مقالات مختارة

القلق الإخواني: هل تكون تركيا بعد قطر؟ د. ليلى نقولا الرحباني

 

انطبع الأسبوع المنصرم بأحداث بارزة أهمها، التفاهم الخليجي الذي خرجت به قمة الرياض يوم الاحد في السادس عشر من تشرين الثاني ، وما تلاها من انفتاح مصري على دعوة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز لتسوية الخلاف بين القاهرة والدوحة، ثم زيارة نائب الرئيس الأميركي جون بايدن الى تركيا، التي وصلها لإجراء محادثات مع المسؤولين الأتراك، حول الدور الذي من المفترض أن يلعبه الأتراك في الحرب الأميركية الجديدة على الإرهاب .

وتحت غطاء التصاريح المعلنة والصمت الذي يلف القيادات الاخوانية في العالم، لا شكّ أن القلق يتسّرب الى هؤلاء بعد التحوّل القطري تجاه التقارب مع السعودية، والذي بدأ بسلسلة إجراءات منها التضييق على القيادات الإخوانية والطلب منهم مغادرة الدوحة، وصولاً الى المصالحة الشهيرة التي تمّت بين قطر والسعودية مؤخرًا.

ولا شكّ أن التحوّل الذي قامت به قطر نحو السعودية، مطلوب من تركيا ايضًا ، ويبدو ذلك من خلال إعلان الأميركيين أنهم سيسعون مع أنقره للمساهمة أكثر في محاربة داعش، علمًا أن الأميركيين أعربوا عن عدم قدرتهم على تلبية مطالب أنقره في هذا المجال والتي تتجلى بإسقاط الرئيس بشار الأسد، وفرض منطقة عازلة وغيرها من الشروط التي تبدو تعجيزية بالنسبة للولايات المتحدة، التي أعلنت على لسان رئيس هيئة الأركان الأميركية مارتن ديمبسي، بأن الهدف هو تدمير تنظيم “الدولة الإسلامية – داعش” في العراق وسوريا وليس إطاحة النظام السوري، وهو ما دعمه وزير الدفاع تشاك هايغل بالتأكيد أن الهدف الرئيسي هو “داعش”، برغم إقراره بأن الرئيس السوري بشار الأسد يستفيد “بشكل غير مباشر” من الهجوم على التنظيم الارهابي.

وهكذا، يبدو أن الإخوان المسلمين يتجهون الى مزيد من العزلة في العالم العربي، فقطر ستسحب تأييدها العلني لهم، وستضطر الى الالتزام بمقتضيات التفاهم الخليجي الذي سيؤدي الى تقارب مع الحكم المصري، في حال التزمت قطر بسياسة الخليجيين تجاه الاخوان. وقد لا تصل قطر الى حظر الإخوان واعتبارهم جماعة ارهابية، لأن ذلك سيفقدها مصداقيتها وجميع أوراق القوة التي تحصلت عليها في السنوات من خلال الاتكاء على قاعدة الاخوان المسلمين الدينية والشعبية لفرض نفوذ لها واسع في العالم العربي. ولكن بكل الأحوال، لن يكون للإخوان في قطر حرية التصرف كما كانوا من قبل، ولن تستطيع قطر قديم المساعدة المادية والسياسية العلنية للإخوان المسلمين بعد هذه المصالحة ، اقلّه على المستوى العلني الرسمي.

أما بالنسبة لتركيا، فمن المستبعد جدًا أن تتخلى عن دعم القيادات العربية في الاخوان المسلمين ، فالحزب الإخواني الذي يقود تركيا ما زال في أوجّ قوته الداخلية، بالاضافة الى أن شخصية اردوغان التصادمية والمتصلبة، الحس الشعبي العام ومصالح تركيا الاستراتيجية كما حددها حزب العدالة والتنمية لا تسمح بتهميش القيادات الاخوانية في هذا الظرف.

وهكذا،لم يبق للإخوان اليوم سوى الاتكال على التصلّب التركي في رفض الدخول في التسوية لتحصيل بعض المكاسب أو الحفاظ على الوجود، لإدراكهم أن خسارتهم مؤكدة من التقارب القطري السعودي والذي قد يؤدي الى تقارب قطري – مصري، ما سيزيد من عزلتهم في العالم العربي ويدفعهم الى الحضن التركي أكثر فأكثر، وستجعل التسوية – سواء في الخليج أو في مصر أو على صعيد المنطقة ككل- رهن بمدى قدرتهم على التكيف مع المعطيات واستعدادهم لتقديم التنازلات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى