مقالات مختارة

«صيانة» العلاقة بين حزب الله والجنرال : خصوصيّة بري وحوار المستقبل: ابراهيم ناصرالدين

 

ليس كلاما عابرا ما قاله رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» الجنرال ميشال عون بان ما يجمعه مع حزب الله أمتن من ان يفرقه التمديد. وليس كلاما استهلاكيا قوله ان من يظن انني سأصبح ضد المقاومة فهو واهم ولا يعرفني جيدا، وقد اصبحنا اليوم في مرحلة تكامل الوجود لاننا نواجه معا خطرا تكفيريا». هذا الكلام «الرسالة» الذي لم «تهضمه» سفارات دول عربية وغربية، لم يمر مرور الكرام عند الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، العارف جيدا بابعاد ومعاني هذا الموقف، ولذلك كانت زيارة وفد حزب الله الى الرابية ذات دلالات اخلاقية في الدرجة الاولى رغم حضور الابعاد السياسية.

ووفقا لاوساط سياسية متابعة لملف العلاقة الثنائية بين حزب الله والتيار الوطني الحر، فان كلام «الجنرال» الاخير حول طبيعة العلاقة مع الحزب وجدت صدى كبيرا «وطيبا» لدى السيد نصرالله الذي لم يقبل الا رد التحية باحسن منها، ولان «المجاملات» البعيدة عن الاضواء ليست كافية لاعطاء الموقف حجمه الذي يستحق، تقررت الزيارة الى الرابية بهدف تظهير حجم التقدير لدى قيادة وجمهور حزب الله لمواقف الجنرال الاستراتيجية. ولكن هل خلفية الزيارة ترتبط بهذا المعطى فقط؟

بالطبع كلا تجيب الاوساط، فالزيارة في توقيتها جاءت لقطع الطريق امام حملة «البروباغندا» الاعلامية والسياسية التي عملت على تأويل اسباب تبني السيد نصرالله علنا ترشيح العماد عون الى الرئاسة، هذه الحملة التي اطلقتها «ابواق» قوى 14 آذار الاعلامية والسياسية، «دغدغت» مشاعر بعض «العونيين» الذين صدق بعضهم مقولة تبني اسم «الجنرال» للمساومة عليه، وجاء هؤلاء للوم قيادة الحزب على التوقيت السيىء لهذا الاعلان، وخرج من يقول «للجنرال» ان حسابات «حزب الله» تختلف عن حساباتك فموقفكما لم يكن واحداً لا عند التمديد الاول لمجلس النواب ولا عند التمديد الثاني، ولا حتى عند التجديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، وما هي الضمانة ان يستمر على موقفه من الانتخابات الرئاسية اذا صار اتفاق على مرشح توافقي للرئاسة الاولى؟ وماذا لو ان ايران قررت التفاهم مع الغرب والسعودية على رئيس تسوية، فهل سيبقى حزب الله على موقفه؟ وقد زادت «الوشوشات» حول اذن الجنرال بعد كلام الرئيس نبيه بري خلال «لقاء الاربعاء النيابي» عن مؤشرات خارجية حول ملف الرئاسة. فطرح بعض المقربين على الجنرال اسئلة «خبيثة» حول مدى علمه بهذه الاجواء، وثمة من سأله عما اذا كان حزب الله قد اطلعه على تلك المعلومات، فبرأيهم اذا كان بري مطلعا على هذه التحركات فهذا يعني ان الحزب على علم، فاذا لماذا لم يخبرك بها؟ الا يعني هذا الامر ان ثمة «قطبة مخفية» يجري العمل عليها وراء «الكواليس» وستكون على حسابك؟

ولأن «العيار الذي لا يصيب يدوش»، قرر الحزب الا يدع الامور في مهب التأويلات تقول الاوساط، فكان جزء من الزيارة للتأكيد على ان هذا الملف لا يزال في الرابية، ولم ولن يخرج منها، وان المجاهرة بالتسمية لم تكن الا تعبيرا صادقا عن قرار متخذ عن قناعة استراتيجية لا تخضع لاي مساومات اقليمية او محلية. ووفقا لتك الاوساط، فان كل هذه «الترهات» لا مكان لها على أرض الواقع، فحزب الله لا يملك اي معلومة تفيد بوجود حراك اقليمي ودولي جاد باتجاه حسم الملف الرئاسي، وكلام الرئيس بري عن هذا التحرك غير مسند الى وقائع وانما الى توظيف سياسي لكلام بعض السفراء في محاولة لامتصاص نقمة الكاردينال الراعي وكتلة التغيير والاصلاح على مسألة التمديد للمجلس النيابي، وبما ان الحزب لاعب رئيسي على الساحة اللبنانية بحيث لا يمكن تمرير ملف بهذا الحجم دون فتح باب النقاش معه، فانه من المحسوم ان لا تقدم يذكر في الاستحقاق الرئاسي ولا كلام جدي بين الدول المؤثرة في هذا الملف حتى الان لانه لم يتبلغ عكس ذلك. أما الكلام عن احتمال تعرض الحزب لضغوط ايرانية في الملف الرئاسي للتأثير على خياراته، فهذا «كلام» يقوله البعض عن «خبث» وليس عن جهل، لان الجميع يدرك ان هذا الملف وسواه هو «بين يدي» السيد نصرالله والقرار في حارة حريك وليس في طهران.

وليس الحزب وحده يعرف ان هذه المراوحة الرئاسية مستمرة بحسب الاوساط، فهذا ما لمسه ايضا البطريرك الراعي بعد لقائه السفير الاميركي في بيروت ديفيد هيل، وقد تبين له ان واشنطن لا تلعب اي دور جدي من اجل تأمين انتخاب رئيس للجمهورية في «اقرب وقت ممكن». وكل ما قدمه هيل هو وعد بالسعي الى تحقيق هذا الطلب، من خلال تنشيط اتصالاته مع عدد من الشخصيات اللبنانية مع ابلاغه ان يؤيد ما يدعو اليه من انتخاب رئيس للبلاد اليوم قبل غد، لكن دون ان يقدم اي وعود برفع مستوى الاتصال مع اداراته، ودون ان يقدم اي معطيات جدية تفيد بان بلاده تضع هذا الملف على «طاولة» المفاوضات مع ايران او غيرها من دول المنطقة المؤثرة على الساحة اللبنانية. ومن هنا فان ما يقوم به الراعي ليس الا «لعب» في الوقت الضائع، وسبق ان تبلغ من باريس وواشنطن ان ما بذلاه من مساع في هذا الاتجاه كانت دون اي جدوى. اذا يبقى السؤال لماذا اذا اختار السيد نصرالله المجاهرة بترشيح عون الان؟

مسألة التوقيت لم تكن قرارا»اعتباطيا»، وبحسب تلك الاوساط جاء الاعلان بعد دراسة معمقة، قرر بعدها السيد نصرالله المجاهرة بالاسم دون تردد، فعندما وضع «خارطة طريق» خطابه قبل ساعات من ليلة العاشر من محرم، كان الجزء الخاص بمبادرة «اليد الممدودة» الى تيار المستقبل قد حسم، وتم انتقاء الكلمات والمدخلية والخلاصات بدقة متناهية كي تفهم «الرسالة» على حقيقتها، وهنا لم يكن بالامكان اغفال طبيعة العلاقة مع «الجنرال»، ولم يكن بالامكان الاعلان عن استعداد الحزب لفتح «ابواب» التواصل مع «التيار الازرق» دون التاكيد على انها لن تكون على حساب «الرابية»، فكان القرار بان يكون المدخل الى الحوار من «بوابة» حسم الجزء المرتبط بالرئاسة الاولى، فلو تجاوز السيد نصرالله في خطابه التأكيد على القرار الرئاسي الحاسم، لكان فتح باب الاجتهادات على مصراعيه، وكان الطرف الاخر سيفهم بشكل خاطىء ان الحزب مستعد للمساومة على هذا الملف مقابل ملفات أخرى جرى حسمها مسبقا، لجهة القتال في سوريا، اوالحرب على الارهاب، ومسألة التمديد للمجلس النيابي، ولذلك كان السيد نصرالله حريصا على ايصال «رسالة» مفادها ان اي حوار مع تيار المستقبل لن يكون على حساب العلاقات مع التيار الوطني الحر، ومن لم يدرك ان زمن «الحلف الرباعي» قد ولى عليه ان يعرف انه «مات» «ودفن» واصبحت «عظامه مكاحل».

في المحصلة جرى خلال الساعات الماضية اجراء «المعاينة الزامية» للعلاقة وفي النتائج ان «السباق الرئاسي» ما يزال عند «نقطة البداية» بمتسابق واحد يمثل قوى 8 آذار مجتمعة، كذلك تم «شدشدة» «قواعد اللعبة» السائدة بين الطرفين ، فالحديث عن «التكامل» «والجسد الواحد» تقول الاوساط، لا يعني مطلقا الغاء التمايزات في القضايا الداخلية، فالخلافات «التكتيكية» ستبقى، واذا كان الحزب يتفهم جيدا «المعارك» الجانبية التي يخوضها التيار الوطني الحر في الشارع المسيحي في ظل التنافس «الازلي» مع القوات اللبنانية، فان ما يردده الحزب مرارا وتكرارا على مسامع «الجنرال»، وجوب مراعاة وفهم خصوصية العلاقة مع الرئيس بري، غير القابلة «للمساومة»، واذا كانت اي علاقة مستقبلية مع تيار المستقبل جزء مكمل لما بني مع «الجنرال»، فان نصيحة الحزب «الازلية» لعون، لا تهدم «جسور» التواصل مع رئيس مجلس النواب.

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى