مقالات مختارة

لهذه الأسباب حذّر المشنوق من «دروب» تؤدّي الى «طاحونة» التصعيد الأمني..؟؟ ابراهيم ناصرالدين

 

بعد ان نصحت اوساط ديبلوماسية غربية قيادات لبنانية عديدة بعدم الرهان كثيرا على الرابع والعشرين من الجاري، التاريخ المفترض لمعرفة نتائج المفاوضات النووية الايرانية مع الغرب، على اعتبار ان تسييل اي اتفاق، او تمديد، اواخفاق، يحتاج الى وقت كي يتبلور وينعكس على ساحات الخلاف المتعددة ومنها لبنان، «همست» تلك الاوساط لحلفائها في 14آذار بمعلومات عن تغييرات مرتقبة في الموقف الاميركي ازاء الاستراتيجية المتبعة في الشرق الاوسط على خلفية نتائج انتخابات الكونغرس وهيمنة الجمهوريين على «مفاتيح اللعبة» حيث تحول الرئيس باراك اوباما الى «بطة عرجاء» فيما تبقى له من ولاية رئاسية. هذه المعطيات وصلت بالطبع الى مسامع وزير الداخلية نهاد المشنوق فانبرى للتحذير من مخاطر امنية خطيرة للغاية تنتظر لبنان خلال العام المقبل. فما هي دوافع القلق؟ وما هي السيناريوهات المقلقة المثيرة لتلك المخاوف.

وفقا لتلك الاوساط الديبلوماسية بعد أن تقلصت هوامش المناورة لدى الرئيس الاميركي باراك اوباما على الصعيد الداخلي، بعد التحول الذي حصل في مجلس الشيوخ، فان الساحة الدولية أضحت تعتبر الفرصة الوحيدة المتبقية له لتحقيق النجاحات، وهي تشكل الفرصة الوحيدة له ليترك «بصمة» قبل مغادرة البيت الابيض؛ لذلك فإن الإدارة الأميركية تفكر الآن بمجموعة من القضايا الاستراتيجية التي تشكل «حبل النجاة» لها، ومن تل القضايا المفاوضات النووية مع ايران، والحرب على «داعش» والتحول في الموقف من النظام السوري.

وتعيش قوى 14 آذار على وقع معلومات تشير بتغييرات جذرية في السياسة الاميركية في المنطقة، وهي تعتقد ان قرار الرئيس اوباما بارسال المزيد من القوات الاميركية الى العراق ومجاراته للجمهوريين في هذا الامر، سيكون مقدمة لتغيير موازين القوى في المنطقة ومقدمة لاستعادة الاميركيين لزمام المبادرة، والقيادات الامنية اللبنانية باتت على اطلاع على ان تطورات جديدة في الحرب على تنظيم «داعش» ستبدا بالتبلور خلال الأسابيع المقبلة. وثمة توجه قوي للانتقال من الدفاع إلى الهجوم في الحرب مع مقاتلي «الدولة الاسلامية»، اي الانتقال من سياسة الاحتواء الى مرحلة العزل ثم التحجيم كمقدمة لضرب البنى الرئيسية لهذه القوات في العراق اولا ثم في سوريا.

وبرأي هؤلاء فان الإدارة الاميركية بدأت التمهيد لهذه الخطوة بسلسلة تصريحات متتالية ابرزها اعلان الرئيس نفسه في قمة العشرين بأستراليا، أن الولايات المتحدة قوات مقاتلة إذا تمكن تنظيم «داعش» من الحصول على أسلحة استراتيجية. فيما أعلن وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل إنه قد ينظر في طلب إرسال قوات برية أميركية إلى العراق من أجل المساعدة على تحديد الأهداف الأرضية لطائرات التحالف الدولي، بحال قام قائد الأركان الأميركية المشتركة بتقديم توصية بذلك. بدوره رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي قال إنه قد يضطر لتقديم اقتراح مماثل في مرحلة ما، مع تشديده على أنه لم يقدمه بعد. ثم عاد هيغل ليعلن مجددا ان بلاده على استعداد إلى ارسال قوات برية إلى العراق ما اذا طلبت الحكومة العراقية ذلك. وهذا الامر يعني بالنسبة لهؤلاء استعادة الولايات المتحدة لنفوذها في العراق والذي سيكون «البوابة» للنفاذ الى سوريا.

وبحسب المعطيات المتوافرة لدى هؤلاء، فان عدد من كبار موظفي ومستشاري البيت الأبيض، يعكفون في الأيام الأخيرة، على وضع استراتيجية جديدة، بعدما تبين للرئيس الأميركي ألا جدوى من الغارات الجوية وحدها، وأن القضاء على «داعش» يستوجب التحرك، أيضاً، باتجاه إسقاط نظام الأسد. ووجهة النظر هذه تشير الى ان اوباما سيتحرك بهذا الاتجاه تحت ضغط الجمهوريين في الكونغرس، وتحت ضغط الحلفاء الخليجيين وخصوصا السعودية لبلورة استراتيجية واضحة للاطاحة بالرئيس الاسد، وقد بدأت الرياض تمهيد الارضية المناسبة لتحقيق هذا الغرض، «واول الغيث» ترتيب «البيت» الخليجي من خلال المصالحة مع قطر والتفاهم معها على العمل المشترك لحسم الحرب في سوريا وتوحيد الجهود لاقفال هذا الملف وابقائه بعيدا عن التجاذبات والخلافات الاخرى.

ولا تتوقف تلك الاوساط في تقويمها المتفائل عند هذا الحد، فتذهب بعيدا في حديثها عن تقلبات في الموقف الروسي وعن استعداد موسكو للتخلي عن الأسد مقابل تشكيل حكومة انتقالية، تضم المعارضة المعتدلة، وبعض القريبين من النظام، شرط الحفاظ على مؤسسات الدولة والجيش. وهذا السيناريو ضمن اطار ملاقاة واشنطن في منتصف الطريق على ان يكون الثمن في مكان آخر، وفق معادلة القبول بتغيير الرئيس الاسد مقابل تسوية تضمن لموسكو مصالحها في اوكرانيا..

ويبقى برأي هؤلاء ان تطورات الموقف في المفاوضات النووية الايرانية مع الغرب ستلعب دورا محوريا في حسم الخيارات الاميركية والايرانية، فاذا لم يتم التوصل الى اتفاق نهائي حول هذا الملف، فان الاستراتيجية الاميركية سوف تشهد تحولا باتجاه ممارسة المزيد من الضغوط على ايران لدفعها نحو تقديم المزيد من التنازلات، وستكون سوريا الساحة المرجحة لهذا الامر، والرهان الغربي سيكون على تدفيع طهران ثمن عدم التعاون النووي في سوريا. وفي المقابل فان الرهانات «الضئيلة» على تجاوز عقبات هذا الملف والتوصل الى اتفاق نهائي او تمديد امد المفاوضات، فسيكون مدخلا جديا نحو تسوية غربية- ايرانية على الملف السوري، ولن يكون للرئيس الاسد مكان فيها.

هذه المعطيات ترى فيها اوساط سياسية في الثامن من آذار، مجرد استنتاجات خاطئة مبنية على امنيات اكثر منها وقائع، فعلى المدى المنظور لا يبدو ان ثمة تطورات دراماتيكية قريبة ستحدث انقلابا في الاستراتيجيات المعتمدة من قبل الادارة الاميركية، ، فواشنطن مستمرة في انتهاج سياسية تقوم على عدم الاخلال بالتوازنات القائمة على الارض خصوصا في سوريا، ولن تقدم على اي خطوة تسمح لاي من الاطراف بحسم الصراع القائم، واذا كانت إدارة أوباما تعتبر ان نظام الاسد فاقد للشرعية لكنها لا تملك بديلا عن هذا النظام، واستمرار الاوضاع الحالية مصلحة استراتيجية لها، فهي لا تشعر بالقلق اوالانزعاج وهي ترى ان جبهة اعدائها غارقون في مواجهات لا افق واضح لها، فلماذا تدخل لاخراجهم من هذا المستنقع؟.

وكذلك فان من يقف وراء هذه السيناريوهات ينطلق من معادلة غير دقيقة تضيف الاوساط، لا تراعي التوازنات القائمة راهنا في المنطقة، ويتجاهل عن قصد ان واشنطن لا ترغب في صدام مفتوح مع ايران حتى لو فشل الاتفاق على الملف النووي، ويتجاهل ايضا ان موسكو وطهران قوتان حاسمتان في تقرير مصير الاوضاع الراهنة، والولايات المتحدة غير قادرة على تجاوز مصالحهما الاستراتيجية، وثمة من ينسى ان الملف السوري ليس قابلا للمساومة، بالنسبة للايرانيين على وجه الخصوص، فطهران تعتبر دمشق جزءا لا يتجزا من امنها القومي وليس مجرد مادة تفاوضية للمقايضة على ملفات أخرى.

وازاء هذا التضارب في الخلاصات والنتائج، يدرك وزير الداخلية نهاد المشنوق ان جميع الطرق تؤدي الى «طاحونة» الوضع الامني الصعب، فهو يدرك برأي الاوساط، بالمعلومات ان اي اتجاه جدي لحسم المواجهة مع المجموعات التكفيرية في المنطقة سيجعل من هؤلاء في «الزاوية» وسيخوضون معركة بقاء في المنطقة، وهذا يعني ان ما يسمى بالخلايا النائمة «ستستفيق» على الساحة اللبنانية، وسيكون لبنان في قلب تلك المعركة كونه شريكا اساسيا في تلك المواجهة. اما في حال تعثر المفاوضات النووية مع ايران وذهاب واشنطن لتنفيذ اجندة التغيير في سوريا، فهذا يعني ان المرحلة المقبلة ستكون مفتوحة على صراع اكثر قسوة لان حلفاء دمشق لن يقفوا مكتوفي الايدي امام اي محاولة لقلب النظام في سوريا، ولن يكون لبنان بمنأى عن تلك التداعيات ايضا. وفي حال التفاهم مع ايران فان هذا سيؤدي ايضا الى تعميق حالة الاحباط السني وهذا يعني المزيد من التطرف ومزيدا من العنف.

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى