مقالات مختارة

ما الذي دفع نصرالله إلى إطلاق دعوته الحوارية وما الردّ الذي ينتظره الحزب من “المستقبل”؟ ابراهيم بيرم

 

كان حدثاً لافتاً ان يختار الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ليلة العاشر من محرم ليفصح عن استعداده لفتح ابواب الحوار الموصدة بإحكام مع “تيار المستقبل”. وهذا يثبت ان نصرالله شاء ان يعطي الامر قيمته العملية الكبرى في اوساط قواعد الحزب العريضة من جهة، والتي تنتظر ما سيقوله في هذا التوقيت بالذات، وفي الاوساط السياسية الاوسع من جهة أخرى.

لا يمكن أي متابع الا ان يلاحظ ان ثمة أكثر من حافز دفع بسيد الحزب لان يتصدى لهذه المهمة الشاقة والدقيقة بمقاييس كل الذين واكبوا طوال الاعوام العشرة المنصرمة وتيرة الخلاف والتجاذب بين الطرفين ودرجة التصعيد الآتي اكثر ما يكون من لدن “التيار الأزرق” حيال الحزب ومواقفه وحتى معتقده المقدس ولاية الفقيه، فالتساجل بينهما بلغ حد الحرب بكل المعايير والمعاني .

وابرز هذه الحوافز والدوافع بحسب اوساط قريبة من دوائر القرار في الحزب:

– ان السيد ينزل بشكل او بآخر عند تمنيات خاصة أتته مراراً من حليف هو رئيس مجلس النواب نبيه بري ومن صديق حالي هو رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، فكلاهما لم يبارحا في اي لحظة اعتقاداً فحواه ان جزءاً اساسياً من الاشتباك السياسي الداخلي مرده الخلاف المستحكم بين قطبي الحياة السياسية في البلاد، اي “حزب الله” و”التيار الازرق”، وان فتح دروب الحوار وخطوط التواصل بينهما من شأنه ان يبرد هاجرة العداء والانقسام بينهما وينزل على البلاد لوناً من ألوان السكينة والتوازن ويفتح الافق امام مرحلة مختلفة.

– ولاريب ان هذا العامل الموضوعي لدى الحزب يترادف مع عامل ذاتي يوجب عليه خوض غمار هذه التجربة المجهولة الخواتيم، فثمة حاجة للحزب لاينكرها اطلاقا الى تبريد لهب الساحة وتهدئة صخبها والى توقف حملات الخصوم عليه. اضافة الى انه يجد ثمة دوافع أخرى لم تكن متوافرة سابقاً، وهي ان “التيار الازرق” لا يعيش الان وبعد ما حفلت به الاعوام العشرة الأخيرة وما شهدته من تحولات داخلية وخارجية، في احسن حالاته ولا في أفضل اوقاته تماسكاً، فهو عرضة لهجوم شرس من المتشددين في ساحته الذين يريدون له ان يذهب الى حيث لا يقدر.

الى ذلك فان الحزب يدرك وبفعل تجربة الاحتكاك اليومية في الحكومة وفي تجربة التعاطي مع وزراء من التيار، ان ثمة من بدأ يجاهر داخل الصفوف العليا للتيار برغبة اكيدة في خفض منسوب التوتر مع الحزب وفي التمهيد جديا للانتقال الى مرحلة الانفتاح عليه، فيما ثمة آخرون لم يغادروا بعد طور المضي قدماً في الاحتراب واياه الى درجة إلحاق الهزيمة به بدليل ان الوزير نهاد المشنوق تلقف البيان الأخير العام والغامض للرئيس سعد الحريري ورفعه الى مصاف المبادرة التي يبنى عليها، مسمياً الحزب بالاسم في حين أن اوساط الحزب المعنية سجلت 4 تصريحات متتالية وفي اقل من اسبوع للوزير اشرف ريفي تتخطى التصعيد الى حد التهجم.

هي اذاً بالنسبة للحزب رمي للحجة في اللحظة الصعبة داخلياً وخارجيا مقرونة بأمرين اثنين واضحين: الاول اشادة نادرة من سيد الحزب بالدور الذي أداه التيار إبان عاصفة الشمال الاخيرة والتي بدا فيها يغالب شعوراً بعدم الارتياح من تحول مناطق محسوبة عليه بالكامل الى بؤر تصارع وتقاتل مع المؤسسة العسكرية. والثاني ان سيد الحزب وقف من على منبر عاشوراء ليبلغ من يهمه الأمر انه ليس قادراً فقط على التفلت من تأثيرات حلفائه على قراره، بل هو قادر على المونة على هؤلاء الحلفاء.

وبناء على هذه المقاييس والمعايير، فان الحزب يرمي قفاز التحدي في وجه “التيار الازرق” بانتظار الجواب من جهة، ويعلن استعداه لفتح صفحة جديدة كل الجدة في دورة الحياة السياسية في البلاد من جهة اخرى.

والسؤال المطروح هو: هل ان الحزب يراهن جدياً ويبني الآمال العريضة على مسألة تجاوب قيادة “المستقبل” مع دعوته الجلية للحوار والتي أتت على لسان سيده وقائده وفي مناسبة عزيزة جداً عليه؟

بعد مرور أقل من اسبوع على مبادرة نصرالله فان دوائر القرار المعنية في الحزب تبلغ من يراجعها بأنها لم تتلق بعد اي اجابات جادة من “التيار الازرق” ترد على التحية بمثلها او بأحسن منها توطئة لفتح الأبواب الموصدة تماماً منذ نحو أربعة اعوام، وتحديداً بين معاون الامين العام للحزب حسين الخليل وبين الرئيس الحريري، ومدير مكتبه نادر الحريري، وبالتالي لا تزال المسألة برمتها في اطار اختبار النيات وجس النبض ودائرة الانتظار.

ولكن بما ان لكل امر بوادره ومقدماته فان الدوائر المعنية في الحزب رصدت المؤشرات الآتية:

– ان “تيار المستقبل” بدا مربكاً في مقاربته لهذا التحدي الذي أتاه من حيث لا يحتسب خصوصاً انه يعرف ان بيان رئيسه سعد الحريري لم يكن اصلا مبادرة صريحة وواضحة تسمي الاشياء باسمائها.

– ان وسائل اعلام التيار تعاطت مع مبادرة نصرالله بلا مبالاة.

– ان التباين بين رموز التيار حيال مستقبل العلاقة مع الحزب ما زال متواصلا وخصوصاً بين الرمزين المعروفين اللذين يتصدران الآن مشهد لعبة “المستقبل”، وهو ما يمكن تفسيره، اذا ما استمر لاحقاً، على انه توزيع ادوار.

– صحيح ان الحزب يعرف كما سواه ان الكلمة الفصل في نهاية المطاف هي للرئيس الحريري الذي لم يقل هذه الكلمة الصريحة بعد، ولكن ماذا عن موقف المرجعية الاقليمية التي بدأ بعض اعلامها المكتوب يرسم ظلالا من الشك حيال مبادرة الحزب ودعوته الصريحة الى فتح صفحة جديدة ؟

لقد طرق الحزب الباب وما عليه إلا ان ينتظر الجواب لكي يبني على الشيء مقتضاه، مع يقينه سلفاً ان مبادرة نصرالله احرجت رؤوساً حامية وأرخت مناخات من الارتياح في كل الاجواء ومنها التيار نفسه، فضلاً عن انها كرست واقعاً لا يمكن ضرب الصفح عنه وتجاوزه.

(النهار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى