بقلم ناصر قنديل

لأجلكم لا لأجلها… عودتكم إلى سورية: ناصر قنديل

 

عاش الكثير من الحكام العرب ومعهم أغلب السياسيين اللبنانيين أكذوبة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وبنوا على انتظارات متواصلة منذ عشر سنوات سياسات ثبت أنها مجرد أوهام. فخلال سنوات الحرب الممتدة من 2011 الى 2016، تاريخ تحرير حلب من الجماعات الإرهابيّة المسلحة، أرجأ الجميع مرة تلو مرة مواعيد مقرّرة ومتوقعة لرحيل الأسد، على إيقاع مراهنات وتهديدات، تورّط فيها رؤساء دول عظمى على رأسهم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. وعندما خابت هذه المراهنات وثبت ان سورية وجيشها ورئيسها قد تجاوزوا منطقة الخطر، بدأت مراهنات جديدة عنوانها فرضيات تفاهمات دولية وإقليمية تشترك فيها واشنطن وأنقرة والرياض من جهة وموسكو وطهران من جهة موازية تنتهي بتنحّي الأسد لفتح الباب أمام تسوية تعيد ترتيب البيت السوري على قاعدة تقاسم النفوذ والجغرافيا في سورية جديدة تخيّلها الكثيرون وبنوا عليها سياساتهم.

 

تدخل سورية السنة الحادية عشرة من الحرب، وهي تستعد للاستحقاق الرئاسي الذي يعرف الجميع أنه يغلق باب المراهنات على كذبة اسمها تسوية دولية إقليمية يكون فيها تقاسم سورية ومستقبل رئيسها على طاولة التفاوض. فمن يريد أن يقرأ في السياسة يجب أن يكون قد استنتج أن موسكو وطهران من باب التقدير الاستراتيجي لمكانة سورية في حلف آسيا الجديدة، والتقدير السياسي والعسكري لشروط تماسك سورية كحليف، متفقتان على أن مكانة الرئيس بشار الأسد ليست أمراً يملك أحد القدرة على وضعه على طاولة البحث إلا إذا أراد خوض حرب مع شريحة واسعة من السوريين والقسم الأكبر من جيشها، وخسارة الجغرافيا والديمغرافيا اللتين تمثلان نقاط قوة حضور روسيا وإيران من البوابة السورية، فكيف إذا كانت هذه المكانة أصلاً موضع ارتياح وثقة لدى موسكو وطهران، وكان القرار الروسي الإيراني واحداً ومضمونه الاستثمار على هذه المكانة لمواصلة معركة الحسم في سورية وصولاً الى النصر النهائي.

مع ولاية جديدة للرئيس بشار الأسد تمتدّ لسبع سنوات مقبلة، على الجميع أن يعيد حساباته، فيغادر الأكاذيب والأوهام أولاً، ويغادر ثانياً فرضيّة أن الانفتاح على سورية هو جائزة تقدم لسورية وأنها مكافأة مشروطة بموافقة سورية على مواقف تلبي من خلالها شروطاً عربية، سواء باعتبار الانفتاح اعترافاً بشرعيّة الدولة السورية ومؤسساتها أو من خلال ما يعنيه من تبعات اقتصادية ومالية، لأن هذه الفرضية ستقابل بالرفض من سورية، وقد تأقلمت سورية مع وضع جديد سياسي واقتصادي، وهي تتأقلم أكثر، والغياب العربي سيجعل المساهمات الروسية والإيرانية التي بدأت تتنامى وتتحول الى التزامات أكثر جدية، سترتب مع الغياب العربي تموضعاً اقتصادياً جديداً لسورية يصبح فيه الحضور العربي ثانوياً، وتبدو روسيا وإيران عازمتين على رفع هذه المساهمات الى درجة تتيح تجاوز الكثير من الأزمات التي تعيش سورية تحت وطأتها، حيث يكفي شطب فاتورة المحروقات من الضغط على سوق الصرف حتى يستقيم سعر الليرة السورية على حد مقبول، وتتوافر مصادر الطاقة للمنتج والمستهلك فتنشط الدورة الاقتصادية.

العرب واللبنانيون منهم مدعوّون لقراءة من نوع آخر، وقوامها أن سورية تقف في المنطقة على ضفة الحلف المنتصر، وأن الآخرين يقفون بدرجات متفاوتة على ضفاف الأحلاف الخاسرة ويواجهون تحدّيات يشكل الانفتاح على سورية عامل قوة في مواجهتها، فالوصول الى إعلان العودة الأميركية الى الاتفاق النووي من دون تعديل ومن دون الأخذ بالتطلعات الخليجية صار مسألة وقت قصير، وقد تورّط الخليج بعار التطبيع ومنح شواطئه المقابلة لإيران لمخابرات الاحتلال، وهو من يحتاج سورية لترسيم سلمي لعلاقاته مع إيران، وبالتوازي يواجه الثنائي المصري السوداني الذي استند في الدفاع عن ثرواته وحقوقه المائيّة بوجه مشروع سدّ النهضة الأثيوبي الى تحالفات ظهر أن إثيوبيا تحظى بدعمها الوافر، حيث مصالح تل أبيب بالوصول الى حصة من مياه النيل جعلت الأموال الأميركيّة والأوروبيّة والسعوديّة والإماراتيّة تتدفق على مشروع السد رغم ما يبشر به من كارثة بالنسبة لمصر والسودان. ويكفي أن تحييد الصين كممول ومساند لأثيوبيا وكسب روسيا وإيران تحتاج الانفتاح على سورية، لتنظر القيادتان المصرية والسودانية بعيون مختلفة للعلاقة مع سورية.

في لبنان شيء مشابه، فمنذ سنوات وقبل زمن الانهيار المالي، ولبنان ينوء تحت عبء النازحين، ويُعيقه عن التحرك وهم وانتظار، وبعد الانهيار بات التبادل اللبناني السوري بالعملات الوطنية طريقاً لتخفيف الأعباء والمخاطر ومواجهة التحديات، ولبنان يحجم خشية إغضاب بعض العرب وكل الغرب، وتطفو على سطح السياسة أوهام ومراهنات. واليوم تنفتح قضايا بحجم ترسيم الحدود البحريّة الشماليّة، وتبقى قضية النازحين والتبادل التجاري على الطاولة، ومعها قضية تجارة الترانزيت الى العراق والأردن عبر سورية، وكلها تستدعي توجهاً لبنانياً نحو سورية، وبعض اللبنانيين مصاب بداء الوهم أن الانفتاح جائزة يمنحها لسورية، أو أن الانفتاح عقاب للبنان يعطل عليه جوائز أخرى موعودة ولم يصل منها شيء ولا يبدو أنه في طريق الوصول.

– الذي لم ينتبه له هؤلاء العرب واللبنانيون هو أن التوجّه الأميركي نحو العودة الى الإتفاق النووي مع إيران يُنهي مرحلة مواجهة ويفتتح مرحلة تسويات، وأن ما بعد العودة غير ما قبلها، وأن ما بدأ مع إيران سيستكمل في العراق وسورية واليمن، وأن الأميركي لن يقيم حساباً لمن يعتقدون أنهم حلفاؤه، ويفترض أن يكونوا قد تلقوا الرسالة مع ادارة الظهر الأميركي لطلبات من ظنوا انهم حلفاء خلال التفاوض مع إيران قبل العودة للاتفاق، وعندما ينطلق قطار التسويات سيجد الكثير من العرب أنفسهم يلتحقون بمسار العودة الى سورية في ذيل القافلة، ومثلهم بعض اللبنانيين، وقد آن الأوان ليفهم المعنيون ان العودة إلى سورية هي لأجلهم لا لأجلها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى