب من دحلان، على إقامة احتفال اضاءة الشعلة في مخيم عين الحلوة في الذكرى الخمسين لانطلاقة «فتح»، في مواجهة الاحتفال المركزي للحركة. لكن القلق ليس عابرا ومتصل بتحرك موضوعي قد تتم معالجته، بل ثمة خلفيات جديدة تجعل من الازمة الراهنة مرشحة للتفاقم مع دخول حماس على «الخط»، ومع اعلان «اللينو» ان ما يقوم به «حركة تصحيحية» لوضع حد للتجاوزات التنظيمية، عبر القيام بتعبئة الفراغ الذي يتركه تقصير فتح، ما يطرح تساؤلات عن خريطة التحالفات الجديدة المتوقعة في ظل الواقع الفلسطيني المأزوم لمختلف القوى في ظل تضارب حساباتها السياسية المختلفة.

اما لماذا تصاعد منسوب القلق، فالامر يعود بحسب الاوساط، الى الانهيار المفاجىء «للهدنة» بين الطرفين، فبعد أن أوقفا الحملات عبر وسائل الإعلام طوال الأشهر الماضية، في ظل حديث عن وساطة مصرية جديدة لإعادة المياه إلى مجاريها، وعقد مصالحة بين عباس ودحلان، بتدخل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ودولة الامارا ت بصفتها «الراعي» الرسمي والحاضنة المالية والسياسية للاخير، خرجت الازمة عن «السكة» وهي مرشحة «للانفجار» قريبا بين التيارين، واولى المؤشرات خروج «تظاهرات فتحاوية» في قطاع غزة مناهضة لعباس مع بداية محاكمة دحلان في الضفة، مقــابل تهديد قيادة التنظــيم له بالطرد من الحركة بشكل نهائي، وهذا ستكون له تبعات خطرة في الداخل وفي مخيمات الشتات.

وتشير تلك الاوساط الى ان ذهاب حركة فتح لتقديم أوراق اتهام ضد دحلان الى «محكمة الفساد» يؤكد ان القيادة الفلسطينية قد قررت هدم «الجسور» معه، فاي قرار قضائي سيمنع دحلان من ممارسة اي دور سياسي على الساحة الفلسطينية، وسيصبح مطاردا من العدالة. «فمحكمة الفساد» التي عقدت أولى جلساتها الاسبوع الماضي يتوقع أن تصدر في نهاية المطاف حكم ادانة ضده ، بعد أن جرده الرئيس من حصانته. وعلى الأرجح سيتخذ الرئيس جملة من القرارات لتحجيم دور دحلان وفريقه، ربما تكون بعضها إقالات من الحركة بشكل نهائي، وهذا لن يقتصر على اعضاء في حركة فتح في الضفة وغزة، وانما في مخيمات اللجوء في لبنان ايضا.

وتلفت تلك الاوساط الى ان ما صدر عن الهيئة القيادية العليا لحركة فتح من بيان شديد اللهجة ضد «تيار دحلان» اتهمته فيه بالعمل على إحداث «إنشقاق» في صفوف الحركة، ووصفت من قاموا بتنظيم الفعاليات في غزة بأنهم «مجموعات تنتحل اسم حركة فتح»، يشير بوضوح الى وجود معلومات موثقة لدى الحركة بوجود رعاية اقليمية لدحلان للذهاب بعيدا هذه المرة في «حركته الانقلابية»، فعندما وصف دحلان تظاهرة أنصاره في غزة بأنها «رسالة واضحة موجهة إلى طاغية رام الله» «تعلن بداية مرحلة جديدة من مناهضة نهجه المستهتر بمواقف ومطالب الشعب الفلسطيني وحركة فتح». وعندما يتوعد بخطوات أخرى ويقول «من لم تصله الرسالة الشعبية أو منعه الغباء عن فهم دلالات هذه الرسالة، فعليه أن ينتظر الرسائل الكثيرة المقبلة». فهذا يعني اننا مقبلون على «حرب» مفتوحة بين الطرفين، سيكون للبنان «حصة وازنة» فيها، خصوصا ان فتح تقف على «ابواب» المؤتمر السابع للحركة لانتخاب قيادة جديدة منتصف شهر كانون الثاني المقبل.

اما المؤشر المثير للريبة، برأي تلك الاوساط، فهو دخول حركة «حماس» على خط الازمة، فخارج سياق اي منطق تخلت الحركة عن حيادها، ووقفت بشكل مفاجىء الى جانب دحلان في حملته على الرئيس عباس، وهو انحياز لم يكن متوقعا ، بعدما ظل الطرفان يتبادلان الاتهامات طوال السنوات الماضية، فحماس اتهمت دحلان بأنه من كان يقف وراء عمليات القتال الداخلي في غزة، ولاحقت فريقه بعد الانقسام، اما اليوم فأول من اعترض على سحب الحصانة من دحلان كان حركة حماس. ثم سمحت لانصاره باقامة التجمعات المناهضة للرئيس الفلسطيني في قطاع غزة.

وبحسب تلك الاوساط، فان حماس تشارك في «لعبة» شديدة الخطورة قد تترك انعكاساتها السلبية على مخيمات الشتات وفي مقدمها المخيمات الفلسطينية في لبنان، فالامر هذه المرة يتجاوز توجيه «رسائل» للضغط على الرئيس عباس، في ظل اتساع حجم الخلاف السياسي معه بعد رفض الحركة الصريح لمشروع القرار المقدم من قبل السلطة الفلسطينية الى مجلس الامن، والخلاف المتفاقم حول حكومة الوحدة. فمسايرة دحلان لدوره الكبير في إيصال المساعدات الإماراتية المالية والعينية إلى قطاع غزة، يمكن تفهمهلو انه اقتصر على تقديم التسهيلات له ولرجالاته للقيام بدور سياسي بعيد عن استهداف حركة فتح، ولكن الدخول المباشر على خط الانقسامات «الفتحاوية» والسماح لانصار دحلان في «تفجير» حركة فتح من الداخل، ستكون له تداعيات «وخيمة» لن تقف عند أي حدود.

وهنا يكمن الخطر الداهم على المخيمات في لبنان، وفي مقدمها مخيم عين الحلوة، وبحسب تلك الاوساط، فان اضعاف حركة فتح سيصب في خانة تقوية التيارات الاسلامية المتشددة، واي انقسام او مواجهة مسلحة بين الطرفين سيعود بالفائدة على المجموعات الاسلامية التي تتحين الفرصة لتوسيع نطاق سيطرتها داخل المخيم، خصوصا ان القوة الامنية الفلسطينية المشتركة «تواجه صعوبات مالية منذ ثلاثة أشهر، ما يطرح تساؤلات حول خلفية هذا العجز، وعمن يريد اضعاف هذه القوة التي تضم مختلف القوى والفصائل الفلسطينية، بما فيها حركة «فتح»، «وتحالف القوى الفلسطينية» وحركتا «حماس» و«الجهاد الاسلامي»، «وانصار الله»، و«القوى الاسلامية» الاخرى، فهل ثمة من يحضر الاجواء لتخريب «الامن الهش» القائم في المخيم؟

سؤال يفرض نفسه بقوة، خصوصا ان «المظلة» السياسية الراعية للتفاهمات في المخيم بين «فتح» و«حماس» تتعرض لاختبار شديد الخطورة، والجهات الامنية اللبنانية تخشى حصول اختلال في التوازنات القائمة راهنا، ما يمكن ان يؤدي الى حسابات مختلفة على مستوى التعامل مع وضع المخيم المتخم بالملفات الامنية المتراكمة، وهي لا تتدخل لمصلحة اي فريق ولكنها معنية بالامن اولا واخيرا، فالخوف ان يؤدي اي فراغ في «السلطة» داخل المخيم الى سقوط المرجعية القادرة على القيادة والتنسيق مع الدولة اللبنانية التي تتعامل بحكمة متناهية، نجحت حتى الان في ابقاء «عين الحلوة» بعيدا عن تداعيات الاحداث الامنية، فعدم انجرار «الاسلاميين» لدعوت التفجير خلال احداث عبرا والشمال يشير الى نجاح «التفاهمات «في «نأي» الفلسطينيين بانفسهم عن هذا الصراع، ولكن ماذا لو سقطت «المرجعية» الموجودة الان؟ وماذا لو حاول الاسلاميون «ملء الفراغ»؟ اسئلة صعبة ونتائجها ستكون وخيمة ما لم تنجح الاطراف الفلسطينية المعنية بابعاد مخيمات الشتات عن تجرع «كأس» الخلافات المريرة. ويبقى الخوف الاكبر ان يكون ثمة قرار اقليمي ودولي بتفجير «الساحة» الفلسطينية خدمة لمشروع اكبر يرسم في المنطقة؟

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى