مقالات مختارة

“القوة السورية الجديدة”: منتكسة لكن غير مقصاة بالضرورة جيفري وايت

 

11 آب/أغسطس 2015

في منتصف تموز/يوليو المنصرم، انتشر عددٌ صغير من عناصر “القوة السورية الجديدة”، التي هي ثمرة برنامج التدريب والتسليح/التجهيز الأمريكي، في سوريا انطلاقاً من تركيا. إلا أن المقاتلين مُنيوا سريعاً بنكبةٍ في القتال، ليس ضد عدوهم المفترض، تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية»، بل ضد «جبهة النصرة»، الجماعة التي تدور في فلك تنظيم «القاعدة ».

وشكّلت الاشتباكات التي وقعت في 31 تموز/يوليو والأحداث التي تلتها مسألةً معقّدة، إذ سلّطت الضوء على برنامج التدريب والتسليح الذي خضعت له “القوة السورية الجديدة”. وعلى الرغم من أنّ النتيجة لا تمثّل بالضرورة الحكم النهائي على “القوة السورية” أو البرنامج، إلّا أنّها تثير مجدداً تساؤلات حول هدف البرنامج وقابلية استمراره في ساحات القتال الخطيرة على الأرض السورية. صحيحٌ أنّ هزيمةً واحدة لا تعني حكماً ضرورة إنهاء البرنامج، بل تعني حقاً وجوب الاعتراف بالتحدي الخطير المتمثّل في القتال في سوريا وضرورة إعادة النظر في نطاق البرنامج وهدفه.

أسئلة أساسية حول البرنامج

برزت أسئلة كبرى بشأن عددٍ من المسائل، حتى قبل الانتشار الأولي لـ “القوة السورية الجديدة”، ومنها جدوى مهمة “القوة” والمنطق الكامن ورائها، وقدراتها القتالية، وحجمها نسبةً إلى نطاق مهمتها، ومفهوم عملياتها، فضلاً عن كيفية توجيهها ودعمها في القتال. (للحصول على تقييم هذه المخاوف التي ظهرت في وقت مبكر، إقرأ المظهر السياسي الذي أصدره المعهد “برنامج التدريب والتجهيز غير كافٍ لقوى الثورة السورية المدعومة من قبل الولايات المتحدة”). ولم تجد هذه القضايا حلّاً لها قبل تموز/يوليو ولا تزال إلى حدّ كبير دون حل في أعقاب الكارثة التي أصابت “القوة السورية“.

ما الذي حدث

كانت هناك علامات أولى واضحة عن المتاعب التي واجهتها “القوة السورية الجديدة” وكانت جليةً قبل وقوع الاشتباكات. ففي أواخر عام 2014، كانت «جبهة النصرة» قد هاجمت بالفعل وهزمت أساساً جماعتين تدعمهما الولايات المتحدة، هما «جبهة ثوار سوريا» و«حركة حزم»، النشطة في منطقة عمليات «جبهة النصرة» في شمال سوريا. وبالتالي، فإن هاتين الجماعتين اللتان تلقّتا دعماً أمريكياً كبيراً، ولكن لم تكونا جزءاً من برنامج التدريب والتسليح، قد أزيلتا بفعالية من المعادلة العسكرية.

وبدءاً من أيلول/سبتمبر 2014، كانت الولايات المتحدة قد شنّت أيضاً غارات عسكرية على عناصر مرتبطة بما يُسمى بـ «جماعة خراسان» المنضوية تحت خيمة «جبهة النصرة». وفي الآونة الأخيرة، في الثامن من تموز/يوليو، أفادت أنباءٌ عن مقتل زعيمٍ بارز في «جماعة خراسان» بغارة جوية، مما أثار الأحقاد تجاه العمليات الجوية الأمريكية وضد الذين اعتبرتهم «جبهة النصرة» عملاء أمريكيين ومتعاونين معهم.

بالإضافة إلى ذلك، شملت الإشاراتٌ عن المشاكل القائمة في إطار برنامج التدريب والتسليح نفسه وجود تقدم بطيئ في تجنيد الأفراد والتدقيق عنهم، وبالتالي العدد الضئيل لخريجي البرنامج الفعليين، فضلاً عن الذين غادروه بسبب أشكال مختلفة من خيبات الأمل. ويبدو أنّ عملية التدقيق الصارمة وضرورة الالتزام رسمياً بقتال تنظيم «الدولة الإسلامية» مثّلتا أهمّ الأسباب الكامنة وراء عدد الأفراد المنخفض في رصيد البرنامج.

العملية ونتائجها

إن التفاصيل الكاملة عن العملية التي وقعت في أواخر تموز/يوليو غير معروفة حتى الآن، ولا تزال الشكوك قائمةً، لكنّ العناصر الأساسية تبدو واضحةً. ففي 12 تموز/يوليو، أُرسلت مجموعة صغيرة من “القوة السورية الجديدة” – التي أفادت بعض التقارير أنّ عددها وصل إلى 54 أو 60 رجلاً – إلى منطقة عمليات “الفرقة 30″، وهي وحدةٌ في شمال حلب تدعمها الولايات المتحدة. وفي 30 تموز/يوليو، وجّهت «جبهة النصرة» ضربةً إلى “الفرقة 30″، فاختطفت بعض قادتها ومن ثمّ هاجمت قواتها في 31 تموز/يوليو، مما أرغم “الفرقة” على الانسحاب من مقرّها قرب بلدة أعزاز، شمال محافظة حلب. وأثناء القتال، أمّنت الولايات المتحدة الدعم الجوي، فوجهت ضربات ضد عناصر «جبهة النصرة» ومنعت على ما يبدو ما كان يمكن أن يكون إلحاق هزيمةً أكبر بعناصر “القوة السورية الجديدة”، الذين تمّت محاصرتهم أثناء العملية.

وبالنسبة إلى “القوة السورية الجديدة”، أسفرت العملية عن نتائج سيئة منها مقتل أحد عناصرها على الأقل واختطاف خمسة آخرين أو أكثر وانهيار ما تبقّى من عناصرها وتشتّتهم، فضلاً عن كونها مصدر إحراج عظيم لبرنامج التدريب والتسليح. أمّا التبعات التي طالت “الفرقة 30″، فقد شملت سجن عددٍ من المقاتلين وانسحاب “الفرقة” القسري من مقرّها والتعهّد العلني المهين بألّا تقاتل «جبهة النصرة» بعدئذٍ.

حول ما تعنيه الأحداث عن البرنامج الأمريكي

تشمل نقاط الضعف الرئيسية التي كشفتها هذه الأحداث القرارَ نفسه القاضي بإرسال مثل هذه القوة الصغيرة إلى سوريا. ونظراً لتحلّي هذه القوات بالقدرة وكونها مدجّجة بأعتى الأسلحة التي يمكن أن تعارض هذا الانتشار، ليس هناك شك بأن خطراً عظيماً كان يُحدق بعناصر “القوة السورية الجديدة”، يكمن في تعرّضها للهجوم وإلحاق الهزيمة بها. وتشير أيضاً عملية الانتشار إلى سوء فهم الوضع المعقّد على أرض الواقع.

أمّا فيما يتعلّق بمفهوم التوظيف، فيبدو أنّه قد تمّ تضمين بعض عناصر “القوة السورية الجديدة” في وحدة من الثوار تحظى في الأصل بدعم أمريكي. والميزة البادية لمثل هذا النهج هو أنّ الولايات المتحدة ستتمتّع بفهمٍ كافٍ لقدرات الوحدة والثقة في قيادتها وإدراك ماهية الوضع على أرض الواقع. غير أنّ المفهوم تضمن نقطة ضعفٍ تمثلت في الاعتماد على شيءٍ من التعاون، أو على الأقل غياب مقاومة نشِطة، من قبل عناصر مسلحة أخرى في المنطقة. وكما اتّضح فيما بعد، لم يتبلور السيناريو المتفائل، الأمر الذي يكشف عن وجود عيوب جوهرية في مفهوم التوظيف، في التصميم والتنفيذ على حد سواء.

ومنذ وقوع الحدث، أشارت التقارير إلى أن التحكّم بـ”القوة السورية الجديدة” انتقل من الجنود الأمريكيين إلى “الفرقة 30” بعد أن دخلت هذه الجماعة إلى سوريا. وفي حين أنّ دمج بعض عناصر “القوة السورية” في تشكيلات الثوار القائمة التي تدعمها الولايات المتحدة قد يكون ضرورياً، على الأقل إلى حين تأمين وحدات كبيرة تابعة “للقوة السورية”، يولي هذا النهج أهميةً قصوى على المعرفة الجيدة بالتشكيلات القائمة. ومن الواضح أنّ هذا الإلمام قد غاب هنا، نظراً إلى الهزيمة السهلة التي مُنيت بها “الفرقة 30” على يد «جبهة النصرة».

وعلاوةً على ذلك، تشير بعض التقارير الأمريكية إلى أنّ “القوة السورية الجديدة” قاتلت بشكلٍ جيّد، لكن من غير الواضح إلى أيّ مدى كان انخرطها في القتال الفعلي، بخلاف “الفرقة 30”. وفي حين ورد أنّ عناصر «جبهة النصرة» تكبّدت خسائر كبيرة، إلّا أنه من غير الواضح إلى أي مدى كانت “القوة السورية” هي التي كبّدتها هذه الخسائر، وليس “الفرقة 30” أو الغارات الجوية الأمريكية. ومن جانبها، تدّعي «جبهة النصرة» أنّ معظم ضحاياها وقعوا بسبب الغارات الأمريكية.

ويبدو أنّ الدعم الجوي الأمريكي لـ “القوة السورية الجديدة”، الذي نسّقه على الأرجح أفرادٌ منها درّبتهم الولايات المتحدة، قد جنّب “القوة السورية” كارثةً أعظم. وقد أعلنت الولايات المتحدة الآن أنّها سوف توفّر الدعم الجوي الدفاعي لـ “القوة السورية” لمواجهة جميع التهديدات، بالإضافة إلى الدعم الجوي الهجومي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي حين يجب اختبار هذا التأكيد، ألّا أنّه يساهم بالفعل وإلى حدّ ما في حلّ مسألة رئيسية تتمحور حول البرنامج الأمريكي.

التداعيات

إلى جانب كون هزيمة “القوة السورية الجديدة” الناشئة في أول عملية لها في سوريا إحراجاً، فإنّ لها أيضاً تداعيات عملية. وفي الواقع، إن مقتل الأفراد، وفقدان الأسلحة والمعدّات على نحوِ شبه مؤكد، وتشتّت عناصر “القوة السورية” – دون أن يكون ذلك إبادة تامة أو فراراً يختلط فيه الحابل بالنابل – يعكس أيضاً نتيجةً عسكرية لا يمكن أن يتخيل المرء أسوأ منها. وبالمثل، كانت المخاطر العميقة نتيجة نشر عدد صغير من مقاتلي “القوة السورية الجديدة” في ساحات القتال السورية المُبهمة، جليةً. ومن المرجح أن تشمل التبعات، المعنويات المنهارة لدى عناصر “القوة السورية” في التدريب وضربةً مقابلة [لعمليات] التجنيد.

أمّا السؤال الآخر الذي طرحته الكارثة، فهو عن المسؤول عن صنع القرارات بشأن التزام “القوة السورية الجديدة” وكيف تمّ اتخاذ هذا القرار على وجه التحديد. وتنطوي الأسئلة ذات الصلة، على العلاقة والمزامنة لبرنامج الدعم السري الذي تناولته التقارير، والذي أطلقته وكالة الاستخبارات المركزية لقواتٍ مختارة من الثوار، يُفترض أن تشمل أيضاً “الفرقة 30” ووزارة الدفاع الأمريكية وبرنامج التدريب والتسليح.

وكما يبيّن هذا الفصل، من الواضح أنّ «جبهة النصرة» لن تقبل بوجود قوة كبيرة تدعمها الولايات المتحدة في منطقة عملياتها في شمال سوريا. فعمليات «جبهة النصرة» السابقة للقضاء على «جبهة ثوار سوريا» و«حركة حزم»، وهجماتها الحالية ضدّ “الفرقة 30” وتبعاً ضدّ “القوة السورية الجديدة”، لا بدّ أن تؤخذ بعين الاعتبار في أيّ انتشار مستقبلي لعناصر “القوة السورية”. وعلى نطاق أوسع، يجب أن تكون “القوة السورية” مستعدة للقتال من لحظة دخولها إلى سوريا ضدّ مجموعة من الأعداء الذين يتمتّعون بقدرات عالية، ومن بينهم تنظيم «الدولة الإسلامية» وإسلاميون آخرون وأسياد الحرب والمقاتلون الموالون للنظام.

وعلى نحوٍ مماثل، يُعدّ رسم صورة مفصّلة للغاية عن الوضع الميداني ضرورياً قبل دخول المقاتلين. ولا بدّ أن تمتلك الولايات المتحدة وسيلة للحصول على معلومات دقيقة وفورية عمّا يجري مع القوات التي تدعمها. فبالإضافة إلى تلقّيها التقارير عن المقاتلين الذين درّبتهم، يتعيّن على الولايات المتحدة أيضاً استحداث وسائلها الخاصة لجمع البيانات وتقييم التطوّرات التي تطرأ على ساحات القتال، وهو مطلب يعني أغلب الظنّ وجود عسكريين أمريكيين على الأرض.

للأسف، إنّ الرد الأمريكي على الخطأ يشير حتى الآن على ما يبدو إلى سيناريو بقاء الأمور على ما هي عليها، إذ يجب توقع الصعوبات، وسوف تُستخلص العبر، وستتمّ مواجهة التحديات، وستسير العمليات كما خُطّط لها.

وغالباً ما لا تبلي الوحدات العسكرية العديمة الخبرة أو التي شُكّلت حديثاً بلاءً حسناً في أول اختبار قتالي لها، لذا فإنّ المشاكل التي واجهتها “القوة السورية الجديدة” ليست تماماً موضع استغراب. ويُقال إنّ مجموعتين من المقاتلين قيد التدريب وأنّهم ومدرّبيهم يجب أن يستفيدوا من تجربة المجموعة الأولى. وعلاوةً على ذلك، إنّ الجمع بين ما أفادته بعض التقارير عن انسحاب «جبهة النصرة» من المنطقة المحاذية للحدود التركية شمال حلب، وبين إمكانية قيام تركيا والولايات المتحدة بإنشاء منطقةً أمنية على الحدود يمكن أن يحدّ من التهديد المباشر الذي يحيق بمقاتلي “القوة السورية” أثناء انتشارهم في سوريا. وبالتالي، فمن السابق لأوانه الحكم على البرنامج بالفشل الذريع، إلّا أنّ خطورة أحداث الأيام الأخيرة من شهر تموز/يوليو يوحي بأنّ البرنامج يحتاج إلى إعادة النظر فيه وإعادة توجيه أهدافه وإعادة تنشيطه على نحوٍ أكثر جذرية

جيفري وايت هو خبير أمني وعسكري في معهد واشنطن وضابط كبير سابق لشؤون الاستخبارات العسكرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى