مقالات مختارة

لهذه الأسباب جعجع مع حوار حزب الله ــ المستقبل: الفشل المحتم و«عقدة» عون ابراهيم ناصرالدين

 

للمرة الاولى لا يبدو رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع قلقا ومتوجسا من ذهاب حليفه سعد الحريري الى حوار مع حزب الله، ولاول مرة يشعر ان النتائج لن تكون على حساب فريقه السياسي، وللمرة الاولى لم يدخل «الحكيم» في حالة «العصف الفكري» المعتادة لايجاد تبريرات «غير منطقية» ساهمت في «تلطيف» النكسات المتتالية للعلاقة بينه وبين تيار المستقبل منذ العام 2005 . فلماذا هذا الارتياح اليوم؟ وهل تقديراته في مكانها؟

اوساط سياسية متابعة لهذا الملف، وتدور في فلك 14 آذار، تشير الى ان جعجع ينطلق في حساباته من اعتبار ان ما يقوم به الحريري «حوار الضرورة» الذي لن يصل الى اي نتائج عملية تغير من طبيعة التحالفات او السياسات القائمة في البلاد، واذا كان الحوار يحصل تحت عنوان تنظيم العلاقة بين السنة والشيعة في لبنان، انطلاقا من الاوضاع الملتهبة في المنطقة والتي تجعل التواصل بين «تيار المستقبل» وحزب الله ضروريا، لتخفيف الاحتقان المذهبي، فهذا الامر لا يضر في هذه المرحلة الدقيقة، ولا تمانعه القوات اللبنانية. ولكن هل هذا «الغرام» بوأد الفتنة حبا بحزب الله؟

بالطبع لا، وبحسب المعطيات المتوافرة فان «الحكيم» وبعد مراجعة الرئيس الحريري وسؤاله عن موجبات هذا الحوار في هذا التوقيت، اكتشف ان الحريري «مجبر لا بطل»، فلو كانت «الاحوال» غير «الاحوال» الراهنة لما كان تخلى ابدا عن استراتيجية «عزل» حزب الله في الداخل وعدم تغطية تدخله في سوريا، لكن الظروف التي املت على الحريري خوض معركة «حياة او موت» في ملف الانتخابات النيابة، وفرض التمديد على كافة المكونات السياسية في البلاد، هي نفسها التي تدفعه اليوم الى «مهادنة» حزب الله والدخول معه في نقاشات تساهم في تمتين مرحلة «ربط النزاع» الحكومي الى ان تتغير الظروف الراهنة وتتحسن «شروط «»اللعبة» الاقليمية والدولية.

وبحسب تلك الاوساط، فان الشرح المستفيض الذي قدمه الحريري ردا على تساؤلات «الحكيم»، ابرزت مكامن الضعف العديدة التي يعاني منها تيار المستقبل بعد ان انقلب المشهد العام الدولي والاقليمي وبات عنوان المعركة في المنطقة «مكافحة الارهاب» والقضاء على التيارات التكفيرية، ولم يخف الحريري وجود حالة من انعدام الوزن في الشارع السني بسبب هذا المعطى الجديد الذي خلط «الاوراق» بعد ان بات «التيار الازرق» مضطرا للتخلي عن الكثير من «الحمولة الزائدة» التي نمت في بيئته الحاضنة تحت عنوان دعم «الثورة» السورية، فبعد التصنيفات الدولية والاقليمية الجديدة لهؤلاء «الثوار» لم يعد الهامش المتاح امام «المستقبل» كبيرا، فاضطر لرفع «المظلة» عن الكثير من القيادات والافراد الذين شكلوا في الماضي الرافعة الجدية لجمهور «التيار» في الشارع السني، لكن دخول هؤلاء في التصنيفات الارهابية الخارجية، وقيامهم بمعركة مفتوحة مع الجيش، تركت «ندوبا» كبيرة في «جسم» تيار المستقبل، والحريري مضطر ومعني بمعالجة تداعياتها من خلال استراتيجية جديدة غير مكتملة المعالم بعد.

لكن ما هو معلوم ان الاستراتيجية القديمة التي كانت تقوم على معادلة مواجهة «التطرف الشيعي» «بالتطرف السني» سقطت تضيف الاوساط، بعد ان تحول حزب الله الى شريك للقوى الاقليمية والدولية، وشريك ايضا للجيش اللبناني في الحرب المفتوحة على الارهاب «السني» الذي قام الحريري برعايته سابقا. وانطلاقا من هذه المعطيات يبدو واضحا ان هذا الحوار ما كان لينعقد لولا الاختلال الكبير في موازين القوى، ولم يكن امام جعجع من خيار سوى «تفهم» موقف حليفه الذي فقد اهم «اسلحته» التي اعد لها «التيار الازرق» خلال سنوات طويلة. ومن هنا يمكن فهم كلام «الحكيم» الذي حاول من خلاله شرح قبوله بهذا الحوار، عندما قال ان «القضايا الجوهرية المتصلة بأمننا القومي وبطريقة إدارة الامور في لبنان لن تكون موضع حوار حاليا، وهذه نقطة ضعف، لان التحدي الحقيقي هو في مقاربة الإشكاليات العميقة التي تشكل مادة انقسام داخلي حاد». طبعا «نقطة الضعف» هذه يمثلها تيار المستقبل في المفاوضات لكن امام انعدام الخيارات يبقى وقف «النزف» اولوية اذا لم يكن بالامكان معالجة «الجرح» بشكل تام.

بحسب تلك الاوساط، فان حدود النقاش هنا «وتفهم» «الحكيم» لظروف حليفه، لم تتحول الى عامل اطمئنان كامل الا عند مقاربة حدود التنازلات الممكنة في الملف الرئاسي، وكان الهم الاول والاخير لدى جعجع الحصول على اجابات واضحة من الحريري عن محور النقاشات حول هذه المسألة وكيفية مقاربتها في الحوار مع حزب الله، وكان ثمة حرص على ان تكون قاعدة الانطلاق في النقاشات استبعاد رئيس تكتل الاصلاح والتغيير الجنرال ميشال عون من السباق، واعتبار ان هذا الملف قد طوي، فالنقاشات يجب ان تنطلق من البحث عن خيارات أخرى وبديلة تحت عنوان رئيس «تسوية»، ودون ذلك لن يقبل «الحكيم» تغطية اي حوار وطبعا لن يقبل بنتائجه. طبعا حصل «الحكيم» على ما يريده من تطمينات في هذا الشان، وما زاد في اطمئنانه استمرار «الفيتو» السعودي على «الجنرال»، ما يعني ان هوامش المناورة عن الحريري معدومة في هذا السياق، ولذلك فهو مطمئن الى ان النقاش سيصل الى حائط مسدود، فمن جهة لن يقبل حزب الله بالتخلي عن ترشيح عون، وهو لن يسمح لتيار المستقبل ان يسجل «هدفا» في «مرماه» ويخرب علاقته مع التيار الوطني الحر، والحريري غير قادر على القبول به. وهذا يعني ان «المراوحة» ستكون سمة هذا الحوار.

وعلى طريقته ينقل مقربون عن «الحكيم» قوله «عم بيتسلو الشباب»، وبحسب هؤلاء، فانه يصر على ابلاغ المقربين منه ان الحريري يحتاج الى الوقت لاعادة ترميم «شارعه» ولا ضير في «هدنة» مع حزب الله لن تؤدي الى اي شيء، فطبيعة الصراع المذهبي في المنطقة تجعل قيام تحالف استراتيجي بين حزب الله والمستقبل نوع من «الخيال العلمي»، فلا حاجة الى الهلع، طالما ان النتائج ستكون «صفر». لكن هل التجربة التي خاضها مسيحيو 14 آذار مع الطرف السني المتمثل بتيار المستقبل منذ عام 2005 حتى اليوم، مشجعة، وتجعل الحكيم ينام على «حرير»؟

بحسب اوساط مسيحية مقربة من 8 آذار، لا تزال المعضلة الرئيسية عند جعجع انه يرى الامور من منظار ضيق تتحكم فيها «عقدة عون» التاريخية، فبالنسبة اليه خروج «الجنرال» من السباق الرئاسي هو «الانتصار» الذي يرضيه، وغير ذلك يعتبر من الامور الثانوية لديه. هذا ما ثبت من خلال التجربة في العامين الأخيرين، فهو اضر بالمسيحيين حين «لعب» دورا رئيسيا في منع حصول انتخاب رئيس للجمهورية، بعد ان ارتضى بان يكون مرشحا لالغاء «الجنرال» من المعادلة الرئاسية، وعمل على افشال قانون «المشروع الأرثوذكسي» دون ان يحصل على اي مكافأة سابقة او لاحقة، فتم تأليف الحكومة على الرغم من معارضة القوات اللبنانية التي خرجت من «المولد لا حمص». والآن يمارس «الحكيم» هوايته المعتادة في تبرير قرارات حليفه، وكما أمن له التغطية لتمرير التمديد للمجلس النيابي، وتفهم سابقا «نوم» الرئيس الحريري في «سرير» الرئيس الاسد، يحاول اليوم اقناع جمهوره بحوار «الضرورة» مع حزب الله، دون ان يمتلك اجابات واضحة عن اسئلة مركزية، اهمها هل من ضمانة ان لا يتخلى الحريري عن حلفائه مرة جديدة اذا ما تغير المناخ الاقليمي وازداد موقفه ضعفا؟ وماذا لو وضع الحريري امام خيار تسوية سنية -شيعية تحفظ له مصالحه اللبنانية، وتقلل خسائره، فهل سيتخلى عن هذه الفرصة «كرمى لعيون» «الحكيم»؟..الاجابة لا تحتاج الى الكثير «الفطنة»…

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى