مقالات مختارة

سقطت العروبة وتسمّم بومدين في الجزائر ثريا عاصي

 

لم تطل فترة استشفاء الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في إحدى المستشفيات الفرنسية. هذا يدل على أمر من إثنين. اما أن حالة الرئيس الصحية مستقرة وبالتالي خضع الأخير لاستشارة طبية روتينية، وأما حالته متدهورة بحيث صار العلاج بلا جدوى.

ما حملني في الحقيقة على تناول موضوع مرض الرئيس بوتفليقة، هو أن سلفه الرئيس الأسبق هواري بومدين لم يتداوَ في فرنسا عندما نزل به داء، ما يزال غامضا حتى الآن بل سرت بخصوصه إشاعات كثيرة ومتناقضة، منها أنه سُمّم بقصد تعطيل سياسته كرئيس دولة مصدرة للنفط، ومنها أيضا أن الغاية كانت إيقاف نشاط الرئيس بومدين في إبقاء جذوة المقاومة الفلسطينية ملتهبة، عن طريق لمِّ القوى المناهضة للإستعمار في المنطقة العربية.

توفي الرئيس بومدين في سنة 1978. لا غلو في القول أن الجزائر تغيرت بعد هذا التاريخ الذي يمثل من وجهة نظري بدء إنعطافة كبيرة تعدت الجزائر وصولا إلى المشرق العربي. بمعنى أن الإضطرابات التي طرأت على الأوضاع في لبنان، ثم غزو قوات المستعمرين الإسرائيليين سنة 1982 واحتلال العاصمة بيروت، وطرد الفصائل الفلسطينية منها، وقبول هذه الأخيرة الإبحار إلى المنفى التونسي. بالإضافة إلى اتفاقية كامب دافيد التي وقعها الرئيس المصري الأسبق أنور السادات مع الإسرائيليين. التي تبعتها إتفاقية أوسلو في سنة 1993، بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والإسرائيليين. جميع هذه التقلبات تدل على أن زمان بومدين إنتهى يوم وفاته، ليس في الجزائر فقط وإنما في بلاد العرب أيضا. أنا على يقين من أنه لو كان الرئيس هواري بومدين حيا يرزق، لعبر باسم الجزائر عن مواقف قوية، أمام أحداث أثارت حين وقعت، الدهشة إلى حد الذهول.

مجمل القول أن الكتابة عن الجزائر في زمان ما بعد آخر الرؤساء العرب، إذا جاز التعبير ليس سهلا. تبدلت الأمور. صار أمراء النفط يسرحون في بلاد العرب ويمشون مرحا. لقد هتكوا العروبة وداسوا على القيم والمبادئ والتراث القومي والثقافي.

إن تمديد مدة ولاية الرئيس بوتفليقة، رغم أنه مريض وعاجز على الأرجح، عن ممارسة مهامه يدل بالقطع على أزمة أو بالأحرى على عطل في نظام الحكم. ربما تكون المرحلة التي بدأت منذ رحيل الرئيس بومدين قد إنتهت يوم أدخل الرئيس بوتفليقة إلى المستشفى في باريس لأول مرة. هل يعني هذا أن نظام الحكم في الجزائر قد توقف، مثلما توقف في بلاد أخرى؟

كانت حرب قناة السويس سنة 1956 في صلب حرب التحرير الجزائرية. كان لهزيمة حزيران 1967 صدى كبير في الجزائر. كان موقف بومدين يقضي برفض قرار وقف إطلاق النار ومواصلة حرب التحرير. قاتل الجزائريون في حرب تشرين – أوكتوبر 1973. من البديهي أن الرئيس بومدين، كمثل القائد العسكري المصري سعد الدين الشاذلي، سخِط على الرئيس المصري الأسبق أنور السادات بسبب إدارته للحرب. أغلب الظن أنه لولا هزيمة 1967 ولولا التهاون بتضحيات الجنود في سنة 1973، لما كان على رأس الجزائر رجل مقعد ! في الجزائر سقطت العروبة وتسمّم بومدين!

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى