بقلم ناصر قنديل

أين تصحيح فاتورة الاستيراد وميزان المدفوعات أيّها الخبراء؟: ناصر قنديل

يبدو مستهجناً أن يغيب عن أية معالجة للوضع الاقتصادي والمالي النظر إلى حجم فاتورة الاستيراد اللبنانية، وعندما تحضر عند خبراء الخطط الاقتصادية والمالية فيتم ذلك فقط لذكر الرقم الإجمالي للمستوردات، بينما يكفي التدقيق في بعض بنودها لرؤية فاجعة بحجم أن لبنان بلد الحمضيات المكدّسة والكاسدة بحثاً عن أسواق، يستورد العصائر من دول الخليج ومثلها يستورد المنظفات والألبان والأجبان، هذا عدا عن الكثير من المواد الاستهلاكية القابلة للتصنيع محلياً، أو التي يوجد لها مكافئ محلي، قابل للتوسع والتطور، إضافة لمستوردات صناعية – زراعية قابلة للإنتاج محلياً بكلفة مجزية اقتصادياً، كالسكر والزيوت النباتية، ويكفي تذكر مأساة الشمندر السكري الذي جرى إتلاف زراعته وتخريب صناعة السكر المرتبطة به. وعلى ضفة موازية ورغم التشكيك السياسي يمكن وضع روزنامة زراعية تبادلية مع سورية تؤمن تصدير التفاح والموز اللبنانيين مقابل الخضراوات التي ترد من سورية وغالباً بطرق غير شرعية لتتم شرعنتها، ويمكن للتبادل أن يجري بالعملتين الوطنيتين.

 

هذا المثل واحد من عناصر فاتورة استيراد يحتاج النظر فيها إلى عملية فك وتركيب تشكل جوهر العملية الإصلاحية المطلوبة اقتصادياً، طالما أن كلمة السر التي ظهر الانهيار من خلالها كانت ولا تزال سعر صرف الدولار الناتج عن اختلال العرض والطلب ومحور الطلب هو المستوردات، ويجب أن يعرف اللبنانيون أن حجم التصدير الذي يتراوح بين مليارين وثلاثة مليارات مع حجم تحويلات المغتربين، يوفران لميزان المدفوعات، 10 مليارات دولار، ويكفي تخفيض الاستيراد إلى مستوى النصف حتى يتحقق توازن العرض والطلب على العملة الصعبة ويتحقق تحسّن في احتياط المصرف المركزي من العملات الصعبة وبدء تحقيق تراكم في محفظته من العملات الصعبة، بعيداً عن اللعبة الهوائيّة المدمّرة للهندسات المالية، فكيف إذا رفع التصدير إلى 4 أو 5 مليارات سنوياً، وهذا ممكن وممكن جداً، وكيف إذا تم تطوير المداخيل العائدة من التصدير ومن موقع لبنان الخدمي يجيب عليها مجرد التفكير بما يعنيه خط سكك حديدية يربط مرفأ بيروت ببغداد، التي تدفع كلفة إضافية تقدر بـ 50% على عمليات الاستيراد من أوروبا عما سيوفره لها هذا الخط، وما سينشأ معه من تعزيز انتقال الأفراد والبضائع بسرعة وانتظام يتكفلان بإنعاش قطاعات التعليم والاستشفاء والمصارف، التي يتميز بها لبنان ويرغبها العراقيون ويفضلونها.

يبلغ حجم فاتورة المستوردات اللبنانية قرابة 20 مليار دولار سنوياً منها أكثر من 5 مليارات لفاتورة المحروقات لزوم كهرباء لبنان والمشتقات النفطية، وهذا المحور قابل للمعالجة بتفاهمات دولة لدولة بين لبنان والعراق يطال إعادة تشغيل أنبوب كركوك طرابلس وتفعيل وتشغيل مصفاة طرابلس، فيقدّم حلاً لجانب من الفاتورة بالعملات الصعبة ويرد الاعتبار لمرفق صناعي هام وينشئ عدداً وافراً من فرص العمل وينعش منطقة من أشدّ المناطق فقراً تعوض بعضا من الوعود الخلبية التي تلقاها أبناء الشمال عن مئات آلاف فرص العمل، أما عن كيفية تسديد بدل النفط الخام للحكومة العراقية فهو متاح من جهة عبر فائض المكرر من النفط عن حاجة لبنان وبيعه عبر لبنان الواقف على البحر المتوسط للسوق العالمي، وتوسعة طاقة هذا الأنبوب وطاقة المصفاة لتحقيق التوازن المنشود، عدا عن إمكانية تقديم سندات نفطية لبنانية بالكميات التي لا تتم تغطيتها من التكرير، وإعادة تسديدها بعد بدء إنتاج النفط اللبناني.

المستوردات ذات الطبيعة الاستهلاكية والممكن تعويضها بمنتجات لبنانية إذا توافرت لها الرعاية والدعم اللازمين تشكل وفقاً للخبراء 80% من إجمالي فاتورة الاستيراد الاستهلاكي، والطريق معلوم وهو رفع الرسوم الجمركية على استيراد هذه المواد إلى أكثر من 100% وتقديم المؤازرة التمويلية لإنتاج بدائلها محلياً، وبالليرة اللبنانية. والنتيجة مزدوجة تطوير الزراعة والصناعة المرتبطة بها، وخلق فرص عمل وتخفيض الضغط على العملة الصعبة، وفي جانب من الاستيراد تحقيق دخل من عائداته الجمركية.

فاتورة العمالة الأجنبية التي تشكل العمالة المنزلية النسبة الأكبر منها، تشكل مفردة لم يتناولها أحد بعد، ولا وضعت لها بدائل، فيما أكثر من ملياري دولار تستنزف في تحويلات هذا القطاع. ويمكن البدء بفرض رسوم مرتفعة عليها بما يتيح تخفيضها للنصف، وتشجيع بدائل عنها كدور الحضانة المتخصصة للأطفال الرضع، وشركات التنظيف المنزلي، أما اليد العاملة في الأسواق في المهن التي يؤديها غير اللبنانيين، فنسبة السوريين تشكل أغلبها وهي قابلة للحل، باعتماد التحويل المباشر بين العملتين اللبنانية والسورية دون المرور بالدولار بتعميم أسبوعي يصدر عن حاكمي المصرفين المركزيين.

مشكلة الذين وضعوا خطة الحكومة أنهم يعيشون في الحواسيب والخطوط البيانيّة بدلاً من أن يمسكوا دفاتر الجمارك، وتفاصيل التحويلات بالعملات الأجنبيّة وتوزع الاعتمادات المصرفية، ويقوموا بتحليلها حيث سيكتشفون أن سوق سورية والعراق يشكلان أهم الأسواق للتصدير قياساً بنسب التبادل مع دول الخليج وأوروبا، وأن قابلية السوقين لتنشيط التبادل واسعة وممكنة بالعملات المحلية بما يخفف الطلب على العملات الصعبة.

– الخطة الاقتصادية هي حصان الجر الرئيسي للعربة المالية، والإجراءات المالية والنقدية الأخرى ضرورية، لكن بالتأسيس على الوجهة التي يرسمها مسار الحصان للعربة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى