المماطلة التركية والوهم الكردي محمد نورالدين
التقى قبل أيام وفد من حزب الشعوب الديمقراطية الكردي في تركيا، زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان . وهذا الحزب هو الممثل الرسمي في البرلمان للحركة الكردية في تركيا التي يمثل حزب العمال الكردستاني جناحها العسكري ضمنا . واللقاء علقت عليه الصحافة التركية كثيراً على اعتبار أن أوجلان سلم الوفد خلاله مسودة مشروع لحل المشكلة الكردية على أن يتم تسليمها إلى قيادة الحزب العسكرية المتواجدة في جبال قنديل في شمال العراق .
المفاوضات بين الطرفين تدور منذ سنتين بالضبط .ورغم مرور هذه المدة فإنه وفقاً للمعلومات التي تتسرب وتنشر لم يتم إحراز أي تقدم .
المفاوضات عملياً تجري بين الحركة الكردية ممثلة بأوجلان وقيادة قنديل وحزب الشعوب الديمقراطية من جهة والدولة التركية التي يقال إن رئيس استخباراتها حاقان فيدان هو الذي يتولى الاجتماع بأوجلان وبعد سنتين ليس هناك من إشارات قوية على تقدم فيها .
التصريحات الكردية غالباً ما تعكس مناخاً سلبياً مفاده أن التفاهمات الضمنية، وليست اتفاقاً، تنص على أن ينسحب مقاتلو الكردستاني من داخل تركيا خلال أشهر يتم بعدها التقدم في مجال بعض المطالب على أن يليها إعلان أوجلان تخلي الحزب عن السلاح ومن ثم يتم إقرار تشريعات دستورية تعترف بالهوية الكردية .
المطلب الكردي الأبرز هو إقرار الحكم الذاتي وإقرار التعلم باللغة الكردية، في المدارس حيث الأغلبية الكردية وتنتهي بإطلاق سراح أوجلان وغيره من المعتقلين الأكراد .
المثير هنا أن المعلومات التي يقال إنها تمثل وجهة النظر التركية لم تكن واضحة في أي وقت .
لم يكشف أي مسؤول عن أي خطة محددة للحل . لم يعلن عن أي خطة طريق . لم يعكس أي وجهة نظر في شأن الخطوات المطلوبة من الجانب الكردي ولا أي تعهد من الجانب التركي حول ماذا يمكن أن تقدم الحكومة من خطوات مضادة .
الاجتماع الذي انعقد بين وفد النواب الأكراد وأوجلان عكس الرؤية الكردية للحل .
أوجلان يرى أن الأهم هو مطلب الحكم الذاتي ولو بمسميات مختلفة إضافة إلى المطالب الأخرى . وهنا يظهر أوجلان مرونة أكثر من المتوقع واستعداداً للصبر والذهاب حتى النهاية مع الوعود التركية الضمنية . وهو كان يقول سابقاً ولا يزال أنه ليس لدى الحكومة أي خطة وهو لا يعرف ماذا تريد الحكومة . ومع ذلك يعلن أوجلان أن الخيار السلمي هو الحل الأمثل وأن الحركة الكردية وتركيا على مفترق طرق بل هم أقرب إلى المصالحة التاريخية من أي وقت مضى .
ربما يعكس أوجلان حالة موجودة لدى حزب العدالة والتنمية، وربما يعلق آمالاً على ما يتمناه وليس على وقائع ملموسة .
في المقابل فإن قادة الحزب في جبال قنديل يطلقون التحذير تلو التحذير منذ أكثر من سنة من أنه إذا لم تبادر الحكومة إلى خطوات مقابلة للخطوات الكردية فإن الحزب لن يستمر في وقف النار.
المرونة الأوجلانية والتشدد “القنديلي” ربما يعكسان توزيع أدوار في الصف الكردي . لكن في المحصلة فإن العقلية الأوجلانية هي التي لا تزال ترجح في اتجاه التهدئة والتعقل وعدم الانتقال إلى مرحلة استئناف العملية العسكرية .
الاعتقاد لدى الحركة الكردية ربما أنه لا توجد ظروف مؤاتية للعودة إلى العنف . على ما يبدو فإن المسار الذي يحكم مسار المفاوضات التركية- الكردية مرتبط بشكل وثيق بتطورات الصراع في المنطقة من جهة، والصراع السياسي الداخلي في تركيا من جهة أخرى .
إذ إن التطورات الإقليمية والتحديات التي وجهها تنظيم “داعش” لأكراد العراق وأكراد سوريا باتت تشغل الأكراد بمعارك خارج تركيا بحيث إن أي عنف جديد داخل تركيا سيستنزف القوى الكردية وهذا من دواعي الانتظار الكردي . أما داخلياً فإن تكرار حدوث انتخابات بلدية ورئاسية في تركيا كان يدفع الحكومة التركية تحديداً إلى ربط مسار المفاوضات بهذه الاستحقاقات .
الوضع اليوم مختلف . إذ إن آخر انتخابات يمكن أن تكبّل مسار المفاوضات دون حسمها هي الانتخابات النيابية التي ستجري في نهاية ربيع العام المقبل (2015) . والأرجح أن أياً من النتائج أو التحولات لن تحصل إلا بعد انتهاء الانتخابات . لكن المماطلة المتوقعة من الجانب التركي قد تدفع حزب العمال الكردستاني هذه المرة إلى التخلي عن الخيار السلمي الحالي للبحث عن حل واعتماد خيارات عنفية بصورة أكثر جدية مما هو عليه الآن .
(الخليج)