مقالات مختارة

استهداف الطيران السوري: الرهان على كسر التفوّق عامر نعيم الياس

 

من دون مقدمات، قرّر الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي تبنّي اقتراح بريطانيّ بمنع تزويد الطائرات السورية بالفيول، الحربية منها والمدنية التابعة لمؤسّسة الطيران العربية السورية، والمملوكة من القطاع العام، وقد استثنى القرار بعض الشركات المرتبطة بالقطاع الخاص.

وبالتزامن مع هذا القرار، نشر «معهد واشنطن» مقالاً للباحث جيفري وايت، وهو ضابط سابق في الاستخبارات الأميركية، بعنوان «عمليات القوة الجوية السورية: استراتيجية وفعّالة وغير مقيدة». وعلى رغم أنّ العنوان شأنه شأن بعض فقرات الدراسة، أكد على حرفية المقاتل السوري وتكيّفه مع خسارته بعض المطارات، وجزءاً غير قليل من الوسائل الدفاعية واللوجستية وإمكاناته البشرية التي تؤثّر بشكل مباشر على فعالية القوى الجوّية. إلّا أنّ الهدف الأساس منه، شيطنة هذه القوّة وإعطاؤها بعداً أكثر من دورها الحقيقي في العمليات العسكرية داخل سورية، تمهيداً لشيطنتها ثمّ الدفع بحملة منسّقة ضدّها للحدّ من فعاليتها وصولاً إلى إلغاء دورها في الحرب على سورية، بما يقطع الطريق على أهم عامل من عوامل الحفاظ على التوازن العسكري في مواجهة حرب تقودها أكثر من مئة دولة على الأرض السورية.

وقد نقل وايت عن مركزٍ، يطرَح اسمه للمرة الأولى، ويدعى «مركز توثيق الانتهاكات في سورية»، أنّ الهجمات الجوّية كانت مسؤولة عن «أكثر من ثلث الخسائر البشرية، 39 في المئة، بين شهرَيْ آب وتشرين الأول المنصرمين». مبرّراً ذلك «بغياب الضغط العسكري والسياسي ضدّ القوّات الجوّية السورية» التي تعمل مع «قيود قليلة غير تلك التي تفرض عادةً على أي قوّة جوّية والناتجة عن القيود المتعلّقة بالطواقم والصيانة والخدمات اللوجستية والاستخبارات والأحوال الجوّية».

ويصل الضابط الأميركي إلى توصية حاسمة «بعدم السماح للنظام بشنِّ حربٍ جوّية، فاستمرار الوضع الراهن لن يؤذي «الشعب السوري» فحسب، لا بل أيضاً الولايات المتحدة الأميركية والائتلاف».

يدرك الاتحاد الأوروبي الذي دخل على خطّ حصار القوّة الجوّية السورية أن الطائرات التي تأتي إلى مطار دمشق لا تشمل دوله المنخرطة في التحالف ضدّ الدولة السورية. كما أنه يدرك أنّ تزويد الطائرات السورية بالفيول أو كما عبّر عنه في بيانه «الوقود اللازم لتحليقها» لا يتمّ عبر دوله ومؤسّساته، بل يأتي إلى سورية من إيران وروسيا، لذلك من الواضح أن القرار الذي يتزامن مع انخفاض أسعار النفط عالمياً وانخفاض سعر البرميل إلى ما دون الستين دولاراً، يهدف إلى تكثيف الضغط على الدولة السورية أوّلاً، وحلفائها ثانياً، خصوصاً في ظل الانخفاض غير المسبوق في أسعار النفط عالمياً والذي مسَّ هؤلاء الحلفاء بشكل مباشر لا يمكن إنكاره.

كما أن دول الاتحاد الأوروبي اتخذت هذا القرار لتثبيت اختلافها في مقاربة الشأن السوري عن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في معركة أولوية خيارات التحالف في سورية. ففي الوقت الذي تفضّل فيه الإدارة الأميركية خيار «العراق أولاً»، يسعى الأوروبيون والأتراك والخليجيون إلى طرح مبدأ تزامن الجبهات وتوسيع العمليات العسكرية للتحالف في سورية لتشمل الدولة السورية. ولعلّ في توصيات جيفري وايت بتعطيل عمل القوّة الجوّية السورية، ما يعكس المحاولات المستمرة لجرّ الإدارة الأميركية إلى خيارات أقرب إلى منطقة حظر جوّي، أو أقلّه العودة إلى تبنّي خيار كسر التوازن وتغيير الواقع الميداني على الأرض بشكل أكثر مباشرة، تمهيداً لترسيخ واقع التقسيم والاتجاه نحو إنشاء مناطق آمنة تحت حكم المجموعات المرتبطة بالغرب بشكل مباشر.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى