مقالات مختارة

السعودية والإرهاب حميدي العبدالله

الهجوم الإرهابي الذي استهدف مواطنين في إحدى الحسينيات في منطقة الأحساء في السعودية لا يمكن وصفه بالحدث العادي الذي يشبه الكثير من الهجمات الإجرامية التي تحرّكها دوافع بغيضة مثل الدوافع التي حدت بالمجموعة الإرهابية السعودية لقتل الأطفال والشيوخ الذين كانوا يحيون أيام عاشوراء، فهذا الحدث هو الأول من نوعه داخل السعودية. في السابق شنّت المجموعات الإرهابية هجمات، وفي غالب الأحيان استهدفت هذه الهجمات إما خبراء أجانب أو عاملين أجانب أو رجال الشرطة، هذه هي المرة الأولى الذي ينفذ الهجوم على خلفية الحسابات والدوافع المذهبية. وهذا الهجوم الإرهابي الجديد ينطوي على دلالات هامة سيكون لها تأثير كبير على الأوضاع في المملكة العربية السعودية في غضون الفترة المقبلة:

أولى هذه الدلالات أنّ التعبئة المذهبية التي غذتها الحكومة السعودية في دول عديدة، ولا سيما في العراق ولبنان واليمن في سياق صراعها ضدّ إيران، كان لا بدّ أن تترك آثارها على مواطني المملكة وتعيد تشكيل وعيهم وقناعاتهم ودوافعهم، فمن المستحيل أن ترعى السعودية عشرات الفضائيات المجنّدة لزرع الفتنة المذهبية، وتموّل هذه الفضائيات من دون أن يتأثر مواطنو المملكة بما بثته هذه الأقنية، لا سيما أنّ المجتمع في المملكة مجتمع تعدّدي من الناحية المذهبية، فعندما يقوم الإعلام المموّل من المملكة بالتحريض ضدّ الشيعة في إيران وفي العراق وفي لبنان وفي اليمن، من البديهي أن يتأثر سكان المملكة بهذه التعبئة وتصبح نظرتهم إلى مواطنيهم من الطائفة الشيعية قائمة على الكره والعداء، وبالتالي إنتاج ظواهر مثل ظاهرة استهداف الموطنين الشيعة وهم يحيون ليالي عاشوراء.

ثاني هذه الدلالات، أنّ حكومة المملكة السعودية وأجهزتها الأمنية فشلت في توفير الحماية للمواطنين وتأمين حرية إحياء شعائرهم الدينية، وبديهي أنّ هذا تطوّراً سيكون له تأثير سلبي كبير، لا سيما إذا تكرّرت الهجمات ذات الخلفية المذهبية، لقد كان ردّ فعل الحكومة السعودية جيداً لجهة السرعة في إلقاء القبض على المجرمين، وتجنيد الإعلام لاستنكار هذه الجريمة، والحرص على الوحدة الوطنية، وتخطي النعرات المذهبية، ولكن ذلك يظلّ غير مفهوم وغير مؤثر إذا استمرّ الإعلام السعودي في التعبئة المذهبية في الساحات الأخرى مثل اليمن والعراق ولبنان.

ثالث هذه الدلالات، أنّ السعودية مقبلة على موجة من العنف الإرهابي، الأرجح أنها ستكون أكثر اتساعاً وأكثر قوة من موجات العقدين السابقين، لأنّ عدد الإرهابيين السعوديين المنخرطين في القتال في اليمن وفي العراق وهما دولتان مجاورتان للسعودية فاق أعداد السعوديين الذين قاتلوا في أفغانستان والبوسنة وكوسوفو، وهذه البلدان بعيدة عن السعودية، أيّ أنّ سهولة انتقال الإرهابيين من اليمن ومن العراق تجعل من الصعب على السلطات السعودية ضبط حدود تصل إلى حوالي 3 آلاف كيلو متر.

ما ينتظر السعودية في ضوء كلّ ما تقدّم مزيد من الإرهاب وربما مزيد من الاضطرابات.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى