مقالات مختارة

مصالحات عربية أم ترتيب أميركي للبيت الداخلي؟ د. ليلى نقولا الرحباني

 

تبدو الدولة القطرية متَّجهة إلى تبنّي سياسة خارجية براغماتية مختلفة عن السياق الذي اتخذته منذ بداية ما سمي “الربيع العربي” ولغاية اليوم، من خلال دعمها المطلق لمشروع “الإخوان المسلمين”، والذي كانت تحاول من خلاله أن تفرض نفسها لاعباً إقليمياً أكبر من حجمها الجغرافي بكثير، ومفتاحاً للسياسة الإقليمية الخليجية، متخطية دولاً عريقة كالسعودية .

ولعل السياسة البراغماتية المستجدة تتجلى في رغبة قطر – أو الراعي الأميركي – بأن تقوم بلعب دور “الموازن الإقليمي” بين ضفتي النزاع السُّني – السُّني في المنطقة، أي بين السعودية وتركيا، من خلال التصالح ومد الجسور بينهما من خلال:

على الجهة السعودية: بدأ أمير قطر خلال القمة الخليجية وما بعدها سياسة انفتاحية جديدة تجاه المملكة وحلفائها، وبدأ التطبيق الفعلي لسياسة مدّ الجسور والمصالحة مع المحور المعادي لـ”الإخوان المسلمين”، بالبدء بإجراءات فكّ الارتباط مع “الإخوان” والمصالحة مع مصر.

وإذا كانت الدولة القطرية – بعد المصالحة التاريخية مع مصر – لن تسمح للمعارضين المصريين الموجودين داخل أراضيها بممارسة العمل السياسي، وعلى الأرجح أنهم سينتقلون إلى تركيا، لكن تصفية الخلاف المصري – القطري تحتاج إلى أكثر من إغلاق قناة “الجزيرة مباشر – مصر”، وإبعاد قيادات “الإخوان المسلمين” من الأراضي القطرية، بل تتعداها إلى الملف الليبي، الذي بات يؤثر تأثيراً مباشراً على الأمن القومي المصري، من خلال تسلل الإرهابيين وتهريب الأسلحة، وهو ملف يُنتظر من قطر أن تُقدِّم فيه ما يُثبت صدق نياتها تجاه المصالحة مع مصر، وإرضاء السعودية.

على الجهة التركية: في الوقت الذي تتجه قطر للمصالحة مع مصر، والتي بدت نوعاً من الخضوع القطري للتمنيات السعودية، وقّع أمير دولة قطر الشيخ تميم خلال زيارته لتركيا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إعلاناً سياسياً مشتركاً بشأن تأسيس “مجلس التعاون الاستراتيجي التركي – القطري الرفيع المستوى”، والهدف منه التعاون بين البلدين في مجالات الطاقة والاستثمار، والذي يشمل شراء تركيا الغاز القطري، واستثمار قطر في مشاريع في الداخل التركي تزيد قيمتها عن 12 مليار دولار، بالإضافة إلى اتفاق «للتعاون في المجالات الدفاعية» وقّعه وزير الدفاع التركي عصمت يلماز ووزير الدولة القطري لشؤون الدفاع حمد العطية.

كما تمّ في أيلول الماضي التوقيع على اتفاقية بين البلدين تقضي باستيراد 1.2 مليار متر مكعب من الغاز المسال القطري في تسع دفعات لشتاءي 2014 و2015، وهو ما سيغطي جزءاً من احتياجات تركيا السنوية من الغاز الطبيعي، والتي تبلغ 45 مليار متر مكعب، ويصب في صالح التنويع التركي لمصادر الإمداد بالغاز.

لكن اللافت أن العناوين الاقتصادية للعلاقة القطرية – التركية لم تخلُ من إيحاءات ورسائل سياسية وجّهها أردوغان إلى من يهمّه الأمر بقوله إن البلدين «لم يشهدا حتى اليوم أي خلافات في وجهات النظر»، وإنهما «وقفا دائماً متضامنيْن إلى جانب المظلومين في العالم»، مؤكداً أن «تركيا وقطر ملتزمتان الاستمرار في النهج نفسه في الفترة المقبلة».

انطلاقاً من التصريحات الأردوغانية: هل صحيح أن قطر ملتزمة النهج التركي نفسه؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فهل هذا يعني أن تركيا ستنتهج السياسة القطرية في التقارب والمصالحة مع السعودية ومصر؟

في كل الأحوال، لا يمكن عزل الحركة التصالحية ضمن المحور المتحالف مع الأميركيين عن السياق العام للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، فمقابل هذه المصالحة التي تعطي نوعاً من الانتصار للسعودية، كان الإعلان عن تلزيم تركيا عملية تدريب المعارضة السورية “المعتدلة” وكأن الأمر – على ما يبدو – توزيع أدوار وحصص يقوم به الأميركيون بين الطرفين، لترتيب البيت الداخلي السُّني المتحالف معهم، تمهيداً لإطلاق سياسة جديدة في الشرق الأوسط تمهّد لحلّ سياسي لن يستطيعوا قطف ثماره بدون هذه الترتيبات والتسويات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى