مقالات مختارة

لماذا ليس بيبي؟ بن كسبيت

 

قبل عدة اسابيع كتب هنا صديقي كلمان لبسكند مقالا دعا فيه كل الصحافيين أن يكشفوا عن آرائهم السياسية، والتصريح لمن صوتوا أو سيصوتوا. أريد أن أرفع قفازات لبسكند ولكن ليس للاسباب التي فصلها. ليس هناك حاجة أن يكشف الصحافيون عن آرائهم السياسية في دولة ديمقراطية. لقد كتبت عن ذلك ما يكفي ولا أريد أن أتعب القاريء مرة اخرى. شخصيا ليس عندي مشكلة أن أكشف عن آرائي السياسية فهي مختلطة ومتغيرة ومتخبطة ونادمة في كل لحظة من اللحظات، كما هي الآراء السياسية لاسرائيلي عادي .

في هذه اللحظة لا أعرف لمن سأصوت في الانتخابات القادمة. لدي قائمة نهائية مقلصة مع اربعة خيارات (هرتسوغ – لفني، لبيد، كحلون وليبرمان). ولكن الذي أعرفه بالضبط لمن سوف لن أصوت في أي حال من الاحوال أو الظروف. لن أصوت لبنيامين نتنياهو. سأحاول في هذا المقال أن أوضح لماذا وآمل أن أنجح. في المقالات القادمة إلى حين الانتخابات سأحاول أن أعرض تطورات رأيي أولا بأول.

بالمناسبة، في الحملة الاخيرة فعلت ذلك ووصلت في المقال الذي كتبته عشية الانتخابات إلى قائمة مقلصة من ثلاثة خيارات، والقرار الاخير اتخذته من خلف الستار. فقط مرة واحدة في حياتي صوت مرتين متتاليتين لنفس القائمة في 1981 و 1984، لليكود. كنت نشيطا متحمسا لليكود في فرع حولون، وشغلت وظائف رفيعة المستوى في شبابي (مدير يوم الانتخابات)، كان والدي عضو مركز الليكود لسنوات طويلة واعتُبر من أكبر داعمي بنيامين نتنياهو حتى هذه اللحظة.

في أساسي أنا يميني وتغيرت مع مرور السنين. حرب لبنان الاولى (التي شاركت فيها وفقدت صديقا عزيزا) قامت بمهمة التغيير، الذي نضج بعد بضع سنوات. اليوم أنا مستعد للتوقيع على كل اتفاق سلام يمكن التوصل اليه مع الفلسطينيين، مع كل التنازلات المعروفة، اذا اتضح أن لدينا شريكا مستعدا لانهاء النزاع ويتحمل كل التعهدات المناسبة بما فيها الترتيبات الأمنية الصارمة. حتى هذه اللحظة الوضع الحالي ليس كذلك.

خلافا لحاييم رامون مثلا أعتقد أن لدينا شريك (أبو مازن) لكنه ضعيف وليس مستعدا للتوصل إلى اتفاق دائم وتقديم التنازلات المطلوبة. كل ما على أي رئيس حكومة اسرائيلي عاقل عليه عمله من اجل أن يحافظ على شرعية اسرائيل وعلى مكانتها في العالم وعلى قدرتها على الدفاع عن نفسها هو إقناع المجتمع الدولي بأنه مستعد بصدق واخلاص وجدية لأن يوقع اتفاق سلام.

إن تصور اولمرت هو أنه يعرض من جهة لأبو مازن عرضا سخيا يرفضه، ومن الجهة الثانية يحمل في يده عصا غليظة، يُخرب نصف لبنان وكل غزة ويحظى بالتصفيق. لو كنت رئيس الحكومة القادم فان الامر الاول الذي سأفعله هو تجميد كل بناء خلف الجدار الفاصل وتمرير مشروع اخلاء – تعويض للمستوطنات المعزولة خلف الجدار. من يريد أن يعود إلى البيت يعود بتعويض سخي، ومن لا يريد يبقى إلى حين توقيع الاتفاق أو تغير الظروف. في نفس اليوم ستتغير المعادلة، وعبء الاثبات سيلقى على الفلسطينيين، وعندنا سنستطيع توظيف اموال أكثر في التربية والصحة.

في باقي مجالات الحياة أنا أكثر يمينية. معارض بشدة لكل تبادلات الأسرى التي نفذت بما فيها صفقة شليط. ومؤيد ليد أمنية قوية. اعتقدت في عملية «الرصاص المصبوب» أنه كان على الجيش الاسرائيلي احتلال غزة، وأن حرب لبنان الثانية كانت الاكثر نجاحا في حروب اسرائيل (وقد ثبت ذلك فيما بعد)، اعتقد أن «الجرف الصامد» أضرت بقوة الردع الاسرائيلية، وأعرف أن نفتالي بينيت هو الذي فرض على المستوى السياسي والعسكري عملية الانفاق.

واعتقد ايضا انه يجب فصل الدين عن الدولة، أو على الأقل ارجاع السيطرة على التهويد، وأنه يتوجب تجنيد المتدينين الحريديين، وتقليص دعم المدارس الدينية، وسن دستور لاسرائيل، وإن لم يكن ذلك فيجب تعزيز مكانة محكمة العدل العليا، رغم أنها تُغضبني مرتين في الاسبوع. بعد كل هذا أنا اؤيد خطوات الحكومة في كل ما يتعلق بمتسللي العمل الافارقة. محظور تحويل اسرائيل إلى حفرة امتصاص لكل قذارة افريقيا والمقموعين فيها على حساب الضعفاء عندنا. ايضا للانسانية توجد حلول مرسومة على طول الخط الجنوبي.

باختصار، كل ما قيل آنفا يثبت أنني أرفض التصويت لبيبي، ليس بسبب أنني يساري انهزامي. أنا لست كذلك، أنا لست من بين الكثير من اصدقائي الليكوديين الذين شعار «فقط ليس بيبي» أعادهم إلى البيت، رغم أن رأيهم في بيبي لا يختلف كثيرا عن رأيي. هذا الشعار يثبت أن الحديث هنا ليس عن اليمين واليسار. لا يحاول أحد التخلص من بيبي من اجل أن يسارع إلى اعادة المناطق للفلسطينيين. إن الرغبة الشديدة للتخلص من بيبي هي أمر مشترك لاصحاب كل الآراء.

أسمع منذ سنوات آراء كل زعماء الليكود عن بيبي، وأنا أعرف تماما آراء كحلون وليبرمان وجدعون ساعر وكل اولئك الذين لم يهربوا من بيبي يعتقدون نفس الشيء بالضبط. هل كل هؤلاء يساريين؟ هم ليسوا كذلك، هم اسرائيليون يعرفون أي ضرر كبير تسبب به بيبي لدولتنا، إنهم يعرفون عن كثب عن أي انتهازية نتحدث. إنهم يعرفون كم يختلف بيبي عن ذلك الاجوف المتزين والاصطناعي الذي يقف أمأمنا. اذا لنرَ لماذا «فقط ليس بيبي»؟. أولا، بسبب سارة. سمعت هذا الاسبوع أن يئير لبيد، شيلي يحيموفيتش وزهافا غلئون دعوا إلى وقف الهجوم على سارة نتنياهو، ولهذا أُقدر جدا الثلاثة، لكن إما أنه ليست لهم أي فكرة عما يتحدثون أو الاسوأ من ذلك أنهم يحاولون اجتذاب بعض الاصوات النسائية والتنكر بملابس حراس «النوع الاجتماعي» أو ما أشبه.

إنني أتابع الزوجين نتنياهو منذ نحو 25 سنة. السيدة نتنياهو أو «المشكلة» كما سُميت من قبل مقربي بيبي في السنوات الاولى لتعارفهم، معروفة لي جيدا. ليس هذا حادثا عاديا لامرأة تتدخل قليلا في شؤون زوجها أو شيء من هذا القبيل. الحديث يدور عن تهديد استراتيجي لتصرفات زوجها الذي يقف على رأس حكومة اسرائيل. الحديث عن امرأة تستغل زوجها والاجهزة الواقعة تحت سيطرته والدولة كلها من اجل رغبتها ونزواتها ونوبات غضبها وبخلها الماضي وتدخلها الفظ في المواضيع الحساسة جدا لتحديد من يدخل ومن لا يدخل، من سيُعين ومن لا يُعين، من سيُبعد ومن سيُقرب، ومن سيُضحى به ومع من مسموح لزوجها أن يتقابل ومن غير مسموح له. كل هذا مبرهن عليه معروف ليس فقط لي بل لكل من كان هناك، وكلهم يصمتون.

وبدلا من أن يُحضروا إلى مقر رئيس الحكومة رجالا مهنيين يفحصون ما يجب فحصه، ويصدرون تشخيصا ويعفوننا من هذا العقاب، فانه يحدث العكس. كل من يتجرأ على التفوه بكلمة زائدة بشأنها يتم تطييره ومنع ذكر اسمه بعد ذلك. أصحاب الوظائف الحساسة جدا هم أناس من قبلها، الذين أهم مهمة لديهم ليس ادارة الدولة أو المكتب وانما تزويدها بالتقارير عن من قابل وماذا فعل وأين ذهب. نتان ايشل هو فقط مثالا، الرجل الذي كنت سأتردد جدا قبل تعيينه كمدير بقالة حي في مدينة نائية، فقد أصبح رئيس الطاقم في مكتب رئيس الحكومة، شيء لا يُصدق.

قراء هذا المقال يعرفون جزءً من هذه القصص. لقد تحدثت عنها عشرات السنين بدون مبالغة. ابتداءً من اللقاءات التي أجراها نتنياهو معي في شقق سرية، لئلا تكتشف ذلك زوجته ويحدث له ما يحدث (حين اكتشفت ذلك، حدث له ما حدث)، ما فعلته لجهاز الأمن العام لكي تمر قافلة رئيس الحكومة لأخذها خلافا لتعليمات الأمن، مرورا بالفضائح، الدخول إلى جلسات العمل مع رئيس الموساد (حيث قال زوجها لمئير دغان أن يتحدث بصراحة لأن سارة تعرف كل شيء.. الخ).

في هذا الاسبوع برزت قصة صغيرة هي موضوع الزجاجات. أعرف عن القصة منذ أكثر من سنة، ولدي الكثير منها وأفضل أن يتم نشرها في اماكن اخرى بسبب الملاحقة التي يمرون بها صحافيون مثلي، ولفقدان الشعور، ففي حين تعمل في ظل جنون بهذا المستوى ولفترة طويلة، فانها ستفقد الشعور بالسلطة.

نعود إلى قصة الزجاجات: سائقها السابق الذي توصل إلى اتفاق سري مع العائلة بعد أن قدم دعوى (هل فحص أحد ذات مرة كم كلفتنا كل تلك الاتفاقات)، كان يتم ارساله من قبلها لاعادة كل الزجاجات (الحديث عن كثير منها) التي مرت في مكتب رئيس الحكومة، تقريبا كل يوم، وطُلب منه احضار كل النقود التي حصل عليها في المقابل. بالمناسبة، لقد تابعت كل زجاجة حتى الاغورة الاخيرة. ومثلما في حالات كثيرة اخرى عندما بدأوا في اثارة الاسئلة سارع الزوجان لاعادة 4 آلاف شيكل للدولة. الحديث عن مبالغ أكبر بكثير، لكن من يحصي.

في حالة نتنياهو لا يوجد من يفحص، لا يوجد تحقيقات، لا توجد سلطة قانون. يوجد لدينا مستشار قانوني للحكومة صرح، مع نائب عام دولته، أنه نظرا لأن الحديث يتم عن رئيس الحكومة فانه يجب أن نحذر. بالفعل، في اجابة ميكي روزنطال لمحكمة العدل العليا في قضية «بيبي تورز»، فان البحث الممتاز لرفيف دروكر الذي كان سيُدخل إلى السجن كل شخص آخر، وبالتأكيد اذا كان اسمه ليبرمان أو اولمرت، لكن في حالة نتنياهو تركوه لبضع سنوات وبعد ذلك أغرقوه بسبب «التقادم».

قصة الزجاجات هي شهادة على جنون شخصي وجهازي، لكن بالمقارنة مع ما يحدث هناك هو قصة هامشية. اذا كان هناك وسائل اعلام سامة حقا، لو كان المستشار القانوني للحكومة يقوم بعمله، ولو كانت هناك شرطة، لحاولوا فحص ما يحدث هناك حقا في شارع بلفور وقيصاريا وأماكن اخرى.

من قام بتمويل المياه في بركة قيصاريا؟ من حاول قطع الطريق على تحويل المسكن في قيصاريا إلى مكان ممول تماما من قبل الدولة (خلافا للقانون) ولهذا تم ابعاده؟ كم عدد العمال المختلفين مروا في مقر رئيس الحكومة في السنوات الاخيرة، هل عدد منهم تمت معالجته بسبب ما مر عليه هناك؟ هل اضطر جهاز الأمن العام للتدخل من اجل ادخال رئيس الحكومة إلى منزله؟ هل رئيس الحكومة في خطر؟ هل مول صندوق الدولة رغبة الزوجين في أكل السوشي؟ كم كلف حب الشمبانيا (للسكن العائلي في قيصاريا)؟ ماذا مر حقا على كل من دخل إلى عش الدبابير ذاك، ولا يهم في أي وظيفة؟.

كم يؤثر هذا الجنون على وظيفة الزوج الذي يتولى أمور حياتنا، لماذا تجبرهم على وضع «كل بيضة لوحدها»، والاهم من ذلك لماذا أصلا يجمعون البيض؟ الجواب هو أن السيدة نتنياهو ليست مستعدة أن تشتري لبيتها الخاص في قيصاريا حتى بيضة واحدة. عندما تنتقل من بلفور إلى قيصاريا في نهاية الاسبوع تحضر معها أكبر قدر من المأكولات من المقر في القدس، لأنها تكون على حساب الدولة. ولا نريد الحديث عن مواد التنظيف.

خلال عملية «الجرف الصامد» تم التسريب لوسائل الاعلام أمرا حساسا عرضه الجيش عن احتلال غزة. تسريب الشريط تسبب بضرر كبير على أمن الدولة، وعزز ثقة حماس بنفسها حيث أن نتنياهو ويعلون لا ينويان توجيه ضربة شديدة. لقد تم تسريب الشريط بواسطة نتنياهو أو أحد رجاله بهدف تجنيد الدعم الجماهيري لجبنه. لقد كتبت عن ذلك في حينه وكتب آخرون وقال ذلك كل الوزراء في مجلس الوزراء، لماذا لم يتم التحقيق في هذا التسريب الخطير؟.

في نفس الوقت الذي كان يجلس فيه اشكنازي في المنزل وينتظر قرار النائب العام فيما يتعلق بالتسريب الخطير. بالنسبة لاشكنازي لم يكن هناك تسريب، لأن المادة لم تتسرب لكنها قيلت في محادثات حقيقية، وقيلت من قبل صاحب السلطة العليا (رئيس الاركان). كان هناك تحقيق استمر سنوات ولم يثمر شيئا. لقد اعتقلوا عميد ولواء بسبب حاسوب قديم تم اكتشافه في منزل أحدهما، وبسبب بضع كلمات زائدة قيلت. لكن تسريب نتنياهو لم يفكر أحد في فحصه.

معاريف 30/1/2015

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى