بقلم ناصر قنديل

روسيا ترفض قانون قيصر..‏‎‎فما هي مفاعيله؟: ناصر قنديل

بالتأكيد يضيف قانون قيصر للعقوبات المفروضة منذ سنوات على سورية أميركياً وأوروبياً المزيد، لكن هذا المزيد المتصل بالاستهداف المباشر لسورية كدولة واقتصاد يكاد يكون مجرد غبار إعلامي، لأن المصرف المركزي السوري والمصارف التجارية تحت عقوبات سابقة تمنع فتح الاعتمادات لزوم الاستيراد، والدولة السورية ممنوع عليها بيع وشراء النفط منذ زمن، والاستهداف الجديد المباشر كناية عن دفعات من الأسماء التي تطالها العقوبات، أغلبهم ليست لديه حسابات مصرفية قابلة للعقاب، ومَن لديه سبق ونال نصيبه من العقوبات، كما يقول مجرد الاطلاع على اللائحة الأولى التي سوق لها الأميركيون وجماعاتهم الكثير، بصفتها، الإشارة لحجم العقوبات التي يمثلها القانون.

 

قيمة القانون بالتأكيد لم تكن بتهديده للمتاجرين مع سورية، لأن الأوروبيين ممتنعون أصلاً، ومثلهم كثير من الدول والشركات العالمية، وبالتوازي ليست قيمة القانون بتهديد إيران وهي المعاقبة بما هو أشدّ من قانون قيصر. والقيمة الفعلية للقانون كانت يوم بدأت مناقشته قبل ثلاث سنوات، وهي اليوم كذلك، بكونه يستهدف الضغط على روسيا عبر التلويح بمعاقبة شركاتها التي تتعامل مع سورية، ومن ضمنها شركات تمثل عصب الاقتصاد الروسي سواء في مجال صناعات الأسلحة أو في قطاع النفط والغاز. ومثلما كان الأمر منذ ثلاث سنوات ويتجدد اليوم، ثمة ما تريده واشنطن من موسكو عبر التلويح بالعقوبات، كان في الماضي يوم صدر القانون الامتناع عن المشاركة في معركة حلب، وحسمت روسيا المشاركة وحسم النصر معها قبل أن يبصر القانون النور فتم صرف النظر عنه.

العودة للعقوبات في مخاطبة روسيا هذه المرّة لها عنوان موجود في نص القانون، وفي فقراته الأخيرة، وهي متصلة بمسار الحل السياسي، رغم أن موضوع القانون لا يتصل بالحل السياسي، والواضح لمن يقرأ القانون أن ما يريده الأميركي إشارات على حل سياسي تراعي طلبات محددة، تتوزع بين محورين: الأول هو وضع خاص يقارب الفدرالية لمنطقة سيطرة الميليشيات الكردية في شمال شرق سورية، والثاني ترتيبات أمنية جنوب سورية توفر أعلى الممكن من ضمانات لأمن كيان الاحتلال المكشوف أمام قوى محور المقاومة، ولذلك كان المحللون الأميركيون منذ الإعلان عن قرب وضع القانون قيد التنفيذ يراقبون يوماً بيوم ردود الأفعال الروسية، ولذلك حتى أول أمس كانوا يعتبرون القانون فعالاً بداعي أن موقفاً روسياً لم يصدر أسوة بما صدر عن إيران، لكن الموقف الروسي صدر أمس، وكان متعمداً تأجيله ليوم دخول القانون حيز التنفيذ علامة استخفاف روسي، ظهر بالقول إن موسكو ستزيد دعمها للدولة السورية، وإنها لن تخضع للتهديد بالعقوبات التي يتضمنها قانون قيصر.

– على هامش تفاهة المحتفلين بالقانون من بعض اللبنانيين، وما يتحدثون عنه من انهيار سوري ينتظر بعض المدد من لبنان، تروى روايتان تطغيان على الإعلام، واحدة تقول إن حزب الله يشتري الدولارات من لبنان ويهربها إلى سورية، والثانية تقول إن تهريب المازوت والطحين من لبنان إلى سورية على قدم وساق، وإن هذين العاملين، شراء حزب الله للدولار وتهريبه ومثله تهريب الطحين والمازوت إلى سورية، سببا انهيار لبنان وصمود سورية، ورغم أن العاقل يعلم أن وراء هذا الكلام مجموعة مغفلين، لكن لا بدّ من كشف الخداع والغباء في الكلام. وهنا نسأل هل يشتري حزب الله الدولار من بيروت ويهربه إلى سورية بلا مقابل مالي أو تجاري؟ وهذا يعني كي يكون الرقم مؤثراً بالنسبة لسورية أن يكون حزب الله قادراً على بيع ليرات لبنانية وشراء دولارات مقابلها بمئات ملايين الدولارات، والأمران يجعلانه أهم من المصرف المركزي بمخزون لا ينضب من الليرات وقدرة لا تضاهى بالتخلي عن الدولار، بينما يفترض أن نصدّق أنه في أزمة أشدّ من سورية، أما إن كان حزب الله يحصل على المقابل للدولارات، فهل يُعقل أن يكون بالليرة السورية وماذا سيفعل بها؟ فإن كان يشتري بضائع لتباع في لبنان فهذا صار تجارة لاستيراد سلع يحتاجها السوق اللبناني بسعر أرخص حكماً من مصادر استيراد أخرى، يحتاج تمويلها لدولارات أكثر، وهذا يجعل العملية توفيراً للدولار لا استنزافاً له، بالنسبة للسوق اللبنانية، أما حكاية تهريب المازوت والطحين، فأولها الاقتناع أنها إن أخذت بالحساب فيجب التسليم بأنها لا تمثل إلا الجزء البسيط من حاجات سورية التي تعادل عشرة أضعاف استهلاك لبنان من المادتين، والحديث عن تهريب سقفه الأعلى 10% من استيراد لبنان، يعني 1% من استهلاك سورية، ورغم الحجم الهزيل نبدأ بالأسئلة، هل المقابل للطحين والمازوت هو ليرات سورية يتقاضاها المهربون، وماذا يفعلون بالليرات السورية، وإذا باعوها ليشتروا بها دولاراً، فيجب أن يكون المشتري بالنهاية في السوق السورية ليستعملها، ويصير الدولار المقابل دولاراً يخرج من سورية ليدخل إلى لبنان لا العكس، ويجب أن يكون سعر البيع للمواد المهربة أعلى من مبيعها في لبنان كي تكون العملية مجدية، أي أن دولارات أقل دفعت لشراء المواد ودولارات أكثر جاءت ببيعها، فكيف يكون لبنان مستنزفاً بالدولار. هذا رغم صحة أن التهريب يكلف الدولة فارق الدعم، ويجب وقفه، لكن المبالغات والأكاذيب آن لها أن تتوقف، لأنها لا تنشئ قضية ممكن الدفاع عنها أمام أي منطق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى