مقالات مختارة

فتنمة الحرب لحماية ما بعد الجليل! محمد صادق الحسيني

 

بتاريخ 7/8/1964 اقر الكونغرس الامريكي ما عرف يومها بقرار دونكين وهو قرار يمنح الرئيس الامريكي «حق الرد على اي اعتداء على القوات الامريكية في فيتنام …»

وقد حصل هذا بعد حادث خليج دونكين الشهير الذي وقع بتاريخ 31/7/1964 عندما ارسلت ادارة الرئيس ليندون جونسون البارجة الحربية uss maddox للتجسس الاليكتروني على تحركات قوات فيتنام الشمالية دفاعا عن مصالح الغرب والولايات المتحدة في فيتنام الجنوبية في سياق تطور تورطها في الحرب الفيتنامية بعد هزيمة فرنسا والغرب في اخضاع حكومة هانوي.

يومها كانت فيتنام الشمالية قد ارسلت زورقين حربيين اقتربا من البارجة الامريكية كثيرا ما دفع الاخيرة بقصف احدهما واغراقه بحجة انه حاول الاعتداء على البارجة الامر الذي دفع الكونغرس الامريكي الى تفويض الرئيس « باتخاذ ما يراه مناسبا للدفاع عن القوات الامريكية».

وهو ما اعتبر بديلا عن اعلان الحرب رسميا على حكومة هانوي.

طبعا يومها فكرت حكومة هانوي بان الامريكيين بصدد غزو فيتنام الشمالية بقوات برية بعد ان تطور الامر في شباط 1965 بشن ادارة جونسون غارات جوية مكثفة على المواقع الفيتنامية الشمالية وتكثيف الطيران الامريكي من قصفه لها و طلعاته المتواصلة في سماء الفيتنام.

في الوقت الذي تبين فيما بعد ان واشنطن لم تكن تريد ابدا انزال قوات برية فوق اراضي فيتنام الشمالية بل كل ما كان يهمها هو المحافظة على حكومة سايغون واقفة على قدميها ومنع الفيتكونغ من الاطاحة بدويلة فيتنام الجنوبية العميلة لواشنطن والذريعة درما المصالح الامريكية المقدسة البتة!

يومها ايضا دعت الولايات المتحدة الى تحالف دولي ضد الارهاب الذي كانت تراه متمثلا في الفيتناميين الشماليين وثوار الفيتكونغ وسمته في حينها مشروع او برنامج « الاعلام او الرايات المتعددة»!

في الواقع كانت الخطة الامريكية السرية يومها والتي لم تكشف مبكرا لكن عرفت فيما بعد بخطة « فتنمة الحرب»!

اي اشغال الفيتناميين بالفيتناميين واستنزاف القوات الفيتنامية الشمالية وتدمير البنى التحتية لحكومة هانوي ومحاصرة النفوذين الصيني والسوفياتي وصد محاولة توسع هذا النفوذ الى الدول المجاورة مثل كمبوديا ولاوس وو.

استحضار هذا الدرس الفيتنامي اليوم هام للغاية لكل متتبع لما يجري في العراق وسوريا على خلفية التحالف الدولي ضد داعش او ضد الارهاب!!

فادارة اوباما لمن لم ينتبه لما حصل منذ الثالث من ايلول/ سبتمبر العام الفائت كانت قد تجرعت كأس السم الاولى على بوابات الشام، اذ انها ليس فقط تراجعت عن عدوانها بل انها اضطرت للقبول بالنفوذين الروسي والايراني على ضفاف شرق المتوسط كلاعبين اساسيين!

وادارة اوباما اضطرت لتجرع كأس السم الثانية على اسوار غزة ومعها شرب السم هذه المرة حكام تل ابيب وفي مقدمهم نتنياهو.

وادارة اوباما ومعها بريطانيا و اسرائيل اضطروا كذلك مجتمعين ليشربوا كأس السم الثالثة على تخوم بغداد.

لكن احساسهم بخطر اقتراب النيران من تل ابيب واحتمال تحقق سيناريو تحرير الجليل من جهة، ووصول سكين وحشهم الكاسر الذي سمنه لاستنزاف محور المقاومة اي «داعش» الى اربيل دفعهم للاسراع في تشكيل حلف بغداد الجديد، الحلف الذي ستكون مهمته الاساسية «فتنمة الحرب» على العراق وعلى سوريا وعند الضرورة توسيع نطاقها لايران الجمهورية الاسلامية.

ومن ثم فان «فتنمة الحرب» على محور المقاومة ستعني في الحالة التي نحن نعيشها الان خوض حرب استنزاف ضد القوة السورية والقوة العراقية وتاليا وايضا مفاوضة الروس والايرانيين تحت نار الفتنمة او الاقلمة للحرب على سوريا والعراق.

هي الحرب المفتوحة اذن والتي تستخدم فيها داعش ذريعة للتوغل في اي جغرافية يريدون واعلان الحرب على اي بلد يقررون دون دفع ضريبة اعلان الحرب الرسمية ولا فاتورة اختراق هذه الجغرافيا او تلك!

وتوسعة رقعتها عند الضرورة لتصل الى اوكرانيا وهونغ كونغ.

وتضييقها اذا ما تطلب الامر العودة الى جنيف الايرانية او جنيف السورية او اتفاق الدعم والشراكة الامنية مع حكومة بغداد.

ان تدريب قوات ما يسمى بالمعارضة المعتدلة في كل من السعودية والاردن وتركيا ما هو الا جزء عضوي من هذا المخطط، ودخول العدو الصهيوني المتصاعد على خط الازمة هو الاخر الجزء المكمل لصورة فيتنام الجنوبية المهترئة والتي لم تعد قادرة على الدفاع عن امن مستوطنيها فضلا عن قواتها ناهيك عن خوض حروب جديدة ضد العرب.

انها حرب هوليودية مجنونة يرى المتتبعون والدارسون لحرب الفتنمة الاصلية بانها ليس فقط لن تتمكن من استعادة النفوذ الامريكي المهدور على بوابات الشام والوطن العربي، بل ولن يؤدي لحفظ او تدعيم اي من «دفاعات» فيتنام الجنوبية الاسرائيلية التي باتت ليس فقط تحت نار رجال الله اللبنانيين برا وبحرا وجوا، بل ان تحرير «سايغون» الاسرائيلية بات متاحا اكثر في ظل تخبط الادارة الامريكية الغارقة حتى اذنيها في محاكاة تجربة ليندون جونسون الجمهورية.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى