مقالات مختارة

إنهم يقننون تقاسم الأقصى… فماذا أنتم فاعلون؟ د. فايز رشيد

 

يعتزم الكنيست الصهيوني طرح مشروع قانون « تقاسم المسجد الأقصى» زمانيا ومكانيا مع المسلمين، للتصويت الشهر القادم، بعد أن استكملته لجنة الشؤون البرلمانية الداخلية فيه. بموجب القانون، يتم تحديد مواقيت او تخصيص أماكن للصلاة وأداء الشعائر الدينية بين اليهود والمسلمين، تماما مثلما فعلوا في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل.

مشروع القانون يحظر تنظيم الاحتجاجات والتظاهرات المضادة تحت طائلة العقوبة، في إشارة إلى الفلسطينيين. من ناحية ثانية، سيبحث الكنيست الإسرائيلي نزع الإشراف الديني الأردني على الأماكن الدينية في القدس، وهو إشراف مالي ورمزي قديم، وإخضاع كل الأماكن المقدسة إلى السيادة الإسرائيلية. اسرائيل تهدف من وراء القانون باقتسام الأقصى، المضي قدما في تهويد القدس والأقصى تمهيدا لردمه وإقامة « الهيكل المزعوم» في مكانه. تم استباق المشروع بحفر آلاف الأمتار من الانفاق تحت الأقصى، وردم معالم رئيسية إسلامية على جوانبه، والاستيلاء على أراض وبيوت من حوله، واقتحامات متتالية لساحاته تحت سمع وبصر قوات الاحتلال وبالتنسيق معها. مشروع القانون المنوي تقديمه إلى الكنيست ينص أيضا على أولاً: تحويل المسجد الأقصى إلى مقدس يهودي. ثانياً:إلحاق المسجد الأقصى بوزارة الأديان الإسرائيلية. ثالثا: فتح جميع أبواب المسجد الأقصى أمام اليهود والمستوطنين والمتطرفين. رابعا: تحويل 70٪ من ساحات المسجد الأقصى إلى ساحات عامة. اليهود كانوا يملكون في البلدة القديمة للقدس في عام 1948، 5 دونمات فقط، أما الآن فهم يمتلكون 200 دونم. يولي الكيان الصهيوني أهمية كبرى لمدينة القدس, فبعيْد احتلال الجزء الشرقي منها في 5 يونيو 1967وفي اليوم نفسه أقام الجنود الإسرائيليون حلقات الدبكة، وجاء المتطرفون للصلاة عند حائط البراق. كيف لا؟ وهم في صلواتهم ينشدون شعار»شُلّت يميني إن نسيتك يا أورشليم». مباشرة تم حل مجلسها البلدي وكافة هيئاتها, وقالت إسرائيل جملتها المشهورة: «القدس ستبقى العاصمة الموحدة والأبدية لإسرائيل». في 17 يونيو من العام نفسه أعلن الكيان الصهيوني»بدء تطبيق القانون الإسرائيلي على المدينة المقدسة، وفي 31 يوليو جاء قرار الكنيست بضم القدس إلى إسرائيل لتكون «عاصمته إلى الأبد». للعلم جرى احتلال الجزء الأكبر من القدس في عام 1948. منذ تلك اللحظة بدأت اسرائيل بتطوير عمليات تهويدها. حاول الكيان إحراق الأقصى في عام 1969على يدي الصهيوني الأسترالي دينيس مايكل، وقد ادعت اسرائيل جنونه واعادته مكرما إلى بلده، وما زال يعيش هناك، الحريق أتى على منبر صلاح الدين، المعلم الإسلامي التاريخي الجميل.

عملياً، بدأ تهويد القدس مع دخول القوات البريطانية إلى فلسطين في عام 1917. إذ قام المندوب السامي بتعيين مهندس بريطاني اسمه ماكلين، وكلفه بوضع هيكل مخطط تنظيمي للقدس, وخلال الفترة من 1922-1925 أقيم 11 حيا استيطانيا في ما اصطلح على تسميته في ما بعد «القدس الغربية». هذه أُقيمت على أملاك عربية تمت مصادرتها من قبل سلطات الانتداب، وتقديمها للمنظمات الصهيونية مثل أحياء «روميما» و«تلبيون» و«سان هادريا».

كانت مساحة مدينة القدس سنة 1931, 4800 دونم، وفي عام 1948 وقبيل إنشاء إسرائيل بلغت 20131 دونما. أما الآن فإن مساحة القدس الكبرى تبلغ 600 ألف دونم. التوسع الإسرائيلي في مدينة القدس الشرقية هو في الجهات الشرقية والشمالية والجنوبية (وليس الغربية) أي في الاتجاهات الشاملة للأراضي العربية الفلسطينية. بالمعنى الفعلي فإن المدينة المقدسة تعيش المرحلة الأخيرة من التهويد، وفعليا بعد عشر سنوات لن يتبقى منها أي ملامح عربية.

مؤخراً صدر قرار إسرائيلي بالاستيلاء على سطوح المحلات التجارية، وقرارات أخرى بتطبيق المنهج الإسرائيلي في المدارس العربية, وانتزاع الهويات من المقدسيين وإعطائهم بطاقات إقامة لمدة عشر سنوات (بهدف إلغاء مواطنتهم وتحويلهم إلى مقيمين).. لقد هُدمت أحياء في البلدة القديمة: حي المغاربة هدم وتحول إلى ساحة المبكى، كما جرى هدم حارة الشرف (وتحولت إلى حي استيطاني) إضافة إلى مصادرة عقارات كثيرة داخل البلدة. لقد بدأت إسرائيل بانتزاع حجارة من أسوار القدس القديمة واستبدالها بحجارة نقشوا عليها رموزا دينية يهودية لإثبات الحق التاريخي لليهود في فلسطين. إسرائيل تقيم قبورا وهمية في منطقة السلودحة في حي سلوان..الإسرائيليون يعملون وفقاً لحقيقة «من يمتلك القدس بالضرورة يمتلك كل فلسطين». انطلاقا من هذه الحقيقة فإن صلاح الدين الأيوبي وبعد انتصاره في معركة حطين في 4 يوليو 1187م، انتقل مباشرة إلى تحرير القدس, وكان ذلك في 2 أكتوبر عام 1187م ولم يذهب قبلها الى تحرير أي بقعة أخرى.

مؤخراً قامت إسرائيل بتمويل الاستيلاء على 70 عقاراً في البلدة القديمة من القدس و 40 عقارا في سلوان وغيرها. في إسرائيل جمعيات استيطانية كثيرة تعمل على تمويل المستوطنات وتتلقى الدعم الخارجي، وأشهرها «عطيرات كهانيم» و»شوفوبنيم» و»ألعاد» وغيرها. المشروع الأهم الذي تم تمويله قبل عدة أعوام هو بناء حي استيطاني في رأس العمود أطلق عليه اسم «معالييه هزيتيم»، وهو لا يبعد سوى 150 مترا هوائيا عن المسجد الأقصى, ويشتمل على 132 وحدة استيطانية، إضافة إلى تمويل بناء حي استيطاني في المكان ذاته سوف يحمل اسم «معاليه ديفيد»ويشتمل على بناء 104وحدات استيطانية سترتبط بمعالييه هزيتيم بجسر، ما سيرفع عدد المستوطنين في القدس الى200 عائلة إضافية (منيب أبو سعادة: منظمات أمريكية تمول الاستيطان مركز القدس 2009،9،12). في عام 1996 فإن المليونير اليهودي رينيرت والآخر موسكوفيتش قاما بتمويل وشق نفق البراق أسفل المسجد الأقصى (تصوروا المهمات السنوية للمليونيرات اليهود!). يرى غرشون غورينبرغ مؤلف كتاب «الإمبراطورية العرضية إسرائيل وولادة المستوطنات: «أن المالكين أمثال موسكوفيتش يريدون منع أي تسوية قد تؤدي إلى سلام في المنطقة»، في ما وصف موسكوفيتش أي تسوية بأنها تدهور نحو التنازلات والاستسلام و انتحار إسرائيل».. الأموال التي تصل إسرائيل على شكل تبرعات للاستيطان تبلغ سنوياً من 700 -800 مليون دولار سنوياً. من هذه المنظمات المتبرعة: «الصندوق الوطني اليهودي، الوكالة اليهودية في أمريكا، المنظمة الصهيونية العالمية، النداء اليهودي المتحد، النداء الإسرائيلي المتحد، أمريكيون من أجل إسرائيل آمنة، جمعية أصدقاء إسرائيل واحدة، وغيرها وغيرها». يزيد عدد المنظمات الصهيونية والصهيو مسيحية التي تقوم بتمويل المستوطنات ما يزيد على 1000 منظمة وجمعية. الأموال التي يجري تقديمها للاستيطان الإسرائيلي معفاة من الضرائب في أمريكا (المصدر السابق نفسه). هذا غيض من فيض من التمويل الصهيوني- الغربي للاستيطان في الضفة الغربية وتهويد القدس. نعم ضاع الجزء الأكبر من فلسطين في عام 1948 والعرب والمسلمون يتفرجون، وكذلك جرى احتلال الجزء المتبقي من فلسطين في عام 1967 وها هي القدس تضيع، ونحن نتفرج!.

الجانب الثاني من الصورة يتمثل في التقصير الفلسطيني والعربي والإسلامي والمسيحي إلى حد ما تجاه تهويد القدس والأقصى وقد بلغ ذروته. القدس تفقد عروبتها وتاريخها الإسلامي تدريجيا، للأسف هذا ما يحصل. التقصير الفلسطيني أن اتفاقيات أوسلو حظرت على السلطة تقديم أي مبالغ مالية للهيئات الرسمية المقدسية. التقصير العربي يتمثل في عدم الوفاء من قبل الدول العربية بالمبالغ التي تقررها لدعم القدس، ففي عام 2010 تقرر دعم القدس بمبلغ 500 مليون دولار سنوياً، وفي عام 2013 تقرر إنشاء صندوق لدعم المدينة بمبلغ مليار ونصف المليار دولار سنوياً، مجموع ما تم تقديمه من مبالغ 35 مليون دولار (أي ما نسبته 2.3٪ من المبلغ المقرر!). على الصعيد الإسلامي في أعقاب حريق المسجد الأقصى عام 1967, قررت قمة المؤتمر الإسلامي التي عقدت في المغرب إنشاء صندوق إسلامي لدعم القدس. الغريب أنه لم يعقد أي اجتماع لهذا الصندوق منذ أكثرمن خمسة عشر عاماً، وبالتالي لم يقدم الصندوق أي دعم مالي للقدس. تكتفي السلطة الفلسطينية والدول العربية والإسلامية بإصدار بيانات الشجب والاستنكار لما تقوم به إسرائيل في القدس، وكفى الله المؤمنين شر القتال!.على المستوى الشعبي العربي هناك أيضاً تقصير واضح, باستثناء الندوات والمؤتمرات وغيرها. هناك جمعيات داعمة للقدس في الدول العربية، ولكن ما تفعله قليل بالنسبة للاحتياجات, إذ يظل الدعم المالي محدودا من هذه الجمعيات: مؤسسة القدس القديمة يصل دعمها إلى 10 ملايين دولار في السنة. مؤسسة التعاون تركز على بعض أعمال الترميم في البلدة القديمة. بيت مال القدس. عشر جمعيات أو أكثر في الأردن معظمها لا يقدم الدعم المالي، باستثناء جمعية حماية القدس الشريف، وقد قامت بترميم عدد من البيوت في المدينة، جمعية لجنة يوم القدس (تقدم 25 ألف دينار سنويا). اللجنة الشعبية الأردنية لنصرة القدس وحق العودة.

هذه الصورة قدمناها ونسوقها من دون تعليق! إلا من تعريف وتذكير العرب والمسلمين بما يجري، فماذا أنتم فاعلون؟ سؤال نطرحه برسم الإجابة عليه من كل عربي ومسلم… ألا تتفقون معي؟

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى