مقالات مختارة

«العدالة والتنمية» والعلويون: لا حلول محمد نور الدين

 

قصد رئيس الحكومة احمد داود اوغلو، الأحد الماضي، مدينة ديرسيم ذات الهوية المزدوجة العلوية ـــ الكردية.

وديرسيم ليس الاسم الحالي أو الرسمي، فبين العامين 1937 و1938 قام سكان المحافظة بانتفاضة على التمييز المذهبي ـــ العرقي ضدهم، فكان نصيبهم من جانب مصطفى كمال أتاتورك القمع العنيف، وارتكاب المجازر التي ذهب ضحيتها الآلاف من السكان، وتم في اثرها تغيير اسم المحافظة إلى تونجيلي، وهو الاسم المعتمد حاليا.

قدم داود اوغلو، أثناء لقائه بالزعماء الدينيين العلويين، مطالعة شاملة حول المجازر، بعدما كان قدم قبلها بأسبوع ما يشبه الاعتذار عن تلك المجازر.

الحوار الذي دار بين داود اوغلو والمشايخ عكس هوة الخلاف الكبيرة بين الطرفين. وانتهى النقاش إلى نتيجتين محددتين، وهي تحويل الثكنة العسكرية هناك، والتي هي رمز للقمع، إلى متحف، والثاني شق طرقات وتعبيدها إلى الأماكن الدينية التي يزورها العلويون. وكان داود اوغلو قد أعلن إطلاق اسم حاجي بكتاش على إحدى الجامعات.

غير أن هذه الاستجابة لم تلامس جوهر المطالب الأساسية العلوية. وانتهى النقاش إلى انتقادات علوية شديدة لداود اوغلو، متهمين إياه بالتلاعب بالمشاعر العلوية.

بنظر المؤرخ نجدت سراتش فإن ما يسمى بـ«مسألة علوية» ليس في الأساس «مسألة علوية»، بل هو «مسألة سنّية»، لأنه «ليا وجود لأي مشكلة من صنع العلويين. بل هي مشكلات من صنع نظام الهيمنة السني». أما الكاتب مليح عاشق فيقول انه «عندما يجرب من يديرون البلاد (أي حزب العدالة والتنمية) أن ينظروا إلى المعتقد العلوي بعض الشيء بنظّارة علوية، ومن زاوية علمانية، يمكن حينها لهذه المسألة أن تجد حلاً لها».

أمل العلويون نهاية لملف الخلاف مع السلطة لدى وصول «حزب العدالة والتنمية» وانفتاحه على هذه المشكلة. لكن العكس حصل، وخابت الآمال مع تصعيد للخطاب المذهبي، بفعل الأزمة السورية، لدى قادة «العدالة والتنمية» ولا سيما الرئيس رجب طيب اردوغان.

ورغم المؤتمرات المتعددة، التي عقدها الحزب على امتداد السنوات الماضية، لبحث حل للمشكلة العلوية، غير أن النتيجة كانت المزيد من الإحباط، الذي وصل ذروته مع إطلاق الحكومة اسم السلطان سليم الأول على الجسر الثالث الذي بدأ العمل به في الجهة الشمالية من مضيق البوسفور، وهو السلطان الذي ارتبط اسمه لدى العلويين بالمجازر ضدهم.

زيارة داود اوغلو لديرسيم كانت مناسبة لتجديد عرض العلويين لمطالبهم المزمنة، وقد بلغت 12 مطلباً، رفعها إليه زعماء ديرسيم وهي:

١ ـــ إنهاء مفهوم التمييز في الحقوق والمواطنة المتساوية تجاه العلويين. فحتى اليوم ليس في المواقع الرسمية أي وزير، ولا مدير عام، ولا محافظ، ولا قائمقام من العلويين.

٢ ـــ الاعتراف ببيوت «الجمع»، وهي مركز عبادة العلويين بشكل قانوني. وهذه البيوت مجمع عليها من العلويين على أنها مراكز عبادتهم، وبالتالي الاستفادة من المساعدات التي تقدمها الدولة لكل مراكز العبادة الأخرى لغير العلويين.

٣ ـــ إعداد دستور جديد مدني وديموقراطي يحل محل دستور الطغمة العسكرية لعام 1982، والذي شكل أساسا لاضطهاد العلويين.

٤ ـــ إنشاء رئاسة شؤون دينية مستقلة وليست تابعة للدولة، وان تتمثل فيها بالتساوي جميع المعتقدات.

٥ ـــ إلغاء درس الدين الإجباري في المدارس وتحويله إلى درس اختياري لمن يرغب.

٦ ـــ تسليم المقابر والزوايا الخاصة بالعلويين إلى العلويين، ولا سيما زاوية حاجي بكتاش وغيره.

٧ ـــ فتح مدارس علوية في المرحلة المتوسطة (على غرار معاهد إمام خطيب ـــ م.ن.) تدرس المعتقد العلوي، وكذلك إقامة أكاديميات جامعية علوية.

٨ ـــ وقف إنشاء جوامع في القرى العلوية، والتي بدأت مع الانقلاب العسكري في العام 1980، ولا تزال مستمرة، وسحب الموظفين المعينين في المراكز التي أنشئت، والتي يجب أن تتحول إلى مراكز لخدمة أبناء القرى.

٩ ـــ إنهاء سياسة الصهر وإعادة كتابة التاريخ بطريقة محايدة، ولا تلغي أصحاب الأفكار الأخرى.

١٠ ـــ إظهار الاحترام للأماكن المقدسة التابعة للعلويين، وعدم إلحاق الأذى بها عند القيام بشق الطرقات وإنشاء الجسور وما إلى ذلك.

١١ ـــ إقرار يوم عاشوراء عطلة رسمية، فيوم عاشوراء ليس خاصا بالعلويين فقط بل بكل الإنسانية.

١٢ ـــ تبديد الأحقاد القائمة منذ 500 عام، فالسلطان سليم الأول والشاه إسماعيل هما شخصيتان مهمتان في التاريخ التركي والإسلامي. ويجب تجنب السلبيات في قراءة تاريخ هاتين الشخصيتين، واستخراج الدروس من الأحداث. فإذا كان يراد إطلاق اسم السلطان سليم على جسر فيجب تغيير اسم «جسر البوسفور» الحالي (بوغازجي) وإطلاق اسم شاه إسماعيل (مؤسس الدولة الصفوية الشيعية لكنه قبل ذلك المرجع الروحي للعلويين الأتراك وهو من أصل تركماني) عليه. وبذلك يمكن إزالة الحقد، الذي لا معنى له، بهذين الجسرين من الأخوة والسلام.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى