تبادل «ساخن» للرسائل مع الجيش: هكذا حاول «المستقبل» منع «العمليّة الاستباقيّة»..؟؟ ابراهيم ناصرالدين
طبعا «الفلكلور» الوطني اللبناني يحتم على كافة القوى السياسية» الوازنة» الوقوف وراء الجيش في معركته ضد الارهابيين، لكن هل ما تنطق به «الالسن» يتطابق مع ما هو موجود في «القلوب» «والعقول»؟ الجواب هو النفي طبعا، وتيار المستقبل هو الحالة الاكثر تعبيرا عن هذه «الازدواجية» في المواقف الناتجة عن حالة الارتباك الجدية في قياس الخسائر والارباح.
هذه الخلاصة لاوساط قيادية في 8 آذار، تشير الى ان الازمة الحقيقية لدى «التيار الازرق» يمكن اختصارها بمعادلة بسيطة ترتبط بوحدة قياس وحيدة تضعها قيادة هذا التيار ورعاتها الاقليميين لقياس الارباح والخسائر، حزب الله، فما يفيده خسارة وما يضره ربح، وهكذا فان كل التطورات الامنية والعسكرية خلال الساعات القليلة الماضية تسجل في خانة ارباح الحزب وهي بطبيعة الحال خسائر تلقائية «للتيار الازرق». كيف ذلك؟
انطلاقا من كون النائب خالد الضاهر الاكثر تصالحا مع نفسه، تضيف الاوساط، والاقل كذبا على الاخرين ضمن فريقه السياسي، فمن الواضح ان ما يقوله علنا من اتهامات للجيش اللبناني بانه يخوض حربا نيابة عن حزب الله ويعمل وفق اجندة ايرانية ضد «اهل السنة»، يمثل قناعة غالبية زملائه الذين يقولون عكس ما يعتقدون، ولذلك فان ما يجري اليوم من مواجهة مفتوحة بين الجيش والارهابيين له حسابات مختلفة عن تيار المستقبل بعيدا عن كل التصريحات العلنية المؤيدة للمؤسسة العسكرية. ولكن هل ثمة افتراء بهذه الخلاصة؟
تجيب تلك الاوساط بالنفي، وتؤكد ان المعطيات والوقائع تشير الى ان تيار المستقبل لم يكن راغبا بان يقوم الجيش بهذه العملية العسكرية في هذا التوقيت، فهذه هي المرة الاولى منذ سنوات التي يبادر فيها الجيش الى شن عملية استباقية واسعة ولا يكون تحركه مجرد رد فعل على اعتداءات المسلحين كما حصل في الضنية ونهر البارد وعبرا وعرسال مؤخرا، وقد سبق انطلاق هذه المواجهات مؤشرات دالة على المحاولات المضنية التي مورست على الجيش لثنيه عن المبادرة وضرب المجموعات الارهابية.
ووفقا لمعلومات تلك الاوساط، فان قيادة الجيش فهمت «رسالة» وزير الداخلية نهاد المشنوق العلنية ، لكنها لم تكترث بها، ومضت بتنفيذ الخطط العملانية الموضوعة لمواجهة الارهابيين، فوزير الداخلية عندما انتقد مديرية المخابرات لعدم تعاونها في استكمال الخطة الامنية في البقاع، لم يكن يعني ذلك، بل كان يصوب على عدم «تعاون» المؤسسة العسكرية في منطقة الشمال بشكل عام ومدينة طرابلس على وجه الخصوص، فتيار المستقبل يريد «ضبط» اي تحرك على المستوى الامني على «ساعة» مصالحه، واذا كانت المجموعات التكفيرية لا تخضع لسلطته وتتناقض مع «شعار» «الاعتدال» المرفوع من قبله، الا ان الرغبة في التوظيف السياسي لهذه «الورقة» تفسر رغبة «التيار الازرق» في ضبط هذا الملف على الايقاع الذي يناسبه في الشارع السني وفي مواجهة حزب الله. لكن تبين ان للجيش حسابات وطنية مختلفة.
هذه الحسابات ترتبط بحجم المخاطر الامنية المحدقة، ووزيرا الداخلية والعدل ادركا بحكم مسؤولياتهما تقول الاوساط ان ثمة تحضيرات لوجستية وامنية يقوم بها الجيش للبدء بعملية عسكرية واسعة للقضاء على البؤر الارهابية في الشمال بعد ان بلغ انتشار هؤلاء في طرابلس ومنطقة عكار حدودا غير مسبوقة، وباتت المنطقة «قاب قوسين» او ادنى من الخروج عن السيطرة. هذا الامر استدعى استنفارا سياسيا على اعلى المستويات داخل تيار المستقبل، وجاءت الترجمة العملية عبر وزيري الداخلية والعدل، الاول اطلق خطابه الشهير منتقدا اداء استخبارات الجيش اللبناني والمؤسسة العسكرية في ملف لا يحتل الاولوية الامنية في البلاد، محاولا «ترويض» المؤسسة العسكرية وتنبيهها الى انها قد لا تحظى بالتغطية المطلوبة اذا ما اصرت على الذهاب بعيدا في اي عملية عسكرية لا تراعي فيها «مصالح» تياره السياسي كممثل «شرعي ووحيد» للشارع السني في لبنان، «ولسان حاله» يقول انه كما تنسقون مع حزب الله في مناطق نفوذه عليكم التنسيق معنا في مناطق نفوذنا.
وبحسب تلك الاوساط، فان حالة «الغضب المكبوت» لدى تيار المستقبل من الجيش، بلغت ذروتها بعد ان خرج قائد الجيش عن صمته ووجه «رسالة» واضحة الى من يعنيهم الامر تفيد برفضه كل الضغوط التي تمارس على الجيش لمنعه من التحرك، فهو من خلال التصريحات الاعلامية «غير المسبوقة» والمتتالية اراد ان يخرج الى العلن جزءا من النقاشات التي كانت تدور «همسا» وبعيدا عن الاضواء في محاولة منه لكسر «القيود» التي تحاول بعض الاطراف السياسية «تكبيل» الجيش بها، فوضع على الطاولة كل المخاطر وسمى الامور باسمائها وقال صراحة «ان ثمة خلايا نائمة لتنظيم «داعش» في طرابلس وعكار، وذهب الى ابعد من ذلك عندما تحدث صراحة عن دعم يحظى به هذا التنظيم من بعض القوى في الطائفة السنية، محذراً من امكان اشعال حرب أهلية في لبنان، خصوصاً بين السنة والشيعة في ظل تخطيط المجموعات الارهابية لإقامة ممر آمن الى البحرعبر ربط جبال القلمون في سوريا بعرسال، ومن ثم بمنطقة عكار وأخيرا في الشمال».
بعد هذا الكلام فهم «تيار المستقبل» ان قائد الجيش اتخذ قرارا بالمضي قدما بحسم المواجهة، فما يتعرض له الجيش لم يعد يسمح بالتوقف عند «الترف» السياسي لبعض القوى التي لم تقتنع بعد ان البلاد تغرق؟ وهو حدد بوضوح على حدّ قول الاوساط اهمية الاسراع في التحرك لمنع الفتنة السنية الشيعية في البلاد، وكان واضحا انه لن يوافق على اي تسويات مرحلية تؤدي الى وضع ملف المجموعات الارهابية على «الرف» لاستخدامها لاحقا في «مقايضات» سياسية داخلية، وعندما تحدث عن الممر البحري الامن الذي تسعى «داعش» للوصول اليه، كان يريد افهام «المعترضين» او المطالبين بالتريث، ان ضرب مشروع هؤلاء يحظى بغطاء دولي من قبل دول مؤثرة لن تقبل ابدا بوصول تلك المجموعات الى البحر المتوسط. طبعا لم تتراجع القيادات المستقبلية عن سياسة «التشكيك» «والتوهين» في عمل المؤسسة العسكرية حتى بعد انطلاق المواجهات، وعلى عكس المواقف المعلنة، ففي الساعات الاولى لعملية استخبارات الجيش الناجحة في بلدة عاصون وصلت عدة تساؤلات «بلهاء» من قبل بعض هؤلاء الى قيادة الجيش ومنها هل ان «الصيد الثمين» الذي تتحدثون عنه من خلال القضاء على خلية الميقاتي كان في توقيته مرتبط بزمن سابق لخطاب الوزير المشنوق؟ أم إنها جاءت لتوظف رداً على الخطاب؟
هذه المحاولات لاضعاف موقف الجيش لن تتوقف، تؤكد الاوساط، لكن في الحروب «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، المؤسسة العسكرية وضعت المشككين بها في موقف صعب، فهم مضطرون الى دعمها رغم الخسائر المحققة، لم يكن لرفض «المستقبل» لعب دور «الصحوات» اي تأثير يذكر فالجيش اثبت انه يملك من القوة الذاتية والدعم «غير المنظور» ما يؤهله خوض هذه المواجهة دون انتظار حسم «المترددين» لخياراتهم، لكن يبقى الحذر مطلوبا من تهديد «المستقبل بخيارات «انتحارية» تعيد رسم «خطوط حمراء» امام الجيش اذا ما توسعت رقعة المواجهات وشملت بعض القوى والمناطق التي لا يتحمل «التيار الازرق» خسارتها؟؟؟
(الديار)