مقالات مختارة

مخاطر تطوير اسلحة تهدد الاقمار الاصطناعية د.منذر سليمان

 

عسكرة الفضاء

     يطلق الخبراء العسكريون توصيف “عصر حرب الفضاء،” او عسكرة الفضاء، على الزمن الراهن الذي يشهد سباقا تقنيا بالوسائل العسكرية لتطويع الفضاء الخارجي في خدمة التفوق الميداني، الاميركي تحديدا .

السباق بين واشنطن وموسكو لتأهيل الفضاء باقمار اصطناعية متعددة الاهداف والقدرات يجري على قدم وساق منذ عهد الاتحاد السوفييتي، وترهل بعض الشيء عقب انهيار الدولة السوفياتية، واستعاد زخمه في السنوات الاخيرة.

دقت واشنطن ناقوس الخطر مؤخرا من نجاح موسكو استبدال منظومتها القديمة، ايه 135 امور، بمنظمومة متطورة من طراز ايه 235 نودول، لحماية اجواء العاصمة الروسية، والذي يعمل على مرحلتين: الاولى تطلق صواريخ مجهزة برؤوس حربية تقليدية، والثانية لصواريخ تحمل رؤوسا نووية. من خصائص النظام المذكور القدرة على اسقاط صواريخ باليستية معادية في مرحلة تحليقها في الفضاء الخارجي. اما الخصائص الاخرى للنظام تبقى مجهولة ومحط تكهن، لا سيما بعد نشر منظومة صواريخ دفاعية من طراز اس-500 واندماج النظامين معا لتشكيل درعا صاروخية محكمة.

اما القدرات الصينية فتتمثل باطلاقها عددا من الاقمار الاصطناعية متتالية مؤخرا، لا سيما “ياوغان-15،” الذي اطلق عام 2012 واستكمال المنظومة لاحقا وتجهيزها “باسلحة مضادة للاقمار الاصطناعية” في الفضاء الخارجي. وراقبت واشنطن بعين القلق تجربة ناجحة اجرتها الصين عام 2007 استهدفت تدمير قمر اصطناعي قديم تابع لها في الفضاء الخارجي. وتراقب نشاطات الصين باهتمام عالٍ منذئذ، لخشيتها الدخول في حرب تدور رحاها في الفضاء الخارجي مع الصين على بعد 100 ميل فوق سطح الارض.

يزدحم مدار الكرة الارضية بحو 1،300 قمر اصطناعي، متعدد الاهداف، لاغراض عسكرية صرفة واستخدامات مدنية، الحصة الاكبر، 500 قمر، هي للولايات المتحدة. الاقمار الخاصة بالاستخدامات العسكرية تشمل: اقمار الاستطلاع بالتصوير؛ اقمار الانذار المبكر؛ اقمار الاستطلاع الالكتروني؛ اقمار تتبع التجارب النووية على الارض؛ اقمار مضادة للاقمار الاصطناعية؛ اقمار تعد لغارات طائرات الدرونز؛ فضلا عن اقمار التجسس المتعددة.

يشار الى ان المعاهدة الدولية الخاصة بالفضاء الخارجي “تحظر استخدام اسلحة الدمار الشامل خارج مدار الكرة الارضية،” بيد انها لم تشكل رادعا كافيا للدول الكبرى لاجراء تجارب على نظم اسلحة متعددة في الفضاء الخارجي، منها اسلحة مضادة للاقمار الاصطناعية، مما حفز عدد كبير من الخبراء العسكريين اطلاق صرخات التحذير من خطر ما تمثله تلك الاسلحة على نشوب حرب نووية، وما يتعين عليه اتخاذ من اجراءات تحول دون ذلك.

بعد نظر التنين الصيني

رغم الخصائص والمزايا العالية التي تمتلكها شبكة الاقمار الاصطناعية الاميركية، والحربية منها بشكل خاص، الا ان واشنطن تخشى بشدة استثمار الصين المتواصل في تقنيات الاسلحة المضادة للاقمار الاصطناعية، والتي تنذر ايضا بأن الاخيرة استطاعت التعرف على اهم الثغرات التقنية في الصناعات الاميركية وتسخيرها في خدمة استراتيجيتها، لا سيما وان واشنطن ما فتئت تعلن عن “استدارتها الاسيوية” لمواجهة التمدد الصيني والنمو الروسي، في غياب تام لضوابط الاحتواء وقواعد الاشتباك ابان الحرب الباردة.

في هذا الصدد، حذر قائد القوات الاميركية الفضائية السابق، ويليام شيلتون، والتي تتبع قيادة سلاح الجو، من عجز الاقمار الاميركية الدفاع عن نفسها امام هجوم محتمل يجري في مدار الكرة الارضية قائلا ان ذلك الامر “سينجم عنه ثغرة هائلة في قدراتنا عالية التقنية.”

واضاف شيلتون ان اكثر واهم الاقمار المعرضة للاستهداف هي التي توفر للقوات الاميركية ديمومة شبكة اتصالات تصمد امام اي هجوم وكذلك تلك الاقمار الخاصة بالانذار المبكر، التي تبلغ كلفة القمر الواحد نحو 1000 مليون دولار، لتصبح عرضة للاعتراض او التدمير التام، باسلحة يجري تطويرها من قبل الصين ودول اخرى.

من ضمن الوسائل المتطورة لاستهداف الاقمار الاصطناعية تبرز تقنية الليزر التي من شأنها ان تحيل الاقمار الى “عيون كفيفة” وحتى تعطيل عملها بالكامل. ووفق شيلتون، مرة اخرى، فان هجوما “باسلحة مباشرة، كنظام الصين المضاد للاقمار الاصطناعية، باستطاعته تدمير نُظِمنا في الفضاء الخارجي.”

يشار الى ان “تهديد الاقمار الاصطناعية الاميركية” يعود الى زمن الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، بيد ان الصين استطاعت في السنوات القليلة الماضية تطوير اسلحة مضادة للاقمار الاصطناعية بجهود ذاتية.

الخطاب الصيني الرسمي يعتبر تلك الاسلحة انها ترمي “السماح للصين بالتفوق على الولايات المتحدة في حال نشوب نزاع حول اعادة توحيد جزيرة تايوان بالقوة،” تشمل تفجير رؤوس نووية في ارتفاعات عالية تؤدي لاحراق الاجهزة الالكترونية عبر تسليط اشعاعات كهرومغناطيسية مكثفة؛ ادراكا منها لثغرة اعتماد الولايات المتحدة المفرط على وسائل الاتصالات بالاقمار الاصطناعية

راقبت واشنطن بقلق اطلاق الصين صاروخا لا يحمل اي حمولة عسكرية، عام 2013، وصل مداه ما ينوف عن 10،000 كلم، وهو اعلى مدى منذ ولوجها الفضاء الخارجي في منتصف عقد السبعينيات. ويقدر الخبراء ان اطلاق الصاروخ خاليا من حمولة معينة يشير الى انه معد كسلاح مضاد للاقمار الاصطناعية، باستطاعته الاقتراب من مدار الاقمار الاميركية الخاصة بالاتصالات واعمال التجسس.

كما ان الصين اجرت تجارب عدة على اسلحة تعمل باشعة الليزر، الخضراء والزرقاء، مما حفز وزارة الدفاع الاميركية اصدار اتهامات للصين باطلاق صليات ليزرية استهدفت اقمارا اميركية.

تنامى القلق لدى القيادات العسكرية الاميركية من نظام صيني اضافي اطلق بموجبه عدد من النظم الصغيرة القادرة على المناورة كجزء مكون من برنامجها المضاد للاقمار الاصطناعية. وقالت مصادر في البنتاغون ان الصين اطلقت، مطلع العام الجاري، نظاما

في الفضاء الخارجي مزود بذراع آلية من شأنها اصطياد او تدمير اقمار اصطناعية عاملة.

اشارت دراسة صدرت مؤخرا عن مؤسسة هاريتاج حول جهود “الاكاديمية الصينية لابحاث تقنية الفضاء” الى انكبابها على تطوير سلاح متقدم مضاد للاقمار الاصطناعية مهمته الانقضاض على محطة فضائية باشعة ليزرية من الفضاء او عبر قمر اصطناعي آخر يقوم بالالتصاق بالنظام المعادي “مثل الطفيليات،” ومن ثم التشويش عليه او تدميره. واضافت ان دورية علمية خاصة تصدر في الصين، صواريخ ومركبات الفضاء، نشرت سلسلة مقالات على امتداد ثلاثة اعوام تحاكي فيها آلية الهجوم على الاقمار الاصطناعية في الفضاء الخارجي بتوظيف اقمار اخرى، زعمت ان بعضها اشار بوضوح الى برنامج الولايات المتحدة الفضائي.

ومضت بالقول ان الصين تستحدث تقنية “الاقمار الاصطناعية المصغرة،” نظرا لسهولة استخدامها ضد نظم اصطناعية اخرى، تشمل مهام تتبع مسار نظام اميركي والركود، ومن ثم والقيام اما بالتشويش عليه او تدميره في لحظة حرجة للغاية. ولم تستبعد المؤسسة لجوء علماء الصين الى مسعى ارتطام مركبتهم المصغرة بنظام اقمار اميركي، والادعاء لاحقا بأن الأمر كان حادث عرضي.

يشار الى ان الاستراتيجية سالفة الذكر اعلاه تأتي في اتساق تام مع مشروع المعاهدة الدولية ضد استخدام اسلحة في الفضاء الخارجي؛ وتوفر بالتالي نوعا من حالة “انكار معقولة.”

تمارين اميركية

بالمقابل، اجرت الولايات المتحدة عدة تجارب وتمارين عسكرية، في الكلية العسكرية البحرية، تحاكي هجوم صيني محتمل في ربيع عام 1994، على افتراض ان حربا ستندلع عام 2010، ينبغي الاعداد الوافي لها.

تناول سيناريو الكلية العسكرية قيام الصين باجراءات استفزازية ضد اقمار اصطناعية تابعة للولايات المتحدة، مما يربك قدرات التصويب الاميركية ويحول دون القيام بهجوم مضاد كبير من قبل سلاح البحرية الاميركي. ومضى السيناريو بتهيئة الرد الاميركي المحتمل استنادا الى فرضية اخرى بهزيمة القوات الاميركية وتلقيها ضربة قبل ان تستعيد قواها للرد المناسب.

كما افترض سيناريو الكلية الحربية قيام عدد من الضباط الصينيين “الدعوة لنشر اسلحة متطورة مضادة للاقمار الاصطناعية سرا لاستخدامها ضد الولايات المتحدة فجأة ودون انذار مسبق.

احجمت “الاكاديمية الصينية” عن تحديد عدد الاقمار الاصطناعية الاميركية المستهدفة في هجوم افتراضي، وكل ما اثير حول الهجوم انه ينبغي ان يكون “صادما ومرعبا” ويحدث دمارا هائلا لردع الولايات المتحدة عن القيام باي عملية عسكرية في ظل الازمة “وتركيع الخصم على ركبتيه.” معدو دراسة الاكاديمية اطلقوا وصف “سلاح صولجان القاتل،” على الاسلحة المضادة للاقمار الاصطناعية.

وجاء في دراسة الاكاديمية، وفق مؤسسة هاريتاج، توصية بتضمين الهجوم قدرات تشويش وهجوم ضد المقرات الارضية، عوضا عن التدمير النهائي للاقمار الاميركية؛ مما يشير الى فرضية استند اليها الجانب الصيني تقضي بتخلف القدرات الاميركية على تحديد مصدر الهجوم ومن وراء تحييد قدرات برنامجها للنظم الفضائية.

خلاصة القول ان الولايات المتحدة يعتريها القلق من التطور التقني للصين وقد يقوض سيطرتها وتفوقها في الفضاء الخارجي. الانظمة الصينية، وفق بيانات الخبراء العسكريين، قادرة على تحدي التفوق الاميركي – على الاقل.

تطوير سلاح اميركي مضاد

لا يجوز التقليل او الاستخفاف بالقدرات التقنية الاميركية وتمتعها بميزات نوعية كبيرة، مقارنة بمنافسيها الدوليين، في مجال الاقمار الاصطناعية ومن بينها تلك المعنية بتحديد المواقع العالمية وما توفره من مساعدة للقوات الاميركية توجيه اسلحتها اينما شاءت تزعم انها دقيقة ولا مثيل لها.

فيما يتعلق بالاسلحة المضادة للاقمار الاصطناعية، بدأت العمل في برنامج لحماية الاقمار بعد فترة زمنية قصيرة من دخول الفضاء الخارجي، باكورته كان برنامج “ستارفش برايم،” عام 1962 فجر سلاحها الجوي سلاحا نوويا تقدر قوته 1.4 ميغا طن على ارتفاع 250 ميلا، وقع على بعد 800 ميل الى الغرب من جزر هاوايي. اسفر التفجير عن شل حركة ما لا يقل عن 7 اقمار اصطناعية اميركية واخرى تعود لدول اجنبية. النبض الكهرومغناطيسي الناجم عن التفجير المذكور اضر بنحو 300 عامود اضاءة في جزيرة واهو، احدى مكونات جزر هاوايي. ربما تفجير نووي “بدائي، لكنه فعل فعلته ضد الاقمار الاصطناعية دو تمييز بينها.

واستمرت اعمال التطوير الاميركية منذئذ بتسارع ملحوظ، واطلق سلاح الجو الاميركي برنامج “مادفلاب،” المصمم لتدمير واسقاط اقمار اصطناعية سوفيتية معينة بواسطة الصواريخ، وما شابه من عدم الدقة نظرا لعدم توفر اجهزة توجيه بالفضاء يعتمد عليها.

ونجح سلاح الجو الاميركي، 32 أيار 1963، في اعتراض ارسال الاقمار الاصطناعية بعد اطلاقه صاروخ باليستي معدل من جزر مارشال بالمحيط الهاديء، اصاب هدفه بدقة على ارتفاع 150 ميلا يعود الى برنامج “جميني” الفضائي لوكالى ناسا.

من الاضرار الجانبية لحرب الاقمار الاصطناعية ما ينتج عنها من نفايات خطيرة، بعضها نووي، مما يصيب الاقمار في المدار المقصود، سواء صديقة او معادية.

اطلق سلاح الجو الاميركي، عام 1985، سلاحا كيميائيا بالليزر يعمل بمنتصف موجة الاشعة الحمراء، والذي سبق ان استخدمه عام 1997 كسلاح تضليلي مؤقت على بعض الاقمار الاميركية. القمر الحامل للسلاح المذكور لم يصب باي ضرر ولم ينتج عنه اي نفايات او حطام.

من بين الاسلحة الاميركية الاخرى، المضادة للاقمار الاصطناعية، صاروخ يطلق على مراحل ثلاث يستهدف قمرا معاديا باطلاق صفيحة بلاستيك، مايلر، باتجاهه مما يؤدي لتعطيل عمله دون انتاج اي حطام او نفايات.

القدرات الاميركية المتطورة في مجال الاسلحة المضادة للاقمار الاصطناعية وضعت على متن معظم السفن الحربية. واستطاع سلاح البحرية تدمير قمر تجسس اميركي تعطل عن العمل، 21 شباط 2008، باطلاق صاروخ من طراز ريم-161. بيد ان الصاروخ المذكور سينتج عن ارتطامه بالهدف انتشار نفايات وحطام اجزاء الهدف.

نطاق اشتباك اميركي – صيني باسلحة مضادة للاقمار الاصطناعية يكتنفه الغموض وعدم اليقين، لسوء الحظ؛ كما لا ينبغي استثناء روسيا كعنصر فاعل في هذا الشأن. سيكون لنا عودة مفصلة لتلك التقنية في المستقبل القريب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى