بطء تحرير إدلب بين القراءة الصحيحة والتأويلات الخاطئة: حميدي العبدالله

يلاحظ بعض المتابعين أنّ الإنجازات السريعة التي تحققت في عملية تحرير إدلب، بعد تحرير بلدات ومواقع استراتيجية هامة مثل قلعة المضيق وكفرنبودة، بدأت تراوح في مكانها وتبدو أنها عملية بطيئة.

 

تضاربت الآراء والتفسيرات حول أسباب هذا البطء، البعض أرجعه إلى عدم حماس روسيا لهذه العملية كي لا تخسر علاقاتها مع تركيا، ويتجاهل هذا البعض أنّ الطيران الروسي يشارك في هذه العملية بنفس القدر الذي شارك فيه بعمليات سابقة عند تحرير أحياء حلب الشرقية، والغوطة الشرقية والمنطقة الجنوبية. البعض الآخر يفسّر بطء العملية لأسباب تتعلق بقوة الجماعات الإرهابية المسلحة وقدرتها على الصمود، ويتوقع أن تطول كثيراً عملية تحرير إدلب، ولكن ما هي الأسباب الفعلية لبطء عملية تحرير إدلب، بعيداً عن التفسيرات والتأويلات الخاطئة؟

هناك أسباب عديدة تعمل متضافرة وهي التي تفسّر بطء هذه العملية لجهة المساحات التي يتمّ تحريرها.

أولاً، معركة تحرير إدلب يكمن 90 من الوقت الذي سوف تستغرقه في القتال على خطوط الدفاع الأولى للجماعات الإرهابية، بمعنى آخر ما أن تنهار قدرات الجماعات الإرهابية في البقاء في خطوط وتحصينات دفاعها الأولى سرعان ما يكون تقدّم الجيش السوري سريعاً بعد ذلك. ولأنّ القسم الأكبر من وقت تحرير إدلب ينصبّ على السيطرة على خطوط الدفاع الأولى للإرهابيين فبديهي أن يطول أمد العملية العسكرية التي بلغ عمرها حتى الآن شهرين، ولكن إذا انهارت دفاعات الإرهابيين عن كباني وخان شيخون وتل ملح والجبين، فسرعان ما سيتقدّم الجيش السوري بخطى سريعة في تحرير مناطق واسعة من إدلب وعندها تختفي وتتلاشى الأسئلة المشككة حول بطء العملية.

ثانياً، الوقت الذي تستغرقه عملية السيطرة على خطوط الدفاع الأولى للمسلحين وتحطيم تحصيناتهم، الأرجح سيكون أطول من الوقت الذي احتاجته عمليات تحرير مناطق سابقة، مثل الغوطة، وأحياء حلب الشرقية، لأسباب عديدة ومتنوعة أبرزها سببان، الأول، أنّ جميع الإرهابيين المتشدّدين الذين رفضوا خيار المصالحة تجمّعوا في منطقة إدلب، وعملوا على بناء تحصينات دفاعية قوية منذ فترة طويلة لقناعتهم بأنّ الجيش السوري مصمّم على تحرير هذه المنطقة، كما فعل في مناطق سابقة، ولأنه ليس هناك منطقة أخرى يمكن ترحيل الإرهابيين إليها، فمن الطبيعي أن يقاوم الإرهابيون حتى الرمق الأخير لأن ليس لديهم خيارات أخرى سوى الاستسلام، لا سيما أنّ تركيا لن تسمح لهم بالدخول إلى أراضيها، السبب الثاني أنّ هؤلاء الإرهابيين يحصلون على مساعدات فعّالة من تركيا، وخطوط إمدادهم مفتوحة على نطاق واسع لم يكن متوفراً بالمستوى ذاته حتى عند بدء معركة تحرير أحياء حلب الشرقية.

ثالثاً، في مطلق الأحوال عندما بدأت معركة تحرير إدلب، كان الواضح أنها عملية محدودة تعتمد أسلوب القضم التدريجي للحؤول دون وقوع خسائر بشرية كبيرة، لا سيما في صفوف المدنيين، حيث اكتظت هذه المنطقة بأسر الإرهابيين الذين رفضوا خيار المصالحة.

هذه الأسباب مجتمعة هي التي تفسّر بطء عملية تحرير إدلب، ولكن هذا البطء لا يعني أنّ العملية تراوح في مكانها، أو أنها تعاني من التعثر، بل تحتاج إلى الوقت اللازم، وهو الوقت الذي يستغرقه القضاء على الجماعات الإرهابية المحصّنة في خطوط الدفاع الأولى، والمعركة لا تزال مستمرة وفي أوْجها، وهي في صدد إنجاز الفصل الأكثر أهمية فيها.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى