مقالات مختارة

السياسة ستختبر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ديفيد ماكوفسكي

 

 

في الأسابيع المقبلة ستحدث عدد من التطورات الداخلية والخارجية التي ستؤثر على السياسة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، التي يحتمل أن يَختبر فيها كلّ تطوّر العلاقة الثنائية المتوترة بالفعل. وإحدى التواريخ المهمة هو الرابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الذي تنتهي فيه مهلة المفاوضات حول برنامج إيران النووي. وقد صرّح الرئيس الأمريكي باراك أوباما علناً أنّ هناك “فجوة كبيرة” بين الطرفين، مما يجعل احتمالات تحقيق انفراجة أمراً غير واضح، علماً بأن مبعوثين رفيعي المستوى من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإيران قد أكملوا يومين من المحادثات في عُمان في محاولة للتوصل إلى مثل هذه الانفراجة. وإذا ما تمّ التوصل إلى اتفاق معيّن لكن أحكامه لن تروق لإسرائيل، قد تُستَأنف الحرب الكلامية بين إسرائيل وواشنطن حول هذه القضية الحساسة جداً .

وقد أجج الخطاب الذي ألقاه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في نهاية الأسبوع المنصرم من الوضع الراهن، حيث كان قد وضح فيه بالتفصيل خطّةً للقضاء على دولة إسرائيل. وبالإضافة إلى ذلك، أعلن لتوّه السناتور ليندسي غراهام (جمهوري من ولاية “ساوث كارولاينا”)، الذي كان يعبّر عن شكوكه حول المفاوضات، أنّ الكونغرس الأمريكي سيسعى إلى مراجعة أحكام أي اتفاقية تُبرم مع طهران. ويأتي هذا الإعلان في أعقاب الانتخابات النصفية التي فاز فيها الحزب الجمهوري بحصوله على الأغلبية في مجلس الشيوخ، وبعد فترة وجيزة من تعقيب إدارة أوباما بأنها تمتلك السلطة لتعليق بعض العقوبات المفروضة على إيران إذا ما حصل أي تقدّم مهم في المفاوضات.

وفي غضون ذلك، اندلعت أحداث عنيفة في القدس الشرقية وأماكن أخرى. ففي نهاية الأسبوع المنصرم قتلت الشرطة الإسرائيلية رجل عربي في قرية كفر كنا في الجليل في ظلّ ظروف مثيرة للجدل. وفي العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر توفي جندي إسرائيلي جراء تعرضه للطعن في جنوب تل أبيب. وعلى خلاف فورات العنف والإرهاب السابقة، مثل الانتفاضة الفسطينية الثانية في الفترة 2000- 2004، لم تُنسَب الأحداث الأخيرة إلى أي جماعة. ففي القدس، تسبب فلسطينيون من المدينة نفسها بالأحداث. بيد انتشرت اتهامات في وسائل الإعلام على نطاق واسع تشير إلى أنّ الفرع الشمالي لـ “الحركة الإسلامية” الذي مقرّه في إسرائيل، يدفع ما بين 1,500 و4,000 شيكل شهرياً للعرب الإسرائيليين ليرموا الحجارة على السلطات الإسرائيلية والسياح في جبل الهيكل/الحرم الشريف، بينما يتهم بعض الإسرائيليين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بتأجيج التوترات في هذا الموقع المقدس. كما وجّه فلسطينيون اللوم ذاته إلى النواب الإسرائيليين ذوي التوجهات اليمينية مثل موشيه فيجلين، متهمين إياهم بزيارة الموقع لأغراض سياسية محضة. ويعارض الفلسطينيون فكرة أداء الصلاة اليهودية في هذا الموقع؛ وحتى أن بعضهم يقول إنّ الهدف من ذلك هو تخريب مسجد قبة الصخرة في حين يعتبر الإسرائيليون أن مثل هذا الكلام ليس إلا تحريضاً لا أساس له.

وفي خضمّ هذه التطورات المتقلّبة، قامت اللجنة المركزية لحزب الليكود مؤخراً بتحديد موعد انتخاباتها التمهيدية في 6 كانون الثاني/يناير. وفي حين يسود اعتقاد واسع النطاق بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيحافظ على سيطرته على الحزب، يميل نتنياهو أكثر إلى اليمين خلال موسم الانتخابات التمهيدية، على الأقل علناً، إن لم يكن بالفعل. ودافع نتنياهو في اجتماع اللجنة الذي عُقد في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر عن قدرته على مقاومة الضغوط الدولية مهما كان نوعها، مشيراً إلى إيران والقضية الفلسطينية على وجه التحديد. إنّ اعتماد نتنياهو نبرة صارمة، بالإضافة إلى التقارير الأخيرة حول تعليقات شخصية مهينة أطلقها مسؤولون أمريكيون لم يُذكر اسمهم، قد تؤدي إلى زيادة التوترات في العلاقة الثنائية في الفترة التي تسبق الانتخابات التمهيدية.

وهناك بعض الإشكاليات التي قد تطرحها الحسابات السياسية الداخلية الأمريكية أيضاً. ففي حين لن تكون القضية الإسرائيلية الفلسطينية على الأرجح بين أولويات الرئيس الأمريكي نظراً إلى العدد الكبير من التحديات السياسية الأخرى، إلا أن فوز الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية الأخيرة قد يدفع بالرئيس أوباما إلى الاعتقاد أنّ قدرته على التأثير على التشريعات الداخلية باتت محدودة. وعلى هذا النحو، قد تروق له فكرة التركيز بشكل أكبر على السياسات الخارجية حيث عادة ما يتمتّع الفرع التنفيذي للسلطة بحرية تصرف أكبر. وبما أنّ الرئيس الأمريكي قد واجه للتو آخر انتخابات للكونغرس من تلك الثلاث التي تشهدها ولايته الرئاسية، يخشى الإسرائيليون أنه قد يميل أكثر إلى الضغط عليهم حالياً إذ خفّ ثقل القضايا السياسية الداخلية عليه.

الصدع المستمر بشأن ايران

إن الخلافات بين واشنطن إسرائيل حول إيران معروفة جيداً. ففي ما يتعلّق بالبرنامج النووي، عارضت إسرائيل تاريخياً السماح لطهران بالحفاظ على أي قدرة على تخصيب الوقود النووي، في حين أن إدارة أوباما مستعدة للتنازل عن حقوق تخصيب محدودة. وقد انزعجت إسرائيل أيضاً لأنها لم تكن على علم بافتتاح قناة مفاوضات سرية بين الولايات المتحدة وإيران في عام 2012، وهناك تقارير متضاربة حول ما إذا كان الرئيس أوباما قد أعلم إسرائيل حول رسالته السرية التي وجهها إلى آية الله خامنئي في منتصف تشرين الأول/أكتوبر، والتي ظهرت في الإعلام علناً في الأسبوع الماضي. ووفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال”، تحدثت الرسالة عن تسهيل التعاون الأمريكي الإيراني حول مسألة إقليمية ملحة أخرى، وهي الجهاد الذي أعلنه تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)، في حال التوصل إلى انفراجة في المفاوضات النووية قبل 24 تشرين الثاني/نوفمبر. وقد نفى الرئيس الأمريكي أي صلة بين هاتين القضيتين.

ولم يخشَ نتنياهو في اجتماع قعدته الحكومة الإسرائيلية في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر، أن يعبر عن رأيه قائلاً في بيانٍ خطي وزّعه مكتبه إنّ “المجتمع الدولي يواجه الآن خياراً سهلاً، إما الإذعان لمطالب إيران في خطوة استسلام لا تعرّض فقط إسرائيل للخطر بل العالم بأجمعه، وإما الدفاع بشدّة عن المطالبة بنزع إيران من قدراتها على إنتاج أسلحة نووية”. وأضاف “إنّ إسرائيل لن تقبل بالاستسلام لأنه خطر علينا جميعاً”. وجاءت تصريحاته بعد فترة وجيزة من إصدار خامنئي بيانٍ مليء بالتحدي كاد على وشك الدعوة إلى حرب شاملة ضدّ إسرائيل، حثّ فيه الفلسطينيين علناً على استخدام القوة في الضفة الغربية. ودعا المرشد الأعلى أيضاً إلى إجراء استفتاء حول مسألة وجود إسرائيل، لا يُسمح فيه لأغلب الإسرائيليين في التصويت.

ومن غير الواضح في واشنطن إذا كانت نتائج الانتخابات النصفية تمنح إدارة أوباما المزيد من النفوذ في التعامل مع إيران. فإذا سعت طهران إلى تعليق بعض العقوبات مقابل إحداث انفراجة، قد لا تملك الكثير من الوقت لتحقيق ذلك بمجرد تولي الكونغرس الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري مهامه في كانون الثاني/يناير. أما في حال غياب أي اتفاق، فقد يستطيع الكونغرس الجديد أن يزيد من العقوبات. ونظراً للتوترات المستمرة حول هذه القضايا، من المرجح أن تعتقد الإدارة الأمريكية أن إسرائيل قد تحاول إقناع الكونغرس بتعقيد عملية تعليق العقوبات في حال حدوث انفراجة في المفاوضات مع طهران.

الليكود يغير اتجاهه أكثر نحو اليمين؟

عبّر نتنياهو بشكلٍ مستمر عن شكوكه حول إبرام صفقة مع إيران، غير أنّ المنافسة القادمة على قيادة حزب الليكود ستوفر خلفية أخرى للسياسة الإسرائيلية حول الملف النووي. إنّ وجهة النظر السائدة في إسرائيل هي أنه سيتم الدعوة إلى عقد انتخابات جديدة في عام 2015، وبما أنّ 26 حكومة من بين الحكومات الـ 32 السابقة التي شهدتها البلاد لم تصمد ثلاث سنوات، من المرجح أن تتبع حكومة نتنياهو هذا المسار، علماً أنها جاءت الى السلطة في مطلع عام 2013.

ويتأجج هذا النمط السياسي المضطرب بسبب عناصر أخرى أيضاً. فهناك خطوط صدع كبيرة أخذت تظهرفي صفوف إئتلاف نتنياهو، وقد أصبحت هذه الانشقاقات أكثر وضوحاً في ظل غياب مفاوضات مع الفلسطينيين مقارنة بما كانت عليه خطوط الصدع خلال المحادثات الأخيرة. وقد أمسى شركاء نتنياهو الأقل مستوى في إئتلافه – بزعامة وزير المالية يائير لبيد (حزب “ييش عتيد”) ووزيرة العدل تسيبي ليفني (“هتنوعا”) – أكثر تعبيراً عن مسألة مستوطنات الضفة الغربية، كما أن وزير الدفاع السابق عمير بيرتس (“هتنوعا”) انسحب من الائتلاف هذا الأسبوع احتجاجاً على عدم إحراز تقدم.

وقد سارعت الانتخابات المتوقعة من تطبيق البرنامج السياسي لحزب الليكود، الأمر الذي دفع نتنياهو إلى استخدام آخر اجتماع للجنة المركزية للدفاع عن آرائه بشكل حاد. وفي مستهلّ الموسم السياسي، دعا نتنياهو الإسرائيليين العرب أيضاً إلى الالتزام بالقانون، حتى أنه قال للمرة الأولى إنه يفضّل سحب جنسية من يشارك في أعمال إرهابية. بالإضافة إلى ذلك، أنه اتهم محمود عباس بالتحريض على الإرهاب، على الرغم من إقراره في الماضي بأن زعيم السلطة الفلسطينية يفضّل اتباع وسائل غير عنيفة.

وقد يتساءل المرء عن السبب الذي يجعل زعيم حزب الليكود يميل بصورة أكثر إلى اليمين إن كان منافسه الوحيد على ما يبدو هو موشيه فيجلين صاحب التوجهات اليمينية المتطرفة في الحزب. بيد أن شخصية نتنياهو التي تتجنب المخاطر تعني أنه لا يجازف، وهذا هو السبب الذي دفعه على وجه التحديد إلى خوض انتخابات تمهيدية مبكرة. ويبدو أن حساباته تستند على ثلاثة اعتبارات. أولاً، يدرك نتنياهو عدم قيام أي عضو في الكتلة البرلمانية ذات المقاعد الثلاثين التي يتمتع بها حزب الليكود بدعم دعوته إلى تطبيق حلّ الدولتين مع الفلسطينيين. ثانياً، إنّ بعض السياسيين اليمينيين غير راضين عن عدم قيام نتنياهو بإعطاء الأوامر لقوات “جيش الدفاع الإسرائيلي” بالسيطرة على قطاع غزّة وهزيمة «حماس» في الحرب الأخيرة. وثالثاً، على الرغم من الشعبية التي تمتع بها نتنياهو في ذروة القتال، إلا أن حزب “البيت اليهودي” ذو التوجهات السياسية التي تقع على يمين الليكود، برئاسة وزير الاقتصاد نفتالي بينيت، كان الحزب الأقوى في استطلاعات الرأي التي جرت بعد وقف إطلاق النار في آب/أغسطس.

الخاتمة

نظراً لهذه التطورات الوشيكة، يبدو من الضروري أن تتوصل إدارة أوباما وإسرائيل إلى أسلوب عمل أكثر سلاسة، حتى لو لن يبني الزعيمان بتاتاً علاقة وثيقة. وكانت التقارير قد ذكرت أنّ بعثة إسرائيلية زارت البيت الأبيض في وقت سابق من هذا الشهر لمناقشة المفاوضات الجارية مع إيران. يجب على الحكومتين متابعة هذه المناقشات عبر تحديد نقاط خلافاتهما المفاهيمية والنصية حول المحادثات الإيرانية وتحديد أي من الفجوات يمكن بناء الجسور فوقها قبل 24 تشرين الثاني/نوفمبر. وقد يتطلب ذلك قيام الولايات المتحدة ببعث رسالة تُطمئن إسرائيل حول القضايا الأساسية التي لا يمكن التطرق إليها في نصّ الصفقة النووية مع إيران. وعلى كل حال، قد يكون الانتظار إلى ما بعد 24 تشرين الثاني/نوفمبر متأخراً جداً.

معهد واشنطن

ديفيد ماكوفسكي هو مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن. وقد اختتم مؤخراً مهمة دامت عشرة أشهر كمستشار بارز في فريق السلام برئاسة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى