مقالات مختارة

أوهام “الأزمة” بين أمريكا والكيان د . فايز رشيد

 

البعض من سياسيينا وكتّابنا الفلسطينيين والعرب على حدّ سواء: يراهنون على سراب صحراوي، يحسبونه ماء، فإن أتوه، يجدونه شيئاً آخر هؤلاء يتحدثون عن أزمة أمريكية – “إسرائيلية” السبب من وجهة نظرهم، الاستيطان في القدس والضفة الغربية، دليلهم، اعتذار أوباما وكيري ومستشارته للأمن القومي عن مقابلة وزير الحرب الصهيوني موشيه يعالون، أثناء زيارته الأخيرة إلى واشنطن!

المسؤولون الأمريكيون من خلال الناطقين الإعلاميين باسمهم، أوضحوا السبب في عدم مقابلة يعالون والمتمثل في ارتباطاتهم بمواعيد محددة مسبقاً . للعلم، في نفس الزيارة وقع يعالون مع تشاك هاغل وزير الدفاع الأمريكي صفقة شراء “إسرائيل” لدفعة جديدة من الطائرات الأمريكية الحديثة، التي لا يجري تصديرها سوى لدول الناتو: (25 طائرة من طراز إف 35)، هذه الطائرات وفقاً للخبراء العسكريين: تضمن تفوقاً جوياً للكيان في عموم المنطقة ولسنوات طوال مقبلة . “إسرائيل” كانت قد اشترت منها سابقاً .

بداية، من الضروري القول إن العلاقات الأمريكية- “الإسرائيلية” على درجة من التحالف الاستراتيجي الذي يقع خارج إطار دخوله مرحلة الأزمة المؤثرة فعلياً في العلاقة بين الطرفين، وهي خارج إطار التدخل الفعلي من قبل أي إدارة أمريكية والتسبب في عوامل أي أزمة . قد تختلف البصمات التي يتركها هذا الرئيس الأمريكي أو ذاك على العلاقة، لكن أسسها التحالفية سائدة في مجرى عام عنوانه: التأييد الفعلي المطلق دون قيدٍ أو شرط من أي إدارة أمريكية أو أي رئيس أمريكي للحليفة “الإسرائيلية” . قد ينشأ بعض التعارض أحياناً حول هذا الموقف أو ذاك، أو حول هذه السياسة أو تلك، لكنه التعارض الآني الثانوي الذي لا يؤثر في استراتيجية العلاقة القائمة بين الطرفين . البصمات على العلاقة أيضاً، تتغير وفقاً لطبيعة الحزب أو الائتلاف الحاكم في “إسرائيل”، فمثلاً التحالف الحكومي “الإسرائيلي” الحالي لا يهمه إحراج الولايات المتحدة سياسياً في علاقاتها العربية والدولية، فهو يطرح السياسات “الإسرائيلية” كما هي، من دون مكياج تجميلي بسيط على الأقل، بينما أحزاب أخرى مثل “كاديما” و”العمل” يطرحان القضايا “الإسرائيلية” بالشكل الذي يتصور فيه السامع والقارئ لهذه السياسات : بأن إسرائيل تطمح فعلاً إلى إنشاء سلام عادل مع الفلسطينيين والعرب، وتصوير الجانبين بأنهما المعطلان فعلياً للسلام . مثل هذا الأمر (الأخير ) أكثر مناسبة للولايات المتحدة . في حقيقة الأمر أن فوارق شكلية بسيطة لا تمس جوهر المواقف موجودة بين نتنياهو وليفني، وبين ليبرمان وإيهود باراك، كل واحد يمتلك قبضة فولاذية، لكن مع حرص قادة “كاديما” و”العمل” على تغطيتها بقفازات حريرية .

بالنسبة للأحزاب “الإسرائيلية” من التسوية، فإن وحدة مواقف تجمعها، فأغلبية هذه الأحزاب متفقة استراتيجياً من التسوية مع الفلسطينيين والعرب: لا لعودة اللاجئين، القدس موحدة وعاصمة أبدية ل”إسرائيل”، لا انسحاب من كافة المناطق التي احتلتها “إسرائيل” في عام ،1967 لا لسيادة الفلسطينيين الفعلية في أماكنهم في(يهودا والسامرة) بل ستظل السيادة ل”إسرائيل” على منطقة الحكم الذاتي الفلسطينية، وسواء جرى تسمية هذه المنطقة دولة أو جمهورية أو مملكة! من جانبٍ ثان فإن الاستيطان بلغ ذروته في ظل حكومات حزبي “العمل” و”كاديما”، تماماً مثل “الليكود” وتحالفاته اليمينية مع حركتي “شاس” و”إسرائيل بيتنا” وغيرهما من الأحزاب اليمينية الدينية (الفاشية في حقيقتها) الأخرى .كافة هذه الأحزاب مارست المذابح بحق الفلسطينيين والعرب، وكلها مع بناء الجدار العازل، والاعتقالات والاغتيالات ومصادرة الأراضي .

بالتالي، فإن ما يبدو في بعض الأحيان من تغيير حقيقي في المواقف الأمريكية من “إسرائيل” (خذ مثلاً أطروحات الرئيس أوباما في بداية عهده حول التسوية في الشرق الأوسط، إضافة إلى خطابه الشهير في جامعة القاهرة والموجه للمسلمين والعرب، ومراهنات كثير من العرب والفلسطينيين والمسلمين على الجديد في مواقفه من “إسرائيل” حتى بدأوا بتسميته : باراك “حسين” أوباما) هو في الحقيقة رتوش(ليس إلاّ) لا تصيب الجوهر في العلاقة بين الجانبين، وكما قلنا بسبب اعتبارات ناتجة عن طبيعة الائتلاف الحاكم في تل أبيب، وليس ناجماً عن تغيير فعلي جذري في المواقف الأمريكية تجاه الحليف الاستراتيجي “الإسرائيلي” .

إن كل الحروب والأشكال الأخرى من العدوان التي خاضتها واقترفتها “إسرائيل” ضد الفلسطينيين والعرب كانت بضوء أخضر أمريكي وفي عام 1956 شاركت “إسرائيل” في العدوان الثلاثي البريطاني – الفرنسي- الصهيوني على مصر .

لقد حددت الدول الغربية الاستعمارية الهدف من إنشاء “إسرائيل” ومساعدة الحركة الصهيونية منذ أوائل القرن الزمني الماضي، ففي عام 1907 أوصت الجبهة الاستعمارية الموحدة التي أنشئت والتي تألفت من بريطانيا، فرنسا، بلجيكا، البرتغال، إيطاليا، إسبانيا في تقرير مشترك ما سمي بتقرير كامبل – بنرمان (اسم رئيس الحكومة البريطانية آنذاك) جاء فيه: “إننا نوصي بضرورة العمل على فصل الجزء الإفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي، ونقترح لذلك: إقامة حاجز بشري قوي وغريب على الجسر البري الذي يربط آسيا بإفريقيا ويربطهما بالبحر المتوسط، بحيث يشكَّل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة صديقة للاستعمار وعدوة لسكان المنطقة” .

في عام ،2004 قدمت الولايات المتحدة إبّان رئاسة بوش الابن رسالة ضمانات استراتيجية جديدة ل”إسرائيل” قرأها أرييل شارون رئيس الوزراء آنذاك من على منبر مؤتمر هرتسيليا الخامس، فحواها: التزام الولايات المتحدة الكامل ببقاء “إسرائيل” والمحافظة على أمنها وعدم الضغط على “إسرائيل” ورؤاها للتسوية مع الفلسطينيين والعرب .

منذ اتفاقيات أوسلو وحتى اللحظة، نرى تكيفاً أمريكياً مع السياسات ووجهات النظر “الإسرائيلية” فيما يتعلق بالتسوية مع الفلسطينيين والعرب، وليس العكس، فالولايات المتحدة تكيفت مع الأطروحات “الإسرائيلية”: في تبني اللاءات “الإسرائيلية” للحقوق الوطنية الفلسطينية لكل ما سبق، لا توجد مطلقاً عناصر حتى أولية للتصور بوجود أزمة (أو حتى حدوثها على المدى الزمني القريب المنظور) في العلاقة بين واشنطن وتل أبيب .

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى