مقالات مختارة

نقاط قوة أردوغان وضعفه حميدي العبدالله

 

يتساءل كثير من المحللين والمتابعين للشأن التركي عن الأسباب التي أدت إلى استمرار تفوّق حزب العدالة والتنمية في تركيا بزعامة الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان على منافسيه من أحزاب المعارضة، على الرغم من أنّ هذا الحزب انقلب على السياسات التي أمّنت له الشعبية التي مكّنته من الفوز في الانتخابات التشريعية الأولى في عام 2002 ، إذ كان جوهر سياسات حزب العدالة والتنمية يقوم على تجاوز الخصومات الحالية والتاريخية مع جيران تركيا، والتي عرفت على نطاق واسع بشعار «صفر مشاكل مع دول الجوار» إضافة إلى نجاحه في تخطي الأزمات التي كانت تعصف بالاقتصاد التركي.

وعلى الرغم من أنّ هذه كانت أبرز الأسباب التي قادت إلى وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم ونجاحه في ثلاث دورات انتخابية، إلا أنّ الحزب انقلب عليها في السنوات الأربع الماضية، حيث تحوّل شعار صفر مشاكل مع دول الجوار إلى صفر أصدقاء، وتدنّت معدلات النمو الاقتصادي، وتراجعت الأسهم في البورصة، وهوت الليرة التركية أمام العملات الصعبة، ولكن ذلك لم يقد إلى أي تراجع في شعبية حزب العدالة والتنمية ومستوى التأييد له الذي مكّنه من الفوز في الانتخابات البلدية والرئاسية هذا العام، فما هي العوامل التي أدّت إلى هذه النتيجة والتي تشكل نقاط قوة الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية؟

عاملان أساسيان قادا إلى هذه النتيجة:

العامل الأول، طبيعة منافسي حزب العدالة والتنمية، فهؤلاء المنافسون يتوزعون على أربع جهات، الجهة الأولى جماعة فتح الله غولين، ولكن هذه الجماعة متهمة بعمالتها وارتباطها بالولايات المتحدة، ومعروف أنّ الرأي العام في تركيا في غالبيته الساحقة يعادي الولايات المتحدة، كان هذا في ظلّ حكم العسكر والعلمانيين، واستمرّ في ظلّ حكم حزب العدالة والتنمية، حيث لا تزال استطلاعات الرأي تشير إلى أنّ أكثر من 70 من الأتراك يعارضون السياسات الأميركية، وبديهي أنّ كلّ جهة تُتهم بأنها عميلة أو مرتبطة بالولايات المتحدة سوف تخسر التأييد الشعبي. الجماعة الثانية الأحزاب الكردية التي تؤيد حزب العمال الكردستاني، وبديهي الاستنتاج أنّ الغالبية التركية، باستثناء الأكراد، تعادي هذه الجماعة وترفض مبدأ التعاون معها، ناهيك عن التصويت لها. الجماعتان الأخريان هما حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية، وهذان الحزبان شريكان في حكم تركيا على امتداد عقود طويلة وشركاء للمؤسسة العسكرية، وتجربتهما في الحكم مقترنة بالفساد والقمع، وبديهي أنّ الغالبية لا تريد أن تهرب من رمضاء حزب العدالة والتنمية إلى نار هذين الحزبين اللذين خبرهما جيداً الشعب التركي. هذا العامل أساسي ومهم في بقاء شعبية حزب العدالة والتنمية وأردوغان من دون أي تغيير رغم انقلابهما على الشعارات التي جاءت بهما إلى الحكم.

العامل الثاني، البعد الديني، إذ من المعروف أن حزب العدالة والتنمية ذو خلفية دينية، وهو جزء من جماعة «الإخوان المسلمين» العالمية، وتجربة العلمانية في تركيا المقترنة بالفساد والديكتاتورية والقمع في ظلّ هيمنة المؤسسة العسكرية، ولّدت ميْلاً قوياً باتجاه تأييد الأحزاب ذات الخلفية الإسلامية، ولهذا فإنّ تأييد الأكثرية أو شريحة من المجتمع تتجاوز 40 من الأتراك يعبّر عن رفض هذه الشريحة للعلمانية لارتباطها بالفساد والديكتاتورية وليس دعماً لحزب العدالة والتنمية، ولكن بما أنّ أردوغان وحزبه هو الحزب الوحيد ذو الخلفية الدينية، فإنه حاز على تأييد هذه الشريحة.

لكن عوامل قوة أردوغان ولا سيما العامل الثاني، هو نقطة ضعفه الأساسية التي قد تقود عاجلاً أو آجلاً إلى وضع نهاية لحكم هذا الحزب وزعامة رجب طيّب أردوغان، فالسياسة المذهبية تقود إلى نفور ثلاث شرائح هامة من شرائح المجتمع التركي، العلمانيين، وأتباع المذاهب الإسلامية الأخرى، والمناهضين من الإسلاميين لجماعة الإخوان المسلمين، وبديهي أنّ تضافر هذه العوامل مع عوامل تنكّر حزب العدالة والتنمية للشعارات التي جاءت به إلى الحكم، وهي «صفر مشاكل مع دول الجوار» والتنمية الاقتصادية ستقود لا محالة إلى إنهاء حكم حزب أردوغان إما بثورة شعبية، أو انقلاب عسكري على غرار الانقلاب الذي أطاح بعدنان مندريس المثل الأعلى لأردوغان.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى