مقالات مختارة

كيف تلقى الإسلاميون في سورية أسلحة أميركية؟: روبرت فيسك

 

تنتشر القوات السورية الخاصة متمددة عبر قمة التلال هنا، تماماً إلى الشمال الشرقي من اللاذقية، على واحدة من أكثر جبهات البلاد خطورة، تحت هجمات صاروخية يومية تشنها قوات الثوار التي أصبحت معززة الآن .

الضباط الذين يتكونون جميعاً من القوات شبه العسكرية، يتحدثون عن تكتيكات جديدة وأسلحة مطورة يجري استخدامها ضدهم منذ استولت “داعش” على مدينة الموصل العراقية -وتضم حركة الاتصالات اللاسلكية التي يستمعون إليها من أعدائهم بعض المحادثات باللغة الشيشانية أو الجورجية.

تتحدث التقارير الاستخبارية عن توحيد للثوار المختلفين الذين يدعون أنفسهم “فيلق الساحل”، في إشارة واضحة إلى أن الثوار الذين يستلهمون “داعش” -بمن فيهم أنصار داعش أنفسهم- ينوون التمدد غرباً في اتجاه البحر المتوسط الذي يبعد بالكاد ثمانية أميال، ويمكن الرهان كثيراً على أن معركة كبيرة سوف تنشب هناك في أعالي هذه الجبال التي تغطيها أحراش الصنوبر.

يتحدث الجنود أنفسهم عن الصواريخ الباحثة عن الحرارة الحيوية التي يتم إطلاقها عليهم بمعرفة مفصلة، ويتفقون على أن الخليط من الجماعات الإسلامية فوقهم وإلى الشرق منهم يقوم بتنفيذ هجمات جسّ من أجل اختبار قوة دفاعاتهم. ومن المثير للاهتمام أن دوريات مراقبتهم تعود عند الفجر لتبلغ عن سماع أصوات طائرات مجهولة تحلق ليلاً في داخل المجال الجوي السوري، من تركيا ثم إلى الشرق، عميقاً في داخل سورية.

بدأ هذا قبل 20 يوماً تقريباً. وهم لا يعرفون ما إذا كانت هذه الماكينات -طائرات من دون طيار أم مقاتلات- أميركية، ولم يسمعوا صوت ضربات جوية لا في الليل ولا في النهار. لكن ضباطهم يتحدثون الآن عن أسلحة “تاو” جديدة مضادة للدروع، والتي ظهرت في أيدي الثوار. وقد أطلعني أحد الضباط على شريط فيديو بثه موقع إسلامي، يعرض ثواراً وهم يطلقون صواريخا متعقبة للحرارة على معسكره هو نفسه، فقط إلى الشمال من هنا في منطقة قسطل معاف. ويمكن مشاهدة الصاروخ في الفيديو وهو ينفجر، لكنه يتفكك في الحقيقة على السواتر الخرسانية حول دبابة.

لكنه عندما جر عريف حمولة كيس من أجزاء الصواريخ إلى غرفة في هذه القلعة السورية الواقعة على قمة تلة، فقد احتوات تلك الأجزاء على بعض الأدلة المذهلة عن مستودع أسلحة الثوار. معظم الصواريخ تتفتت إلى آلاف القطع لدى الانفجار، ولكن قبل أكثر من شهر تقريباً -يوم 26 أيلول (سبتمبر)- انفجر صاروخ موجه عميقاً تحت التراب والرمال، وتبين شظاياه بوضوح اسم مصنّع الأسلحة الأميركي الذي صنعه، ولوحات دوائره الكهربائية، وترميز السلاح.

تحدّد قطعة من الصاروخ شركة “إيجل-بيتشي آي. إن. دي (إنديانا)” كصانع له، وتقول الكتابة على القطعة بالإنجليزية إنه “مشحون بالهيليوم”، وتضيف -فيما ينطوي على مفارقة كما سيتبين: “تحذير -يحتوي على 6400 رطل لكل بوصة مربعة من الهيليوم (عالي التفجير). يحظر القانون الفدرالي نقله إذا عبئ -تصل العقوبة إلى 25.000 دولار والسجن لخمس سنوات”. ولا يعرف السوريون كيف شق هذا السلاح -الذي يبدو أنه صنع قبل وقت طويل في العام 1989- طريقه من الولايات المتحدة إلى أيدي الثوار الإسلاميين في البلد. لكنه لن يكون صعباً على الأميركيين أن يكتشفوا كيف. ويظهر الترميز الحاسوبي الكامل للصاروخ كما يلي: DOT-E7694

وهناك أنبوب بطارية من صاروخ آخر أطلِق يوم الرابع من الشهر الماضي، والذي يحمل كتابة محفورة في المعدن تذكر المعلومات الدقيقة والرموز بنفس الطريقة.

هذه الرموز ينبغي أن تجعل من السهل على الأميركيين معرفة مشتري السلاح -أو متلقيه- إذا ما أرادوا ذلك. ولكن، كيف تلقى الإسلاميون هذه الأسلحة الأميركية؟ من سوق السلاح الدولي؟ أم من ثوار “معتدلين” كانوا قد مُنحوا هذه الأسلحة الأميركية ثم باعوها بعد ذلك إلى أعلى مُزايد؟

الدليل على مدى خطورة هذه القلاع على التلال -التي تطفو وسط ريف يشبه تلال وقرى البوسنة أكثر مما يشبه الريف السوري الصحراوي والرعوي المألوف- جاء عندما تلقى أحد الضباط مكالمة باللاسلكي تفيد بأن هناك انتحارياً يتحرك في اتجاه مواقعه. على الفور، أصدر أوامره لكل البؤر السورية المسلحة بفتح النار على أي شخص يقترب من مواقعها بطريقة مثيرة للشبهة. ولديه أسباب جيدة ليفعل ذلك، لأنه قبل سبعة أشهر فقط، أبيد عدد كبير من زملائه المقربين على يد مفجر انتحاري من الثوار على تلة “الموقع 45″ المجاورة إلى الشمال من قسطل معاف.

بالصدفة، كنتُ قد زرت ذلك الموقع بالضبط قبل سنة، وقدمني للجنود هناك قائدهم، العميد محمد معروف. في آذار (مارس) الماضي، تعرض الموقع المحصن الذي يعلوه برج اتصالات محطم إلى حصار شرس من ثوار إسلاميين يقودهم مسلم الشيشاني، سيئ الصيت -أو الأسطوري، اعتماداً على زاوية النظر- القائد الشيشاني أحمر اللحية الذي يتنقل باستمرار بين ميادين القتال في سورية والعراق. ومع أن الإسلاميين فاقوهم عدداً، صمد الجنود السوريون لأسبوع كامل -كانوا كلهم من القوات الخاصة، مثل الرجال في موقع الشقراء- ثم اتصل الجنرال معروف طالباً ناقلة جند مدرعة من أجل إخلاء جرحاه.

مع ذلك، لم تكن العربة المدرعة التي ظهرت من الضباب هي التي طلبها العميد. كانت واحدة يقودها مفجر انتحاري، وصدمت مركز الموقع بخمسة عشر طناً من المتفجرات، وانفجرت بدمدمة سُمعت عبر كل المسافة إلى البحر المتوسط، وقتلت كل الجنود تقريباً، بمن فيهم العميد معروف، وصنعت حفرة بعرض 30 قدماً وعمق 15 قدماً. وفي غضون ساعات، عرض شريط فيديو إسلامي الشيشاني وهو يضحك مع زملاء آخرين من الثوار، ويتفاخرون بانتصارهم. وقال لي أحد الضباط “إن معظم الجنود الذين قابلتهم تقريباً في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي قد استشهدوا“.

يعتقد العديد من الضباط السوريين أن الشيشان أُرسلوا للقتال هنا بالتحديد لأن طبيعة الأرض مشابهة لطبيعتها في بلدهم الأصلي. كما امتلأت موجات الأثير بأصوات أتراك، الكثير منهم من التركمان السوريين، والبعض يتحدثون لهجات تركية أخرى، والتي تطلب في العادة تعزيزات أو تطالب بالمزيد من الصواريخ والذخيرة.

يعرف السوريون أن بوسع أعدائهم أيضاً الاستماع إلى محادثاتهم باللاسلكي، ولو أن لديهم طرقاً أكثر تطوراً للاتصال ببعضهم بعضا. ومع ذلك، أصبحوا يشكون الآن بأن الإسلاميين ربما أصبحوا قادرين على الاستماع إلى المحادثات في الخطوط الأرضية أيضاً.

في العام الماضي، ظهر المزيد من المقاتلين من مجموعتي “جبهة النصرة” و”جند الإسلام” مقابل خطوط الأمامية للجبهة السورية -ولو أن وصف “الخطوط الأمامية” ربما يكون تعبيراً مضللاً. في الكثير من هذه المناطق المشجّرة، تبقى المناطق الواقعة تحت “سيطرة” القوات السورية أو الثوار محلية فقط. وكما قال لي ضابط سوري قبل بضعة أشهر في حديث عن ميدان معركة مختلف، فإن “الجندي السوري يسيطر على ما تقف عليه قدماه فقط” -وهو الآن وصف معروف ربما ينطبق على الكثير من حروب العالم.

في واقع الأمر، ربما تقع مواقع الثوار على بعد ميل ونصف من موقع الشقراء، لكن الجانبين يجدان نفسيهما أحياناً على بعد 200 متر من بعضهما بعضا. ويُستخدم التركمان في المعارك بسبب معرفتهم بالمناطق المحلية، لكن الجنود لاحظوا أن “علامات وماركات” الجماعات الإسلامية المختلفة تتغير باستمرار. وإذا كانت “داعش” معمل هنا كهيكل منظم، كما يقولون، فإنه ما يزال صغيراً جداً. لكنهم لاحظوا أن الثوار أصبحوا يستخدمون الآن صواريخاً خارقة للدروع للمرة الأولى، وكذلك صواريخاً ذات مدى يبلغ خمسة كيلومترات. ومن بين اللهجات العربية التي تتحدث على أجهزة اللاسلكي، هناك أصوات من مصر، ليبيا، الخليج، تونس والمغرب. ويبدو أن الفصائل الإسلامية الأصغر تبتلع بعضها البعض “مثل الحيتان، كما قال أحد الجنود، والذي أضاف أنها “مسألة وقت فقط قبل أن يبتلع فصيل كبير كل الفصائل الأصغر”. ولم يستخدم الجندي الكلمة العربية “داعش”، لكن ذلك هو ما سيحصل بالتأكيد. وتنتمي بعض الوحدات إلى “كتيبة العاديات”، لكنه كلما اشتبك هؤلاء الرجال في القتال، فإن وحدات من الفصائل الأخرى تصل لدعمهم.

لاحظت القوات السورية أيضاً أعداداً كبيرة من القوات الكردية والدروع التي تتجمع على طول الحدود إلى الشمال منهم، بالإضافة إلى حصن خرساني جديد بنته القوات التركية في جبل الأقرع. وسوف يكون وصف الوضع هنا بأنه “متوتر” مجرد تكرار لكليشيه قديم لا يخدم الفكرة. يكفي القول بأنهم بعد أن أعطوني منظاراً مقرباً عسكرياً لأنظر إلى الحصن، طلب مني أحد الضباط العودة خلف متراس رملي حتى لا أجتذب نيران القناصة إلى موقعهم. كان أحد الرفاق المقربين من العميد الراحل معروف موجوداً في موقع الشقراء يوم الأحد، وذكّرني بالحديث الأخير بيني وبين قائده السابق: “قال لك، يا سيد روبرت، إنه سيعيش حتى النصر أو إنه سيستشهد -حسناً، لقد وفى بوعده”.

(الإندبندنت)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى