مقالات مختارة

مشهد أردوغان في “القصر الأبيض” محمد نورالدين

 

أراد رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان أن يكون الاحتفال بالذكرى الواحدة والتسعين لإعلان الجمهورية في العام 1923 مختلفاً بالكامل، حتى من حيث الشكل عن الأعوام السابقة، بل عن الأعوام التي سبقت وصول “حزب العدالة والتنمية” إلى السلطة في العام 2002.

ولعل نقطة التحول في المشروع الأردوغاني لطي صفحة الجمهورية، كان في استفتاء العام 2010 مع إقرار تعديلات دستورية في استفتاء شعبي، قلمت مخالب المؤسسة العسكرية وأنهت أي أسس قانونية للتدخل في الحياة السياسية، فأزال بذلك العقبة الأساسية أمام الشروع بتعديل النظام العلماني تمهيداً لطيّه وإقامة نظام له طابع ديني.

ولقد أراد أردوغان أن يكون وصوله إلى رئاسة الجمهورية إيذاناً ببدء مرحلة العد العكسي لدفن الجمهورية الأتاتوركية، بحيث لا تأتي الذكرى المئوية لإعلان الجمهورية إلا ويكون أتاتورك مجرد ذكرى عابرة في سماء الأناضول.

وفي هذه المناسبة، حفلت الصحف التركية بالتعليقات المختلفة التي تحذر من خطر القضاء على العلمانية والتفريط بالإنجازات التي تحققت خلال العقود الماضية.

وبطبيعة الحال، كانت رغبة أردوغان في مغادرة قصر تشانقايا واستبداله بقصر جديد سمّي بـ”قصر رئاسة الجمهورية” أو “القصر الرئاسي”، الإشارة الأكبر إلى التحول والانتقال من نظام إلى نظام. مع الإشارة إلى أن الاسم الجديد للقصر كان قد تقرر بـ”القصر الأبيض” (آق سراي) تماهياً مع الاسم المختصر لـ”حزب العدالة والتنمية” (آق بارتي).

غير أن الاسم وُوجه بانتقادات واستهزاء ومقارنة مع اسم “البيت الأبيض” الأميركي، وما كان من أردوغان شخصياً إلا أن أمر بإطلاق اسم “قصر رئاسة الجمهورية” على المبنى الجديد قبل وقت قليل من حلول منتصف ليل الثلاثاء الأربعاء. وقد وصفت صحيفة “جمهورييت” العلمانية المعارضة لأردوغان القصر بأنه “تهريب” لأنه أقيم من دون ترخيص على أرض خاصة بمزرعة اتاتورك، وأمرت المحكمة بوقف البناء بعد المباشرة به بقليل، لكن أحداً لم يستجب، واستمر بناء القصر حتى خرج كما هو عليه.

ومع أن حادثة منجم قرمان الذي تسربت إليه المياه وحاصرت 18 عاملاً مهددين في حياتهم، كانت سبباً في إلغاء حفل الاستقبال في القصر الجديد لمناسبة عيد الجمهورية، غير أن مقاطعة كل أحزاب المعارضة لعبت دوراً في الإلغاء حتى لا يبدو الحفل في القصر الضخم هزيلاً.

وسخر الكاتب جنكيز تشاندار في صحيفة “راديكال” من تشييد المبنى الرئاسي الجديد، مشبهاً إياه بقصر الزعيم الروماني الراحل نيقولاي تشاوشيسكو في بوخارست.

وقال تشاندار إن “التشابه المعماري بين القصر الأبيض الذي سينتقل اردوغان إليه اليوم وبين قصر تشاوشيسكو في بوخارست لا يعطي رسائل خير من زاوية الهوية السياسية لتركيا الجديدة أو للنظام في تركيا”.

وأضاف: “يقول البعض إن هندسة القصر الجديد خليط من العثمانية والسلجوقية. لكن الحقيقة انها هندسة هجينة لا تمت بصلة لهما وهي تهدف بهندستها العودة إلى ما قبل قصر تشانقايا مقر أتاتورك وخلفائه، وإلغاء المرجعية الأتاتوركية. هندسة القصر الجديد تعكس بشكل واضح خصائص الأنظمة التوتاليتارية التي يمكن رؤيتها في القصور الرئاسية التي بناها موسوليني وهتلر وفي الأنظمة الشيوعية”.

وأشار الكاتب إلى أن “الأقرب إلى القصر الجديد في أنقرة كان نموذج قصر تشاوشيسكو في بوخارست الذي أطيح به قبل أن يتسنى له الانتقال إليه. كان القصر رمزاً لقصر الحاكم الأوحد. اليوم تنتقل تركيا من عصر قصر تشانقايا والعروض الراقصة الى القصر الأبيض والنخبة المتسترة”.

وتحت عنوان “النفور من الجمهورية”، كتبت مهويش ايفين في صحيفة “ميللييت” أنه “لو أننا نستطيع أن نحتفل بفخر وحب وأمل بذكرى تأسيس الجمهورية. لكن الجمهورية باتت بعيدة عن مبادئ العلمانية ووحدة الأرض والشعب والقانون. لم يبق إنسان سعيداً في الجمهورية. الأقليات في موضع الاتهام والإسلاميون المحافظون لم يتقبلوا يوماً ثورة أتاتورك ولا إلغاء الخلافة. ما زلنا ندار بدستور العسكريين وسياستنا تجاه سوريا أدخلت الجمهورية في اصطفافات خطيرة”.

وأضافت الكاتبة أنه “لم يعد هناك محافظون حديثون بل جيل متدين عدوه الأول النساء والرقص وعروض الأزياء. جيل يعيش خيالات العثمانية الجديدة ويضع البلاد على مسافة رمق من حرب أهلية”.

من جهته، كتب مصطفى أونال في صحيفة “زمان” إن “مغامرات الاتحاد والترقي انتهت إلى انهيار الإمبراطورية في الحرب العالمية الأولى. وعلى أنقاضها أقام أتاتورك الجمهورية. قال أتاتورك إن الجمهور هو الأساس وليس الخليفة. ولكن إذا نظرنا اليوم إلى البلاد نجد أنها جمهورية ناقصة، جمهورية ينقصها الجمهور نفسه وتدار بالمزاج الشخصي وعقلية الثأر. حتى رئيس الجمهورية السابق أحمد نجدت سيزير لم يُدعَ إلى الاحتفال، فضلاً عن صحف مختلفة ومنها صحيفة زمان. الجمهور قلق والجمهورية ناقصة. لذا يوجد اسم للعيد لكن العيد نفسه غير موجود”.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى