بقلم ناصر قنديل

الخطاب الطائفي وأزمة النفايات: ناصر قنديل

تقول الوقائع اللبنانية الراهنة ببساطة شديدة إن من حفر حفرة لأخيه تحت عنوان الطائفية وقع فيها في عنوان آخر، فتسعير الخطاب الطائفي والحديث عن أولويّة الحقوق الطائفية، طمعاً بوظائف للمحازبين ومقابلها التلويح بعصبية موازية بخلفية طمع موازٍ، خلق جمهوراً مستنفراً يسهل أن تلعب به المصالح مرة والغرائز مرات ليقف تحت شعار «أن الطائفة لن تتقبل أن تطمر عندها نفايات طائفة أخرى». والحقيقة التي لا يريد أن يدركها السياسيون هي أنه لا يمكن معالجة مشاكل البلد إلا بصفته بلداً موحداً، لا يتحمل حجمه الجغرافي والاقتصادي والسكاني أكلاف حلول لكل مشاكله تنضبط بالإيقاع الطائفي، فهل سنسمع غداً بالدعوة لربط القروض الممنوحة للقطاعات الاقتصادية بقواعد التوزيع الطائفي، أو بربط النجاح في المدارس والامتحانات الرسمية والجامعات بهذه القواعد الطائفية. وبقدر ما يبدو الأمر نوعاً من السخرية هو في الواقع كشف لحقيقة وجوهر الحديث عن حقوق الطوائف الذي ظهرت نتيجته في ملف النفايات.

 

بالأساس بين اللبنانيين ثقافة معادية لفكرة قبول المطامر في مناطقهم، فقد جرّبوا طرق الطمر المعتمدة وما يرافقها من روائح وما ينبعث معها من أوبئة وما تصيب به المياه الجوفية، وهم يعلمون سلفاً ما يرافقها من فساد، وتعبيرهم عن رفضها هو جزء من هذه المعادلة الصحيحة، برفض نموذج الدولة الفاشلة والطائفية في تطبيق فكرة المطامر، ومثلها يرفض اللبنانيون المحارق التي يبحث الخبراء عن تسميات تجميلية لها لتسويق نماذج منها. والحقيقة أنه في بلاد العالم المتمدن والمتفوّق والمتحضر والغني مطامر ومحارق، لكن هناك دولة قبل كل شيء تتخذ قراراتها باختيار أمكنة إقامة المطامر والمحارق بحسابات دقيقية للمصلحة العليا وبضمانات علميّة لمنع الأعراض المؤذية مهما كانت الكلفة، ويرفقون قرارت تحديد المناطق المختارة لإقامة المطامر والمحارق بالحوافز التي تخلق التنافس على استضافتها بين المناطق تطلعاً لهذه المكاسب.

– في لبنان أزمة نفايات مزمنة تكلف الدولة قرابة مئتي مليون دولار كل سنة، ويكفي أن نعلم أنه مهما اختلفت طرق المعالجة بين الطمر والحرق أو كليهما فإن فرص العمل التي يوفرها هذا القطاع لا تقل عن عشرة آلاف فرصة عمل، ومثله قطاع الكسارات مصيبة لبنان البيئية الثانية، لكن بحجم اقتصادي وحجم فرص عمل مواز لقطاع النفايات، والتفكير العلمي سيقودنا إلى أن منطقة جرود السلسلة الشرقية وحدها تصلح للمهمة، وأن ربطها بالعاصمة وعبرها بالمناطق عبر خط سكة حديدية، بين بعلبك والشويفات، لنقل النفايات ذهاباً والعودة بإنتاج الكسارات إياباً، واستغلال ما تحفره الكسارات لتحويله إلى مطامر ومن ثم إلى غابات، كما تفعل الصين مثلاً، يمكن أن يمنح موازنة تنموية لا تقل عن عشرين مليون دولار سنوياً لبلديات محافظة بعلبك الهرمل من عائداتها الضريبية فقط، ويساهم بتوفير أكثر من عشرة آلاف فرصة عمل لأبنائها، لكن شرط ذلك الإقلاع عن نظريات التمزيق الطائفي والمذهبي، وإلا فليحمل كل وزير أو نائب نفايات طائفته ومنطقته إلى مطمر قرب منزله لأن أحداً من اللبنانيين لن يفعل ذلك.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى