مقالات مختارة

عون لـ«السفير»: «الفيتو» قيّد الحريري.. ولن أكون ضد المقاومة: عماد مرمل

 

ليس صعبا على من يزور الرابية في هذه الأيام ان يتلمس حالة «السلام الداخلي» التي يعيشها العماد ميشال عون، برغم خسارته لمعركة معارضة التمديد، وبرغم ان فرصه الرئاسية تبدو في هذه اللحظة السياسية أضعف من أي وقت مضى.

الأولوية بالنسبة الى الجنرال، ألا يخسر نفسه تحت وطأة الضغوط التي يتعرض لها، والمقايضات التي تُعرض عليه، وهذا يشكل ـ وفق معاييره ـ انتصارا بحد ذاته.

كان المنزل في الرابية هادئا صباح أمس، كما هي العادة في أيام الآحاد عموما. انتهز عون هذه الفسحة ليتابع عبر إحدى الفضائيات العربية نقاشا بين محللين حول الوضع الإقليمي، «لان من واجب رجل السياسة والمتعاطي في الشأن العام توسيع إطار معرفته، الى خارج الزواريب اللبنانية».

ولان لحظة الاسترخاء لا تفوّت، ارتدى عون بنطلون الجينز ووضع كوب القهوة أمامه على الطاولة في الصالون الشاهد على الكثير من الاسرار. نظر من حوله، وقال: هل تعلم، ان معظم الاثاث الموجود في هذا الصالون، ما أزال أحتفظ به منذ زواجي؟ كان هذا التعليق توطئة لما سيأتي: «نريد رئيس جمهورية يصنع ثروته من قاعدة شعبية واسعة، وليس من الحقائب المالية…».

التمديد لمنع تغيير الأكثرية

ويقول عون لـ«السفير» ان الهدف الحقيقي من التمديد هو منع تغيير الاكثرية الحالية وتظهير الأحجام الشعبية الفعلية للقوى السياسية، وبالتالي استمرار التحكم باستحقاق انتخاب رئيس الجمهورية. ويضيف: من أين أتوا بمعادلة انه لا يجوز إجراء الانتخابات النيابية قبل انتخاب الرئيس؟ وإذا كان «تيار المستقبل» او غيره قد طرحها فهذا لا يعني انها صحيحة.

ويشدد عون على ان الانتخابات النيابية هي أقصر طريق الى انجاز الاستحقاق الرئاسي، معتبرا ان أزمة الشغور كان يجب ان تشكل سببا إضافيا لإجراء الانتخابات البرلمانية لا لتأجيلها. ويتابع: أصلا، عندما تكون هناك أزمة سياسية او وطنية في الدول السوّية، يتم اللجوء الى خيار الانتخابات النيابية المبكرة للخروج من هذه الازمة، فكيف إذا كانت الانتخابات متأخرة أساسا عن موعدها سنة وخمسة أشهر هي عمر التمديد الاول.

ويتابع بلهجة واثقة: انهم لا يريدون الانتخابات النيابية، تحسبا لنتائجها، خصوصا ان التقارير الموجودة لدى إحدى السفارات الكبرى في لبنان أظهرت ان أي انتخابات الآن ستكشف عن تراجع في التمثيل الشعبي لأحد أبرز التيارات السياسية على الساحة السنية.

ويضيف، منتقلا الى تشريح واقع الساحة المسيحية: أما في المناطق المسيحية، فقد بيّنت استطلاعات الرأي التي يجريها الخصوم، قبلنا نحن، ان شعبية «التيار الوطني الحر» ارتفعت بشكل ملحوظ، وعلى سبيل المثال، فإن المعركة في اقضية بعبدا وكسروان وجبيل وجزين محسومة لنا، وفي المتن يخرقون بمقعد واحد، وفي البترون تقدمنا كثيرا ونحتاج فقط الى حليف بألفي صوت حتى نربح المقعدين، وفي الاشرفية وضعنا ممتاز، وفي زحلة تَحَسَّنَّا كثيرا.

وانطلاقا من هذه المعطيات، يؤكد الجنرال انه كان سيحصل على أكثرية مسيحية مريحة، لو تمت الانتخابات، وهذا ما دفعهم الى التمديد، وليس أي أمر آخر.

وعندما يُسأل عون عما إذا كان ممكنا بالفعل إجراء الانتخابات، بعد قرار «تيار المستقبل» بمقاطعتها، ما لم يسبقها انتخاب الرئيس، يجيب: نعم، كان بالامكان إجراء الانتخابات، حتى لو قاطعها «المستقبل»، لانه لا يصح ان نركن الى ما يطلبه هذا التيار، فقط انطلاقا من فرضية انه يمثل معظم الطائفة السنية، إذ إن الارقام والأحجام تتحدد بعد الانتخابات لا قبلها. ثم أليس مستغربا ان تتم الانتخابات النيابية عام 1992 التي تأسست عليها حقبة سياسية كاملة، من دون كل المسيحيين تقريبا، وان تستمر الحكومة في أيام الرئيس فؤاد السنيورة من دون كل الشيعة وأكثرية المسيحيين، بينما تؤجل الانتخابات اليوم، لان طرفا داخل طائفة لا يريدها؟!

تكامل وجودي مع «حزب الله»

وعما إذا كان يتوقع ان يترك الانقسام حول التمديد تداعيات على العلاقة مع «حزب الله»، يقول عون: ما يجمعنا مع الحزب أمتن من أن يفرقه التمديد، ومن يتصور أنني سأصبح ضد المقاومة، لأنهم صوتوا الى جانب التمديد، هو واهم ولا يعرفني جيدا. المقاومة بالنسبة إليَّ خيار إستراتيجي لا يتأثر بالملفات السياسية الظرفية. أكثر من ذلك، أنا أقول إنه إذا كانت تجمعنا منذ عام 2006 وثيقة تفاهم مع «حزب الله»، فاننا والحزب أصبحنا اليوم في مرحلة «تكامل الوجود»، لاننا نواجه معا خطرا تكفيريا وجوديا الى جانب الخطر الاسرائيلي، ما يعزز أكثر من أي وقت مضى القناعة بخيار المقاومة.

ويتابع: ان تحالفنا مع السيد حسن نصرالله لا يستند الى مصالح متحركة بل الى قناعات ثابتة، وفي كل الاحوال، ربما يكون «حزب الله» هو الطرف الوحيد الذي يمكن تفهم موقفه من التمديد، لانه ليس جاهزا نفسيا لخوض الانتخابات في ظل التحديات التي يواجهها.

ولكن، ألا تعتقد ان المطلوب منك ان تقف على مسافة واحدة من الجميع وألا تكون منحازا الى فريق، حتى تستطيع ان تقنع «المستقبل» وباقي فريق «14 آذار» بأنك مرشح توافقي الى الرئاسة؟ يجيب: إزاء المخاطر الداهمة، نلحظ ان البعض يقيم خارج لبنان، والبعض الآخر يستطيع ان يستقل طائرة ويغادر متى أحس بان التهديد أصبح قريبا منه، أما نحن المتجذرون في هذه الارض، والباقون هنا.. ماذا نفعل؟ لا خيار لنا سوى ان ندافع عن وجودنا، وهذا ما يجمعنا مع «حزب الله».

وما تعليقك على الرأي القائل إن السيد نصرالله أراد من خلال تسميته لك علنا كمرشح للحزب، ان يفتح باب النقاش لاحقا في اسم جديد؟ يبتسم عون ابتسامة العارف، معتبرا ان من يقول ذلك لا يعرف طبيعة العلاقة الاستراتيجية بينه وبين السيد نصرالله.

الحوار مع الحريري

وأين أصبح الحوار مع الرئيس سعد الحريري حول رئاسة الجمهورية؟ يقول الجنرال: الحوار توقف، لأن وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل وضع فيتو على اسمي. تخيلوا، ان قرارا من خارج لبنان يمكنه ان يعطل انتخاب رئيس جمهوريتنا. وللعِلم، أنا كنت قد سألت الرئيس الحريري في بداية الحوار معه عما إذا كان لديه غطاء من السعودية للذهاب في هذا الحوار حتى النهاية، فأكد لي ذلك، وعلى هذا الاساس حصلت الجلسات بيننا وبينه، ولمسنا ان هناك تفهما من قبله لما نطرحه، لكن عندما حانت لحظة الحقيقة وكنا ننتظر منه الجواب النهائي، راح يماطل، ليتبين لنا انه لا يملك التفويض اللازم وانه مضطر الى البقاء تحت سقف فيتو الامير سعود الفيصل. ونحن عرفنا على طريقتنا بأن رد الحريري سلبي، أما هو فلم يبلغني صراحة حتى الآن بـ«لا» او «نعم».

يجزم عون انه ليس مستعدا للبحث في اسم آخر لرئاسة الجمهورية: هذا هو موقفي، لكنني لا أمنعهم من ان ينتخبوا رئيسا إذا استطاعوا، مع الإشارة الى ان المجلس النيابي الحالي لم يعد من حيث المبدأ مؤهلا لانتخاب الرئيس، لانه لا يجوز لنواب غير منتخبين من الشعب ان ينتخبوا رئيس الجمهورية.

وماذا تقول لمن يتهمك بانتهاك الديموقراطية والدستور لانك تتعمد تعطيل نصاب جلسات انتخاب الرئيس؟. يتساءل عون باستهجان: كيف لأبطال التمديد الاول والثاني، ولرموز ضرب الشراكة والتوازن، ان يوجهوا إلي هذا الاتهام وهم الذين اعتادوا على نحر الديموقراطية والدستور من الوريد الى الوريد؟

يشير عون الى ان الخروج من الواقع المقفل، يكون بواحد من الخيارات الآتية:

إجراء انتخابات نيابية تليها الرئاسية، او تعديل الدستور لإفساح المجال امام انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، وفي هذه الحال، سيكون لدينا رئيس الاسبوع المقبل، أو إنجاز تسوية وطنية يتولى المجلس الحالي تظهيرها، مع التشديد على ان أي تسوية لا يمكن ان تتحقق من دون التسليم بوجوب انتخاب رئيس يملك حيثية شعبية.

ويستغرب الجنرال ان يُتهم بتعطيل انتخابات الرئاسة وهو الذي يقدم هذه المروحة من الخيارات لمعالجة المأزق، في حين ان الآخرين الذين يزايدون عليه لا يفعلون شيئا.

ويشدد عون على رفضه الإتيان برئيس مقطوع من شجرة، مؤكدا انه ليس مسموحا تكرار تجربة ميشال سليمان، لافتا الانتباه الى ان الرئيس الذي يستند الى وزن شعبي وكتلة نيابية يستطيع ان يعوض عن ضعف الصلاحيات.

الهبة… والرئاسة

ولا يخفي عون ارتيابه في الملابسات المتصلة بالمسار الذي تسلكه الهبة السعودية المخصصة للجيش اللبناني (الثلاثة مليارات دولار)، معتبرا ان التركيز على ان تمر عبر بعض الاسماء والادوار ليس بريئا. ويقول: لدي انطباع بان الهدف من ذلك هو الدفع في اتجاه زيادة فرص أحد الاسماء بالوصول الى الرئاسة، وما جعلني أرتاب هو ان علامات الاستفهام المحيطة بإجراءات الهبة، ترافقت مع تعطيل الانتخابات النيابية وبالتالي تمديد الشغور في موقع الرئاسة.

وعن رده على الانتقادات الحادة التي وجهها اليه سمير جعجع، يؤكد الجنرال انه لا يرغب في الانزلاق الى سجالات عبثية، «وأفضل ان أتركه يتكلم مع نفسه، وإذا كان لي من تعليق وحيد فهو ان سمير جعجع أخطأ في تحديد وجهة حملته، إذ كان عليه ان يصوّب على حليفه «تيار المستقبل»، لانه هو الذي ضغط بشكل كبير ومؤثر لتمرير التمديد، وهو الذي لم يفعل شيئا في الحكومة لإجراء الانتخابات النيابية، وليس نحن.

يأخذ عليك الرئيس نبيه بري انك لم تَفِ بالتزامك له المشاركة في الجلسة التشريعية؟

يكتفي عون بالقول انه لم يقدم له أي التزام من هذا النوع. «وفي كل الحالات، أنا لا أريد التصعيد مع الرئيس بري لان أحدا لا يربح من ذلك، ولان مشكلتي ليست معه بل في مكان آخر».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى