مقالات مختارة

عقباتٌ كأداء في ولوج الحل … ونوافذُ أملٍ ضيّقة . حسن شقير

 

منذ أن تشكلت القناعات الدولية ، بأن الأزمة والحرب في سوريا ، لا يمكن لها أن تسلك طريق الحل النهائي لها ، عن طريق الحسم العسكري لأي طرف من الأطراف الداخلة فيها ، وخصوصاً بعد أن بانت ، بأنها حربٌ عالمية في سوريا وعليها .. فما كان لهذه القناعات ، إلا ّ أن أضحت شبه راسخة ، بأن ولوج هذا الحل ، لن يكون ، إلا ّ من بابه السياسي العريض ، طال الزمان للوصول إلى ذلك أو قصُر …. فالأمر سيان .
لم تكن هذه القناعة المشتركة لهؤلاء الأضداد والمتحاربين أن تتشكل ، لولا انعكاس الصورة الميدانية ، على نظيرتها السياسية ، بحيث ساهمت الأولى في تشكل الثانية …. وذلك بفعل عوامل متعددة ، لا داعي لإعادة تكرارها من جديد .
لأنها أضحت معروفة لدى الجميع ..
مع كل محطة من محطات الميدان السوري ، ومن حين لأخر ، تطفو على السطح السياسي العام ، مجموعة من الأفكار والمبادرات السياسية ، التي تعمل على تحريك الركود والرتابة السياسية التي تصيب بعض المعنيين بهذه الأزمة ، سواء أكانوا من الجادين في السعي الحثيث لبلوغ الحل السياسي المنشود فيها، أو حتى عند أولئك الداعين لذلك في العلن ، والساعين لخلافه في السر … بحيث تبقى أمريكا ومعظم دول التحالف معها ، في مقدمة هؤلاء .. 
لا تبتعد عن ذلك ، ما سمي بخطة التحرك لدى المبعوث الدولي إلى سوريا ، ستيفان دي مستورا ، ولا الأفكار الروسية الأخيرة في إمكانية عقد ما سمي بمؤتمر موسكو ١ ، ما بين الحكومة السورية ، وأطياف موسعة من المعارضة السورية من الداخل والخارج ، وصولا ً إلى طرح روسيا بإمكانية تكوين مجموعة دولية جديدة ، تحت مسمى ” أصدقاء دي مستورا ” ، وذلك من الآطراف الدولية الواقفة من هذه الأزمة ، على طرفي نقيض ، من روسيا وأمريكا ، والسعودية وكذا إيران ، إلى غيرهم من الدول الأخرى ، والمعنية بالشأن السوري .
ولكن على الرغم من كل هذا الحراك ، ولعله ليس من باب التشاؤم ، إنما من باب الواقعية السياسية ، وبناء على التقدير السياسي الذي نعتقده ، فيما خص الأزمة السورية ، ومدى ارتباطها الوثيق بباقي أزمات المنطقة ، وكذا بباقي الصراعت الدولية الأخرى ، وخصوصاً في إطار المخاض الذي نعيشه اليوم في رسم خارطة التحالفات ومراكز النفوذ العالمية ، والتي لم تكتمل صورتها بعد … فإننا نرى أن هناك العديد العديد من الموانع الحقيقة ، والعقبات الكأداء، والتي تمنع في الظروف الحالية أن تجعل أمريكا ومعها الكيان الصهيوني ، ومعظم دول التحالف الجديد، على السماح لتلك الحرب الهوجاء أن تضع أوزارها ، وتدخل فعلياً في رحلة البحث عن الحل السياسي الحقيقي فيها ، وذلك بعيداً عن أية مكائد ومراهنات زمنية على أحداث يُؤمِّل منها أصحابها بأن تقلب الميمنة فيها على الميسرة في تلك الأزمة ….. فما هي تلك الموانع والعقبات ؟ وذلك بحسب رؤيتنا الخاصة …. 
عقبات المصالح
أولى هذه العقبات وأهمها ، هي عقبات المصالح المتضادة ، فلناحية أمريكا والكيان الصهيوني ، فمن الأكيد أن مصالحهما السياسية والإقتصادية وكذا الأمنية ، تتعارض وبشدة في هذه المرحلة بالذات ، من السماح لهذه الحرب على سوريا أن تبدأ بالوصول إلى خواتيمها … فالبنسبة لأمريكا ، وطموحها المتجدد في إبقاء من هم تحت كنفها السياسي في المنطقة من دول وتيارات .. على ما هم عليه الآن ، لا بل تسعى هذه الامبراطورية ، في جعل نفسها المنقذ الوحيد فيما تتخبطه المنطقة من مس أصابها بفعل الإرهاب الذي تفشى في ثناياها ، سواء في المشرق العربي ، وصولا ً إلى المغرب العربي وشمال أفريقيا ، بحيث شكّل الإرهاب الُمبايع في هذه الدول ، للخلافة الأم في كل من العراق وسوريا ، أفضل استثمار أمريكي في لعب دور المنقذ الوحيد في العالم لكل هؤلاء منه ، ووحدها القادرة على تخليصهم من شروره المستطيرة … وبالتالي فإن ذلك يستدعي بالضرورة ارتهان هذه الدول سياسياً واقتصادياً ، وكذا أمنياً لهذا المنقذ ، والذي أعاد الإرهاب تعويمه عند هؤلاء ، بعد أن كادوا يعتقدون أنه – أي هذا المنقذ – قد شاخ وشارف على الغرق …
أما الكيان الصهيوني ، فلا داعي للتفصيل في الإستدلال على أنه يتبنى ويتمنى سرمدية الأزمة والحرب في سوريا ، لا بل أن قادته ، يعيشون اليوم – وبفضل الحرب السورية – أسعد أيامهم ، على حد وصفهم ، نظراً لما استجلبته تلك الحرب لهم من شعور بالآمن ، ولذة في استنزاف ” أعدائهم ” … فضلا ً عن أن فلسطين – بوصلة الأمة – قد جرفتها تلك الأزمة ، وأبعدتها عنها ، وذلك عند الكثير من شرائحها الشعبية العريضة ، ومع الأسف الشديد !
إذا ، فلا أمريكا ، ولا الكيان الصهيوني ، في هذه المرحلة من عمر الحرب على سوريا ، هما على استعداد للسير بخلاف مصالحهما ، طالما أن البدائل ، وكما تبدو لغاية اليوم ، أقل بكثير مما سيجنيه هؤلاء.
ليست تركيا ، ولا السعودية ومعهما معظم دول ما يُسمى بالتحالف ضد الإرهاب ، هي مستعجلةٌ على ولوج تسوية لهذه الأزمة ، والتي ستجعل من هؤلاء جميعاً ، خاسرون في مرحلتي عمر الصراع ( الحرب والتسوية المأمولة ) ، سواء في السياسة والإقتصاد على حد سواء… 
عقبات النفوذ
ليست عقبات المصالح ، هي وحدها التي تقف في طريق ولوج الحل السياسي للأزمة السورية ، إنما تتخطاها إلى أوسع من ذلك ، وإلى ما يمكن تسميته بعقبات النفوذ ، وذلك في إطار المخاض العام الذي يعيشه العالم اليوم ، في إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد ، والذي تصر فيه روسيا والصين وإيران ، على دفن سلفه القطبي الأحادي ، وتوقهم إلى نظام عالمي جديد قائم على التعددية ، والتي تلحظ إمكاناتهم الذاتية ، وطموحاتهم التي يفترضونها … وذلك في الوقت عينه الذي ترفض فيه أمريكا بالتسليم بذلك ، لا بل أنها تعتقد من خلال ما أثارته من أزمات في العالم ، من الشرق الأوسط إلى أفريقيا ، وصولا ً إلى أوكرانيا ، وغيرها في بعض المناطق … من أنها قادرة ، ليس فقط على إبقاء هيمنتها الأحادية في هذا النظام ، لا بل أنها في مرحلة تجعل من نفسها حاجة ضرورية ملحة لدى باقي دول العالم ، وأن هذه الحروب والأزمات والعقوبات التي تفرضها على من ينازعها الزعامة الدولية ، لهي دليلٌ حي أمامهم على دقة تشخيصها وتوصيفها الذاتي ، وذلك فيما تدعيه من قوة لا تُضاهى في العالم !!!
الحراك الروسي – الصيني ، وكذا الإيراني ، في العالم اليوم ، لا يشي بأن المسار لدى هؤلاء ، يقبع في طور التسليم ” بالقدر الأمريكي الأحادي ” ، بل هو يُشير إلى مسار تصادمي معه ، وخصوصاً في أماكن النفوذ المتنازع عليها .. وسوريا بالتأكيد تقبع في قلبها ..
نوافذ الأمل..والممكن
في ظل هذا الظلام الدامس لأفق نضوج الحل في سوريا … هل من نوافذ أمل ، قد تُسرّع الوصول إليه ؟ ربما يعتقد البعض أن ولوج عتبة الإتفاق النووي ما بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد ، و المأمول حصوله قبيل الرابع والعشرين من الشهر الحالي ، قد يفتح نافذة الحل على العقد المستعصية في المنطقة … وفي مقدمتها الأزمة في سوريا … وهذا تقديرٌ معقول ، إلا ّ أن العراقيل والأفخاخ السياسية وكذا الإقتصادية التي تحاول قضم المأمول الإيراني من مرحلة الرفع الجزئي للعقوبات المفروضة على إيران ، والتي تنصب اليوم من قبل أمريكا وبعض من حلفائها في المنطقة ، لا تُبشّر بوصول هؤلاء إلى مرحلة التوقف عن النفث في بوق الأزمات في المنطقة … وخصوصاً أن هذه الأفخاخ والعراقيل تلبي الرغبات الصهيونية في إبقاء سيف العقوبات مصلتاً على الجمهورية الإسلامية ، وحرمان شعبها ، وكذا قوى الممانعة والمقاومة المرتبطة بها من بركات ثمار ذاك الرفع المأمول لتلك العقوبات ، بحيث أن هذه الأخيرة ، ومسار توجيهها ، كانت حتى الأمس القريب محط خلاف ما بين أوباما ونتنياهو ، والذي ظهر في مؤتمر سابان الأخير في واشنطن …
هل من نوافذ أخرى يمكن التعويل عليها في إمكانية خروج سوريا من عنق زجاجة الأزمة والحرب عليها ؟ نعم ، إنه الإرهاب ، الذي ساعدت أمريكا ومعظم حلفائها من الغرب والعرب في بثه ونفثه في المنطقة … وذلك إذا ما تفلّت هذا الإرهاب من عقاله ، وامتلك أخرون ريموتاتٍ لإدارة بعض أجزائه ، وتوجيهه نحو مناطق ، تشكل ضرراً فعلياً بمصالح أمريكا والكيان الصهيوني معها .. وكذا بملحقاتهم من بعض العرب … مما قد يدفع هؤلاء جميعاً إلى البحث الجدي ساعتئذٍ ، في كيفية محاربته والتصدي له ، كونه قد ارتد ، أو هو يكاد يفعل ذلك ….
ثمة نافذة أمل مستبعدة بشكل تام ، ألا وهي نافذة التسويات والتعهدات ، والتي هي بقدر ما هو ممنوع الإقتراب منها من قبل إيران ومحور الممانعة معها ، بقدر ما هي مرغوبة ومشتهاة من قبل أمريكا والكيان الصهيوني ، كونها تحقق لهذا الأخير استرخاءٌ يبحث عنه منذ ما يزيد عن الستين عاماً من عمر هذا الكيان ، ألا وهي نافذة الحفاظ على أمنه والتعهد به … الأمر الذي رفضته إيران الثورة والمساومة عليه ، وذلك منذ نعومة أظافرها ، فكيف بها اليوم ، وقد اشتد وغلظ عودها …. فالأمر محال .
بكلمة واحدة ، ربما يتطور طرح دي مستورا الأخير ، بعد إدخال التعديلات عليه ، ونزع الألغام من بين جنباته ، إلى طرحٍ ، تُبنى عليه أفكار ومؤتمرات ، تجعل من استراحة المحارب ، عنواناً ، قد يكون مقبولا من جميع الأطراف في المرحلة القادمة من عمر الصراع في سوريا وعليها ، وعلى المنطقة والعالم من خلالها أيضاً .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى