بقلم ناصر قنديل

معادلة القدس تفجّر حرباً إقليميّة تشغل واشنطن: ناصر قنديل

فيما انصرف كيان الاحتلال والجوقات العربية واللبنانية المناوئة للمقاومة، لتعميم الشائعات عن صحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أملاً بطمس المضامين الفعلية للمعادلة التي أطلقها في إطلالته النوعيّة في ذكرى عيد المقاومة والتحرير، وحدَها واشنطن فهمت بعمق معنى الكلام الذي قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، عن أن معادلة المرحلة المقبلة هي “القدس تساوي حرباً إقليميّة”، فانصرفت تتعامل مع المعادلة وكيفية الحؤول دون وضعها قيد التطبيق، بعدما أثبتت حرب غزة بما حملت من وقائع كشفت هشاشة كيان الاحتلال، وخطورة انهياره إذا ما بلغت الأمور حدّ تطبيق معادلة السيد نصرالله، وأدركت واشنطن أنها معادلة للتنفيذ وليست مجرد شعار، لأنها تابعت عن كثب ما كان يجري خلال حرب غزة من تحضيرات وما رافق تطوّراتها من قرارات، وعملت بموجب هذه المتابعة على تسريع الوصول لوقف النار منعاً لوقوع الأسوأ على كيان الاحتلال.

 

بعد نجاح التوصل لوقف النار في غزة، وضعت واشنطن أمامها ثلاثة ملفات تتصل بالمعادلة الجديدة، الملف الأول في الكيان وخطر قيام رئيس حكومته بنيامين نتنياهو بارتكاب حماقة تؤدي الى الانزلاق الى هذه الحرب؛ والثاني في اليمن وخطورة أن يكون محور المقاومة قد أعدّ اليمن ليكون مع لبنان شركاء المرحلة الأولى من تطبيق هذه المعادلة، في حال وضعت قيد التطبيق؛ أما الملف الثالث فيتصل بإيران التي تشكل عمق محور المقاومة، وثقله الاستراتيجي، انطلاقاً من أن بين إيران وكيان الاحتلال حساباً مفتوحاً، سيجد فرصة تصفيته في حال طبقت معادلة السيد نصرالله، إضافة لما لدى إيران من اسباب عقائدية واستراتيجية تجعلها تنظر للحظة الحرب الإقليمية تحت عنوان القدس فرصة تاريخية لا تفوّت.

في الملف الأول المتصل بوضع الكيان، سارعت واشنطن الى إيفاد وزير خارجيتها الى المنطقة وخصوصاً لاستطلاع الوضع في الكيان، وتقدير الموقف، وكانت الحصيلة تقول إن بقاء بنيامين نتنياهو على رأس الحكومة يعادل خطر نشوب حرب إقليمية لثلاثة أسباب، الأول أنه يجد هذه الحرب فرصة لتوريط واشنطن في مواجهة مع إيران ومحور المقاومة عندما يبدو أن الكيان يواجه خطراً وجودياً لا تكفي لتلافيه إمدادات السلاح الأميركي، وهو بذلك يترجم احتجاجه على السياسات الأميركية الذاهبة الى العودة للاتفاق النووي مع إيران، الثاني أن نتنياهو يسير وراء المستوطنين والمتطرفين ويعتبرهم القوة الحيوية الوحيدة التي تضمن له تفوقاً انتخابياً، وهو ليس على استعداد لممارسة أي جهد لضبطهم وكبح جماح عدوانيتهم على الفلسطينيين، خصوصاً في القدس ما يجعل خطر الانفجار وشيكاً، خصوصاً أن الملفات الشخصية لنتنياهو المتصلة بالفساد وخطر السجن والمحاكمة تجعله أسير حسابات ضيقة يتقدمها بقاؤه على رأس الحكومة مهما كان الثمن، والسبب الثالث أن نتنياهو المثقل بتاريخه السياسي الرافض لأية تسوية ليس رئيس الحكومة المناسب لترجمة مشروع واشنطن بتمييع الصراع حول فلسطين عبر نظرية التفاوض للتفاوض، فهوامشه محدودة للمناورة لو أراد التعاون، وحجم المطلوب منه كثير فلسطينياً وعربياً ليكون للتفاوض بعض مصداقيّة، مهما كانت سقوف المعنيين العرب والفلسطينيين بخيار التفاوض للتفاوض منخفضة، بينما أي رئيس حكومة بلا تاريخ نتنياهو يكفي أن يرتضي التفاوض بلا شروط مسبقة حتى يكون ممكناً فتح الطريق لسحب فتيل التصعيد ولو لفترة.

في الملف اليمنيّ برز تطوران، الأول كلام السيد عبد الملك الحوثي زعيم حركة أنصار الله، الذي أعلن التزام أنصار الله واليمن بمعادلة السيد نصرالله حول القدس والحرب الإقليميّة، والثاني هو حجم التفوّق الميداني الذي يظهره أنصار الله ومعهم الجيش واللجان في كل المعارك التي تدور على جبهة مأرب وجبهة الحدود السعودية في جيزان، وفي القدرة على مواصلة تهديد العمق السعوديّ بالطائرات المسيّرة والصواريخ، وللمرة الأولى تحرك الأميركيون على مسارات السعي لوقف النار بطريقة مختلفة، فوضعوا مشروعاً يحاول محاكاة مطالب أنصار الله بربط وقف النار بفكّ الحصار، وبالرغم من عدم تلبية المقترحات الأميركيّة لما يطلبه أنصار الله، والتحفظات السعوديّة على الطرح الأميركي، فإن واشنطن تبدو عازمة على فعل ما تستطيع لتفادي استمرار التصعيد على جبهة اليمن، وفتح الباب للتفاوض السياسي، لاعتقادها بأن وقف الحرب يخفف من مخاطر انخراط اليمن في حرب إقليمية إذا توافرت شروط معادلة السيد نصرالله لها.

في الملف الإيراني، حملت مفاوضات فيينا تطوّرات هامة من الجانب الأميركي، ترجمتها تصريحات البيت الأبيض التي يقرأ فيها التمهيد السياسي والإعلامي للإعلان عن التوصل للاتفاق في الجولة المقبلة للتفاوض، والحساب الأميركي يقوم على الاعتقاد بأن العودة الى الاتفاق النووي ورفع العقوبات الأميركية كنتيجة لذلك، ستخلق مناخاً يعقد انخراط إيران في أية حرب إقليميّة، ويفتح الباب لأصوات تدعو للتريّث ما يمنح واشنطن في أية ظروف مشابهة متوقعة الحدوث هامش وقت أوسع للتحرك لوقف التدهور الذي يفتح باب الحرب الإقليمية.

– النصف الأول من حزيران سيشهد تطوّرات في الملفات الثلاثة، بحكومة تقصي نتنياهو في الكيان، والمضي قدماً في مساعي تقديم مقترحات لوقف النار في اليمن، وتسريع العودة للاتفاق النوويّ، ومحور المقاومة سيقطف ثمار هذه التحوّلات، ضعفاً وانشقاقاً في الكيان وانتصاراً في اليمن وإيران، لكن المعادلة باقية لا تتزحزح، لا تمزحوا في القدس، فالحرب الإقليميّة وراء الباب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى