مقالات مختارة

هل تسمح السعودية للحريري بمحاورة نصرالله؟ نبيل هيثم

 

انزاح عبء التمديد لمجلس النواب عن ظهر سعد الحريري واطمأن الى ان سيف الانتخابات النيابية قد رفع عنه وجنّبه خوض الامتحان الصعب، خصوصا في المناطق التي يتعرّض فيها وجوده السياسي والجماهيري للقضم من قبل مجموعات متشددة.

وصار في مقدور الحريري ان يتفرّغ، بكل عناية وهدوء، لسائر المهمات الكبرى، سواء الاستحقاق الرئاسي المركون على رصيف الازمات الداخلية والخارجية الى ان يقضي الله أمراً كان مفعولا، او الوضع الداخلي وكيفية مقاربة الضرورات والاولويات التي فرضتها محاولة المجموعات الارهابية التفشي في الجسم اللبناني، او المبادرات الحوارية التي يتم تقاذفها ما بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» وحسم مصيرها بجلوس جدي الى الطاولة او ابقائها مجرّد استعراضات خطابية.

لقد سبق للحريري ان اطلق قبل ايام بيانا اعلاميا بمضمون حواري هادئ، جهد الوزير نهاد المشنوق لرفع هذا البيان الى مستوى «مبادرة حوارية» تشمل الجميع، بمن فيهم «حزب الله». والحزب الذي كان يلاحَق بتمنيات من بعض حلفائه وأصدقائه للجلوس الى طاولة الحوار مع تيار «المستقبل»، تلقف «المبادرة الحريرية» ومدّ السيد حسن نصر الله يده للحوار مقرنا ذلك برسالة حسن نية مسبقة، تبدت في التنويه بدور التيار الأزرق في إطفاء فتيل أزمة طرابلس والشمال.

وإذا كان ثمة من يعتبر أن «مبادرة الحريري» الحوارية مجرّد كلام اعلامي استهلاكي لا اكثر، وأن تلقف نصر الله لها يصب في ذات المنحى الاعلامي الاستهلاكي، فإن «الموضوعية» لدى البعض تغلّب عندهم فرضية ان الطرفين محشوران، وما «مبادرة الحريري» الحوارية وما «ايجابية نصر الله» سوى اعلان صريح من قبلهما بأنهما في أمسّ الحاجة الى الحوار والتلاقي في هذا الظرف بالذات، في ظل الخطر الوجودي عليهما من المجموعات الارهابية.

ولأن الحذر واجب، حتى في ظل «الحشرة» التي يعيشها الطرفان، فإن اصحاب هذا الرأي يبقيان مبادرة الحريري وايجابية نصر الله مجرّد كلام حتى إشعار آخر وإلى ان يثبت العكس وتتحول النيات الى افعال. لكن في المقابل هناك من يسجل الملاحظات التالية:

ـ اي مبادرة حوارية من شأنها ان تعرّي تلقائيا المنطق الذي ينظر دائما للاستمرار بالمواجهة والتحدي والتوتير وتحت عناوين سياسية مصلحية ضيقة.

ـ ايجابية نصر الله جدية وليست استعراضية، فقد ابداها من على منصة عاشوراء. ومعروف كم لتلك المنصة من اهمية ورمزية في وجدان الحزب وجمهوره العريض.

ـ مبادرة نصر الله الى مد يد الحوار من شأنها ان تلقي حجرا كبيرا في المياه الراكدة بين «المستقبل» و«حزب الله»، لعلها تفتح لهما مدى للتلاقي المباشر ولو من موقع الخصومة والاختلاف السياسيين، وحتى لو لم يؤد ذلك الى اختراقات سياسية نوعية.

ـ ترجمة المبادرة الكلامية بالولوج الى قنوات حوارية جدية وصادقة ومنتجة بين «حزب الله» و«المستقبل»، حاجة ملحة للبلد بشكل عام ، فمن شأنها ان تفتح كوة كبيرة في اكثر من اتجاه حواري وينعكس على اكثر من ملف، ويفتح ايضا بابا لتنفيس الاحتقان الداخلي السائد، وبالدرجة الاولى تخفيف الاثمان التي يدفعها البلد، وبالتالي تحصينه وتعزيز قدرته على تحدي التكفير ومواجهته وهزيمته.

ـ «حزب الله» يربح بالحوار، لأنه قد يقفل حنفيات التحريض والهجوم اليومي عليه.

ـ الحريري اكثر الرابحين من اي حوار بينه وبين «حزب الله» على قاعدة التفاهم والتفهم الدقيق للوقائع الداخلية والاقليمية. ولعل الربح الاساس للحريري من حوار كهذا انه قد يوفر لحظة تعويم بعدما تعرضت زعامته للاهتزاز والتراجع امام تقدم المجموعات المتشددة.

عمليا، ألقى السيد نصر الله كرة الحوار في يد الحريري، فهل يتلقفها الأخير؟

هذا هو التحدي، يقول مطلعون، فهؤلاء يعتبرون ان مبادرة نصر الله تضع الحريري على منصة الاختبار، وقدرته الحقيقية على امتلاك قرار الاستجابة وملاقاة الامين العام لـ«حزب الله» قد لا تتوفر في ظل وجود مانع سعودي وعدم وجود قرار واضح لدى المملكة بالدفع في اتجاه الحوار مع «حزب الله» في هذه اللحظة بالذات التي تتسارع فيها التطورات الاقليمية.

في رأي هؤلاء ان الجمهور اللبناني، وعلى تنوع انتماءاته السياسية والمذهبية، متلهف لأي اختراق ايجابي مهما كان حجمه صغيرا لانه يعيش حالة رعب. السيد نصر الله قال انه جاهز للحوار فورا ومن موقع الاختلاف والتمسك بالثوابت، أما الحريري فرفضه الحوار يعني انه سيكون محرجا، ليس في تظهير الرفض، بل في كيفية اقناع الناس بهذا الرفض وما اذا كانت اسبابه موضوعية، ام جراء قرار سعودي يمنعه حتى الآن من الاقتراب من «حزب الله».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى