مقالات مختارة

لهذه الأسباب نجاح «المقايضة» بين حزب الله «والحرّ» أحرجت المستقبل..؟ ابراهيم ناصرالدين

 

من حاول خلال الساعات القليلة الماضية اجراء مقارنات «واستعارات» بين الاخفاق في ملف تبادل العسكريين المختطفين وبين نجاح حزب الله في مقايضة الاسير المحرر عماد عياد بمعتقلين لديه من «الجيش الحر»، يمارس «لعبة» مكشوفة تفيد بأن هؤلاء باتوا يتصرفون على أساس أن أي انتصار للحزب هو هزيمة لهم، وأن أيّ تقدم في نجاح استراتيجية المقاومة هو تراجع لاستراتيجيتهم. ومن هنا يمكن فهم حقيقة «غيظ» بعض قيادات «المستقبل» ووصف الامانة العامة لقوى 14 آذار للصفقة بانها تُبيّن وجهاً إضافياً للإنتقاص من سلطة الدولة». ولكن متى كانت لهذه الدولة سلطة قادرة على فعل شيء وقام حزب الله بتجاوزها؟ سؤال طرح في السابق عند التفاوض مع اسرائيل ويعاد طرحه اليوم في المواجهة مع التكفيريين؟ والاهم من كل ذلك لماذا يشعر «التيار الازرق» بالاحراج الشديد لنجاح هذه الصفقة؟

اوساط قيادية في 8آذار مواكبة لهذا الملف، تشير الى ان حزب الله لم يسع من خلال انجاح صفقة التبادل هذه «التمريك» على الدولة او على الحكومة اللبنانية، ومعها خلية الازمة التي تدير عملية التفاوض، لكنه كان يفاوض بعيدا عن الاضواء لاستعادة الاسير الوحيد الذي تقر مختلف المعارضات السورية بوجوده لديها، «ونقطة على السطر». وهو لم يكن معنيا بغير تحقيق هذا الهدف الانساني بعيدا عن اي «ترهات» سياسية او دعائية لا مكان لها في قاموس خلية الازمة الخاصة بمتابعة ملفات مشابهة في حزب الله، وهي خلية صغيرة جدا على تواصل مباشر بالامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، دون سواه من مسؤولي الحزب الذين كانوا ايضا غير مطلعين على الملف. اما لماذا التكتم وعدم وضع السلطات اللبنانية في اجواء التفاوض، او ضم ملف عياد الى ملف الجنود المختطفين؟

تجيب الاوساط ان تلك الاسئلة لها علاقة، اولا باختلاف هذين الملفين اختلافا جذريا من حيث الشكل والمضمون، وحتى الجهة الخاطفة، ثانيا غياب الثقة ببعض من يديرون ملف التفاوض، في ظل الخلاف السياسي الجذري حول تقدير وفهم طبيعة ما يحصل في سوريا، اضافة الى عدم تمتع هؤلاء بأي خبرة تؤهلهم قيادة مفاوضات ناجحة ادت الى كل هذه الفوضى السائدة في ملف العسكريين. والدليل على ذلك انه في تجارب سابقة لم ترفض قيادة حزب الله التنسيق مع الدولة في ملفات شائكة، فعندما توافر الحد الأدنى من الثقة مع السلطة السياسية، لم يكن للمقاومة أي تحفّظ أو رفض لدور مركزي قامت به الدولة في ملفات تخص الصراع مع إسرائيل. فقبلت عام 1996ان يقود الرئيس الشهيد رفيق الحريري المفاوضات التي افضت الى تفاهم نيسان الشهير، وهو خاض عملية تنسيق دقيقة مع حزب الله وجهات دولية في التوصل إلى هذا الاتفاق، كما جرى تبادل خرج بموجبه عشرات الأسرى، وأعيدت جثث عدد كبير من الشهداء، في وقت لاحق. وفي مرحلة لاحقة تولى الرئيس إميل لحود ومعه الرئيس سليم الحص وفريقهما الدبلوماسي والعسكري والأمني المفاوضات التي دارت حول ترسيم خط الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، كما لم يرفض حزب الله ايضا دوراً مركزيا لعبته الدولة عبر جهاز الامن العام في ترتيبات أكثر تعقيداً رافقت المفاوضات التي انتهت إلى التبادل الكبير في كانون الثاني 2004.

ومن هنا يمكن القول تضيف الاوساط، ان المفاوضات التي حصلت بين «حزب الله» ومسلحي القلمون «لم ينتقص من سلطة الدولة»، بل جاء في سياق تغطية عجزها في ظل انعدام الثقة ببعض مكوناتها، كما ان عملية أسر عنصر الحزب، عماد عياد، والتي قابلها اسر ضابطين من «الجيش السوري الحر» حصلت داخل الاراضي السورية وعملية التبادل تمت أيضاً في الداخل السوري وليس على الاراضي اللبنانية»، واذا كان من طرف له حق الاعتراض فهو الدولة السورية التي تضع اليوم ثقتها الكاملة بحزب الله ومنحته الشرعية المطلوبة لتحرير الاسير عياد، فعلى ماذا تعترض قيادات 14آذار؟

لا على شيء وانما على نجاح حزب الله، تقول تلك الاوساط، وربما يجب التذكير هنا بان التاريخ يعيد نفسه، ففي العام 2008 قالت مصادر اسرائيلية في تصريحات علنية أن هناك رغبة في اسرائيل لاغلاق ملف الاسرى مع حزب الله، لكن، بعض الجهات في تل ابيب تخشى من التأثيرات السياسية الداخلية في لبنان، والتي ستكون ضد مصلحة اسرائيل والولايات المتحدة في حال انجاز صفقة التبادل، مما سيقوي حزب الله داخل الساحة اللبنانية، وذكرت المصادر يومها أن حزب الله يدير المفاوضات بذكاء، وهو متفوق على اسرائيل، واستطاع فرض شروطه، لكن لا يوجد قرار سياسي ينهي بعض الخلافات التي تشكل عائقا لاتمام الصفقة، ومنها التأثير السلبي لهذا الاتفاق على حلفاء واشنطن في بيروت.!

واليوم التاريخ يعيد نفسه، فحزب الله لم يحرج الدولة اللبنانية تؤكد الاوساط، وليس في وارد ذلك، لكنه تسبب بالاحراج الى القوى السياسية المؤيدة «للثورة» السورية وفي مقدمتهم تيار المستقبل الذي يشعر امام جمهوره بالكثير من الحرج ازاء ما حصل. فعملية التبادل مع الجيش الحر لم يراع فيها الطرف السوري مصالح «حليفه» اللبناني، رغم الاتصالات المستمرة مع قيادة «الجيش الحر»، فالعملية كانت مفاجئة بالنسبة «للتيار الازرق» الذي كان يطمح الى استغلال الموقف كي تشمل المقايضة الكشف عن مصير عدد من المقاتلين اللبنانيين المجهولي المصير، واختفوا خلال مشاركتهم في المعارك مع المعارضة السورية، كما ان «الجيش الحر» لم يضع في حساباته مصالح الطرف اللبناني في توقيت التبادل، وهذا ما اثار حفيظة القيادة «الثورية» في «التيار الازرق» التي ارسلت رسائل قاسية الى الطرف السوري في الساعات القليلة الماضية، خلاصتها «لقد خذلتونا واحرجتم موقفنا».

اما الاحراج الثاني فيتمثل في الاستقبالات الحاشدة للاسير المحرر على حدّ قول الاوساط، والتعامل معه على قدم وساق مع العسكريين المختطفين في سوريا، فيما الكثير من الشبان المحسوبين سياسيا على البيئة الحاضنة «للتيارالازرق» يقاتلون في سوريا وهم غير قادرين على العودة إلى لبنان خوفاً من توقيفهم من قبل الاجهزة الامنية، فيما مقاتل «حزب الله» يستقبل بالورود.

اما الاحراج الثالث تضيف الاوساط، فيتمثل في نجاح حزب الله في تقديم دليل ملموس انه لا يطلق الكلام على عواهنه، واثبت انه عندما اعلن صراحة عبر وزرائه ومن خلال السيد نصرالله انه ليس ضد مبدأ المقايضة في قضية العسكريين، لم يكن يناور، ومن خلال اطلاق عياد قدم نموذجا واضحا لما يمكن ان يحققه مبدأ القوة من مقايضات ناجحة، وهو قدم للرأي العام ولاهالي المخطوفين ردا واضحا على كل من توسلت اليه نفسه باتهام الحزب انه يعيق عملية التفاوض لاطلاق العسكريين، وسحب من خصومه «الزرق» «ورقة» ابتزاز استخدموها لتأليب اهالي العسكريين عليه.

وازاء ما تقدم، فان حزب الله لم يكن بحاجة الى عملية التبادل هذه لاثبات قدراته على ادارة ملف اطلاق اسرى، وكما نجح في السابق في «اللعب» على نقاط ضعف المفاوض الاسرائيلي، نجح عبر دراسة «نفسية» معمقة على فهم نقاط ضعف المجموعات المسلحة في القلمون ونجح من خلالها في تامين سلامة اسيره ثم عمل على اطلاقه، وهو اليوم لا يطمح الى تولي مهمة المفاوضات عن الدولة في ملف العسكريين، وبعض الدعوات في هذا الاطار فيها الكثير من علامات الاستفهام «المشبوهة» لكنه في نفس الوقت لم يبخل بتقديم اي معلومة او مشورة تعزز اوراق القوة لدى المفاوض اللبناني، وليس مهما في هذا السياق كل «الصراخ» وعمليات التشويش، لانها غير مؤثرة على الثقة المتبادلة مع مؤسسة الجيش والتي تتعزز يوما بعد يوم من خلال العمل الجاد القائم على التنسيق الميداني مع القيادة العسكرية.

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى