مقالات مختارة

فوز نداء تونس حميدي العبدالله

 

النتائج النهائية لأول انتخابات تشريعية بعد خلع الرئيس التونسي زين العابدين بن علي عام 2011 أنهت سيطرة حزب النهضة وهو الجناح التونسي لجماعة «الإخوان المسلمين» على الحكومة التونسية، وفاز في المرتبة الأولى حزب «نداء تونس»، وهذا الحزب هو امتداد للحزب الذي حكم تونس منذ الاستقلال وحتى الآن، وتناوب على زعامته الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.

وأظهرت النتائج فارقاً كبيراً بين ما حصل عليه حزب «نداء تونس» وبين ما حصلت عليه حركة النهضة، وهذا الفارق الذي يتجاوز 8 نقاط يوضح حدود شعبية حركة النهضة في تونس التي لم تحصل إلا على نسبة 31 من أصوات الناخبين، أي أقل من ثلث الأصوات، ومستوى التأييد الذي لا يزال يحظى به الحزب الذي يشكل امتداداً لحزب الحبيب بورقية وزين العابدين بن علي، فما هي الأسباب التي أدّت إلى هذه النتيجة؟

لا شك أنّ هناك أسباباً جوهرية كان لها تأثير كبير على آراء الناخبين، وهي التي صاغت النتائج في انتخابات لا يمكن الطعن بنـزاهتها، وهذا ما أقرّت به حركة النهضة ذاتها، عندما اعترفت بأنها حلت في المرتبة الثانية بعد «نداء تونس».

السبب الأول، تجربة حكم النهضة وشركائها في تونس. فهذه التجربة لم تكن مبشرة ولم تحمل للشعب التونسي أيّ أمل بتحسين أوضاعه، بل يمكن الاستنتاج ببساطة ووضوح أنّ الوضع في تونس في ظلّ حكم حزب النهضة شكل خطوة إلى الوراء بالمقارنة مع ما كان عليه الحال في عهد الرئيس زين العابدين بن علي رغم كلّ ما صاحب حكمه من انحرافات وفساد وتسلط، فالفوضى والإرهاب وتقهقر الاقتصاد ووصاية دولة قطر كانت السّمات التي ميّزت الوضع في تونس طيلة حكم حزب النهضة والترويكا التي شاركته في الحكم، كما أنّ حالةً من اللااستقرار السياسي سادت طيلة السنوات الأربع الماضية، وبديهي أنه في ظلّ مثل هذه الحصيلة من الصعب على غالبية الشعب التونسي التي تجدّد الولاء لهذه المجموعة التي حكمت تونس في السنوات الأربع الماضية، وسواء كان حزب «نداء تونس» موجوداً أم لا، فإنه من المستحيل أن يعيد الشعب التونسي انتخاب مجموعة فشلت في إدارة تونس على نحو رشيد يرقى حتى إلى مستوى حكم زين العابدين بن علي.

السبب الثاني، لا شك أنّ جهاز الدولة كان أقرب إلى حزب «نداء تونس» منه إلى حركة النهضة وشركائها، فهذا الجهاز نما وترعرع في عهد حزب «نداء تونس» وهناك تداخل مصالح مشتركة بينه وبين الجهات التي تمثل القاعدة الاجتماعية والاقتصادية لهذا الحزب، ومن الطبيعي أن يدعم جهاز الدولة، بما له من تأثير حزب «نداء تونس»، وهذا ما كان.

السبب الثالث، إذا كان حزب النهضة وشركاؤه يحظون بدعم قطر وتركيا، فإنّ القوى المناهضة لهم، وتحديداً حزب «نداء تونس» تحظى بدعم من مصر والسعودية والإمارات ودول عديدة لا تريد لجماعة «الإخوان المسلمين»أن تستمرّ على رأس الحكم في تونس، وبديهي أنّ توازن الدعم الخارجي للنهضة ولنداء تونس أسقط التفوّق المحتمل للنهضة عندما كان الدعم الخارجي يصبّ حصرياً في مصلحتها.

في ظلّ مثل هذه الظروف والمعطيات كان من الطبيعي أن يحقق حزب نداء تونس هذه النتائج.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى