مقالات مختارة

تركيا والجوار والثقة المفقودة محمد نور الدين

 

منذ أن وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في العام 2002 لم ينقطع طوال السنوات التي تلت وحتى اليوم عن محاولة تقديم تركيا على أنها لاعب مؤسس في نظام إقليمي، بل إشعار العالم أنها دولة “عالمية” . ولقد سعت ذلك من خلال بعض الأدوات وفي مقدمها التنمية الاقتصادية وإدخال تركيا في قائمة الاقتصادات العشرين الأقوى في العالم .لكن إلى هنا تنتهي طريق تركيا الجديدة .

لقد أظهرت الأحداث في الشرق الأوسط خلال السنوات الثلاث والنصف الماضية أن تركيا تريد أن تكون دولة عالمية من خلال بسط نفوذها على كل المناطق المحيطة بها من البلقان إلى العالم العربي والقوقاز وآسيا الوسطى . ولكن ذلك لا يأتي لا بكبسة زر ولا من خلال اتباع سياسات أقل ما يقال إنها استعمارية تهدف إلى إلغاء الآخرين من عرب وفرس وأكراد .

لم تغادر ذهنية ما قبل سايكس – بيكو العقلية التركية الحالية . إذ في كل مناسبة كان مسؤولو الحزب يذكرون بمنطقة شمال سوريا وشمال العراق على أنها كانت جزءاً من خريطة الميثاق المللي (الوطني) التي أقرها البرلمان التركي الموروث من الدولة العثمانية في العام 1920 في اسطنبول وبموافقة من مؤسس تركيا الجمهورية لاحقاً مصطفى كمال أتاتورك .

العقل التركي واحد سواء بعلمانييه أو عسكرييه أو إسلامييه أو قومييه، كلهم يريدون العودة إلى تلك الخريطة التي تلحظ شمال العراق وسوريا ولا سيما حلب وجوارها جزءاً منها . غير أن إسلاميي حزب العدالة والتنمية تخطوا بأحلامهم وتطلعاتهم وبالتالي مطامعهم حدود “الميثاق المللي” وتطلعوا ليكون كل العالم العربي تحت هيمنتهم . ولم تكن خطتهم عصية على الفهم والكشف المبكر لها في مطلع ما سمي ب”الربيع العربي” .

فإسقاط سوريا والعراق ومن ثم إسقاط مصر ودول الخليج خلا واحدة، يمكن أن يوفر لتركيا الخطوة الأولى على الطريق حيث خطوتها الثانية كانت إحلال أنظمة إخوانية تابعة لها، وقد نجحت في ذلك لفترة وجيزة في مصر وتونس وحاولت ولا تزال أن توجد موطئ قدم لها في ليبيا واليمن . لكن المخطط لم يستطع أن يترجم نفسه على أرض الواقع، وانتهت المغامرة التركية في اصطدام سائق حافلتها بالأشجار المتناثرة على جانبي الطريق .

ظهور تنظيم “داعش” ومن ثم استيلاؤه على أجزاء واسعة من العراق، ثم تحوله إلى محاولة إسقاط المناطق الكردية في سوريا أعاد من جديد إحياء الأحلام بل الأوهام العثمانية . وها هو أحمد داوود أوغلو رئيس حكومة رجب طيب أردوغان يعلن أنه لا يمكن فصل مصير حلب عن قهرمان مراش ولا كوباني الكردية في سوريا عن سوروتش التركية وهلم جرا .

يتلو داوود أوغلو مزامير التكامل والاندماج بين تركيا والعرب والأتراك من جديد علّ أحداً يسمع بعدما كان هو وأردوغان عرّابي الانكسار في العلاقات العربية التركية، وبطلي انهيار محاولات إيجاد حل للمشكلة الكردية في تركيا . لقد عمل الجميع في كل العالم العربي على طي صفحة من الخلافات والشكوك والتوترات استغرقت تسعين عاماً . وعندما بدا أن بناء من الثقة قد ارتفع وبات من الممكن إقامة حوض واسع للتعاون بين العرب والأتراك وحتى الإيرانيين إذا بسياسات، أجمع الكل على أنها خاطئة، تهدم جدار الثقة الجديد، وتعيد بوصلة العلاقات تسعين سنة إلى الوراء . فمن يمكن له أن يعيد بناء جدار للثقة قبل مرور عقود من الآن وقبل أن يخرج حزب العدالة والتنمية من السلطة؟ إن أحداً لا يمكن له أن يثق في نجاح أي محاولة جديدة للتقارب في ظل بقاء الثنائي أردوغان- داوود أوغلو في السلطة .

الشرط الأول لبدء تدريجي لعودة العلاقات هو رحيل سلطة العدالة والتنمية لأنه حتى لو غيّر قادة الحزب سياستهم 360 درجة إيجاباً، فإن الثقة مفقودة ومكسورة .

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى