القدس التابعة لعمان: تسفي برئيل
بعد التوقيع على اتفاق السلام بين اسرائيل والاردن بعشرين عاما، فان هذا الاتفاق الذي هو أكثر استقرارا وأكثر حكمة يتعرض الآن لامتحان صعب.
اعادة السفير الاردني من اسرائيل للتشاور، كخطوة احتجاجية وتحذيرية، من شأنها أن تكون خطوة واحدة فقط من تدهور العلاقات الحيوية بين الدولتين.
ما ألمح اليه وزير الاعلام الاردني عن رغبة الاردن في اعادة قراءة بنود الاتفاق – الامر الذي يعني تجميد العلاقات – يجب أن يثير قلقنا، ليس فقط بسبب السيف المرفوع، بل ايضا بسبب الشراكة بين اسرائيل ومصر والاردن والفلسطينيين. إن أي تراجع في العلاقات بين اسرائيل والاردن من شأنه أن يؤثر على العلاقات الرسمية بين اسرائيل والقاهرة.
توجد مصالح كثيرة بين الدولتين: التنسيق الامني المكثف بين عمان والقدس، والتجارة الاسرائيلية الاردنية التي تُمكن ايضا دول عربية اخرى من التجارة: المسار السياسي والاقتصادي الذي يُمكن الفلسطينيين من استيراد وتصدير البضائع، والعلاقة المدنية بين الفلسطينيين والاردن، تضمن مخرجا أساسيا للضائقة الاقتصادية الفلسطينية وتضيف لاسرائيل الأمن والهدوء. صحيح أن الاردن قد أعلن عام 1988 عن فك الارتباط مع الضفة الغربية وشق الطريق لاتفاق سلام منفرد مع اسرائيل. لكن الازمة في العلاقات التي تسبب فيها الصراع حول الحرم بخاصة والقدس الشرقية بعامة توضح الى أي مدى يعتبر فك الارتباط هذا نظريا، والى أي مدى تؤثر الاحداث على الارض في الدولتين بشكل خطير.
اعادة السفير الاردني لم تتم بلحظة. فقد تم تنسيق الامر مع الولايات المتحدة في المحادثات التي جرت في باريس بين وزير الخارجية الاردني ناصر جودة مع وزير الخارجية الامريكي جون كيري، وهي نتاج مجموعة طويلة من الخطوات التي تقوم بها اسرائيل لتهويد القدس ورغبتها في السيطرة على الاماكن المقدسة في الحرم. التفسير الرسمي للخطوة الاردنية ينبع من التعهد الاسرائيلي في اتفاق السلام بين الدولتين والذي يعطي الاردن حق الوصاية على الاماكن المقدسة، وكل عمل يجب تنسيقه مع الاردن. وهذا التعهد سيكون ايضا في أي اتفاق بين اسرائيل والفلسطينيين.
إن دخول قوات الامن الاسرائيلية الى الحرم، الى جانب الاعلان حول البناء الجديد في شرقي القدس، وبيان وزير البناء والتخطيط اوري اريئيل حول نيته في السكن في سلوان، واغلاق الحرم مرتين في وجه المصلين – كل هذا أدى الى رد شعبي عنيف في الاردن وفي البرلمان الاردني. الاردن الذي يشعر أنه مهدد بسبب تقدم تنظيم الدولة الاسلامية، يحاول أن يتملص بين الرصاص – بين الحركات الاسلامية التي تزداد قوة وبين المصلحة الوطنية بالحفاظ على العلاقات الجيدة باسرائيل. في هذا الضغط الداخلي والذي هو غير جديد، لا يوجد للملك عبد الله خيارات كثيرة. وفي المقابل تم اخراج حركة الاخوان المسلمين في مصر خارج القانون، وهي تعتبر حركة ارهابية. أما في الاردن فيوجد للاخوان المسلمين مكانة قانونية وتأييد جماهيري لا يستهان به، وهي تتغذى على الاحداث في القدس.
لكن ازمة الحرم لا تؤثر فقط على المواطنين الاردنيين، لأن هناك مليون لاجيء فلسطيني معظمهم مسلمون والحكومة الاردنية تخشى من اندلاع المواجهات في أزقة المخيمات بسبب الامتعاض من الحكومة الاردنية. إن الاحتجاج الشرعي على ما يحدث في الحرم قد يجر معه كل من له تحفظات على السلطة.
إن تجاهل اسرائيل للغضب الاردني واتهام محمود عباس لن يعفي اسرائيل من النتائج السياسية المتوقعة للخطوة الاردنية اذا استمر الحرم في الاشتعال. قد يكون الاردن هو السنونو الاول الذي ستأتي في إثره السعودية ايضا التي ترى في نفسها وصية، ليس فقط على الاماكن المقدسة في مكة، بل ايضا على الاسلام السني كله. وبعد ذلك قد تكون مصر ودولا اخرى، ولا سيما تلك الدول التي تعتبرها اسرائيل حليفة في حربها ضد الارهاب وضد ايران.
هآرتس